الحكومة والفوسفات وطريق الشيدية


قبل عشرين عاما , وبعد كارثة حلّت بمدينة معان فقدت فيها سبعة من شبابها العاملين في مناجم الشيدية , التابعة لشركة الفوسفات الاردنية , اللذين ابوا الاّ أن يلتحقوا بعملهم في يوم كان الغبار يملأ أفق الصحراء الممتدّة على جانبي طريق , بالمسمّى دولي , وبالفعل ضيّق شحيح , ليس له أطراف اذا اراد سائق السيّارة أن يستريح او يصلح خللا في مركبته , يضع الف احتمال أن تأتي سيّارة أو شاحنة و أو حافلة للحجّاج او المعتمرين , فتصطدم بسيّارته وتكون كارثة , وهذا ما حصل مع الرجال السبعة , عندما اصطدمت بمركبتهم حافلة لم يرى سائقها ان امامه سيارة , اشتعلت النيران فيها من قوّة الصدمة , فقضي على من فيها , لأن الطريق بلا أكتاف وأعلى من مستوى الأرض .

بعد تلك الكارثة استقبل ملتقى معان الثقافي , مجلس ادارة شركة الفوسفات , ليتدارسوا حال الطريق المؤدّية الى منجمهم , وليتذكّروا أن السبعة اللذين فقدتهم عشائر معان , هم من خيرة شبابها العاملين في منجم الشيديّة ولم يتقاعسوا يوما عن الذهاب الى العمل فيه , حتّى في الايّام ذات الجو السيء , الماطرة أو المغبّرة , مع علمهم بأنهم سيسيرون على طريق سيّء , لا يستوعب حركة الآليات عليه , وأوضح رئيس مجلس الادارة لشركة الفوسفات في ذلك الزمن , أنّ الحكومة والشركة تتدارسان توسعة الطريق , لأنهم يعلمون أن حركة الشاحنات التي تنقل الخام الى العقبة ستتزايد يوما بعد يوم , بالإضافة الى انّه طريق دولي .

واليوم , وبعد عشرين عاما , لم يزل الدرب نفسه , الذّي يعبره الآن يوميّا مئات الشاحنات التي تنقل الفوسفات , والحافلات التي تنقل الحجّاج والمعتمرين , والسيّارات الصغيرة التّي يصل بها الزائرين الى الاردن من السعوديّة , يسلكون طريقا يعلمون أنّهم سيكونون أحد ضحاياه اللذين نسمع عن الحوادث التي تحصل معهم , ونشاهد صور تلك الكوارث المؤلمة , التي تودي بحياة الكثيرين , وتبقي آخرين بعاهات دائمة , يخسرهم الوطن الذّي لم تستطع الحكومات المتعاقبة فيه لأكثر من اربعين عاما أن تجعله بمسارين , أو أن توّسّعه بما يجعله طريقا يصلح أن يكون دوليا .

فقدنا قبل أيّام أحد الشباب الواعدين , رحمه الله , بحادث على هذا الطريق خلّف مصابين أيضا , ومع ايماننا بقضاء الله وقدره , الاّ أننا نتساءل , هل الحكومة أو شركة الفوسفات و التي تربح كثيرا , غير قادرتين على توسعة الطريق وجعله بمسربين وهو الذّي يخدم الاقتصاد الوطني ولا يزيد طوله عن خمسين كيلو مترا , علّنا نتوّقف عن الترحم على شباب كان من الممكن أن لا نفقدهم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات