صبّة سقف


شبّك ابو عبدالكريم يديه خلف ظهره , وحرّك دائريا ابهام يده اليمنى , ونظر الى البيت الجديد الذي يبنيه ابن عمّه , وكان قد اكمل معلّم الطوبار وضع الخشب وتمتينه , ثمّ ربط جسور الحديد الى بعضها البعض , ووضع بينها أسياخا من الحديد بأقطار مختلفة لتشكّل شبكة اذا وضع فوقها الاسمنت المخلوط جيدا وبنسب معروفة لابي عبدالكريم ولمعلّم البناء , فإنها ستكون صبّة سقف جيدة , لن تسقط ابدا بإذن الله , أو هكذا فكّر بسريرته , وهو يجيل النظر في السماء لعلّه يعرف ان كانت ستمطر ام لا , ولم يكن في الافق غيوم , ولم يكن يتابع النشرة الجويّة لأنّه لا يثق الاّ بحاسته , التي أخبرته أن مطر الوسم في تشرين قادم لا محالة .

في المساء الذي يسبق يوم الصبّة , دقّ الباب على بيت ابن عمّة بقدمه, وبيده اليمني كيس كبير من السكر وبالأخرى عشرين علبة من دخّان الكمال , مع أنّه لم يكن يدخّن ويعتبر من يدخنّون بلا عقل , ولكن هكذا جرت العادة , سلّم وجلس ونصح ابن عمّه بتأجيل الصبّة لأن السماء ستمطر , اجابه ابن عمّه وهو يمّد له كوب الشاي , السماء صافية والجو دافئ , فلا تخف , شرب الشاي وودعّهم , ثمّ مر على أقاربه يذكّرهم بالغد , لأن الله سيكون في عونهم اذا تعاونوا , وهو ما كانوا يفعلونه دائما , ولم يتخلّف منهم أحد بعد فجر اليوم التالي .

ذبح أكثرهم مهارة الشاة , وأعدت النساء الافطار , وبدأ الرجال يغنّون أغنية الاتكال على الله , وطلب التوفيق منه , وكانوا يتسابقون في حمل اوعية التنك التي يملئها لهم من يخلطون الاسمنت مع الرمل والماء , ثمّ يصعدون الدرج الخشبي الذي اعدّه معلّم البناء , ويسكبون الخلطة على الخشب , حامدين الله مسبحّين له , وامتلا السقف أو كاد بالخرسانة داكنة اللون , وتغيّر لون السماء , وأصبح داكنا مثل الاسمنت , ثم ابرقت وأرعدت وهطل المطر , خير, خير ,صاح ابو عبدالكريم مطمئنا ابن عمّه الذي لام نفسه انّه لم يسمع النصيحة , وركض هو يبحث عن حل .

كانوا قد أكملوا فرش الخرسانة على السطح ولم يعد من الممكن التراجع , أحضر ابو عبدالكريم قطعا من المشمّع كان قد جهزّها للظروف , وغطّى بها ما امكنه من مساحة السطح حتّى لا ينزل الاسمنت الى الاسفل ويبقى الرمل وحيدا , وتوقّف المطر قليلا ثمّ عاد , واجتمع الرجال للأكل , وكان المغرب قد أذّن , أخذ منهم التعب , وانطلقوا الى بيوتهم وخلدوا الى النوم , الاّ ابا عبدالكريم , لم يستطع النوم , واخذ يذهب الى ابن عمّه يطمئنه , ثم يعود الى الصبّة ليطمئن عليها , ولم يزل ابن عمّه يسكن في بيته الذي تعاون معه اهل الحي في صبّة سقفه الى يومنا هذا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات