موت متفائل


كان يعتقد انه من المتفائلين , ومن الناس المؤمنين بقضاء الله وقدره , لا تثنيه الكوارث التي دائما تحصل معه عن أن يكون متفائلا , راضيا بما قدّره الله له , ومتوقعا الخير كلّه له ولأهله ولمن حوله , يحسن الظنّ بالله ويعلم تماما ان الله ارحم به من والدته التي انجبته , يدافع عن تفاؤله بتوقع الخير , وأن لا يأخذه اليأس الى التشاؤم , الذي لا يؤمن به , ويحاول دائما أن يبتعد عنه , يعلم تماما ان ما يحصل معه انما هو مقدمة لخير قادم يخبّئه له القدر , ولا بد من ان يأتي هذا الخير عمّا قريب و لا يشكو ولا يتذمّر , ولا يغضب من ايّ أحد اراد أن يؤذيه أو آذاه , وانّما يجد له العذر , ويسامحه .

عاش في بيت أبيه العامل في البناء , والذي لم يكن يستطيع أن يوّفر العيش الكريم لعدد كبير من الاولاد ولأمّهم , ولم يستطع أن يكمل تعليمه الاساسي بسبب العوز وبسبب معلّم اللغة العربية الذي كان دائما يضربه بالعصى لأنّه لا يفّرق بين الألف المكسورة والممدودة , ويبتسم والالم يزداد في يديه , ويأمل أن يتعلّم الفرق فيما بعد , ولم يعرفه أبدا , وكان عليه أن يعمل ليساعد أباه , تفاءل بأن يكمل دراسته فيما بعد , ولكنه لم يكملها , تزوّج قريبته , البدينة القميئة , كما كان يسميّها في سرّه , وأحتمل بذاءة لسانها وكلماتها الجارحة , ويتفاءل بأن تغيّر من طريقة تعاملها معه فيما بعد , ولم تفعل .

لم تستطع زوجته أن تنجب له أولاد , ربما كان السبب بدانتها وربما لسبب آخر أو ربما بسببه هو , وتفاءل بأن يأتيه الاولاد فيما بعد ولم يأتوه , جرّب اكثر من طريقة لجمع المال , عمل مثل أبيه في البناء , عمل في تجارة خسر بها القرض الذي حصل عليه بشقّ الانفس من مؤسسة اقراضية باتت تطلبه بنقودها , وتفاءل هو بأن يجمع مالا فيما بعد يسدد به قرضه ولم يستطع , مرضت زوجته مرضا خطيرا , راجع معها اطباء المستشفيات الحكوميّة , الذين اجمعوا أن حياتها قصيرة وأنها ستموت قريبا , وتفاءل هو بأن يتزوّج غيرها عندما تموت , ولم يفعل , لأنها تعافت من مرضها .

ساءت صحتّه بسرعة كبيرة , اصبح في ايّام لا يقوى على المشي , ثمّ لم يستطع أن يحرّك يديه , ولا حتّى لسانه الذي لم يعد يتفوّه به بكلمات يتفاءل بها ويسلّي نفسه , ولم يستطع الاّ أن يذكر أنّ الله ارحم به من والدته التي انجبته , ولا بد له من أن يحسن الظنّ بالله ثم التفت الساق بالساق و مات .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات