غواية النكد


النكد في اللغة هو كلُّ شيء جرّ على صاحبه شرًّا و رَجُلٌ نَكَدٌ : شُؤْمٌ عَسِرٌ و أَرْضٌ نَكَدٌ : قَليلَةُ الخَيْرِ والعَطاءِ ونكَدُ الحظّ : قِلَّته و سوؤه , والتعامل مع أهل النكد عسير , لانهم يجعلون من اليسير معقدا , وهم اللذين يعشقون كثرة الانتقاد والبحث عن العيوب عند الاخرين , مع انها يمكن ان تكون متأصلة فيهم , ولا يكفون عن اللوم , ويشترك في النكد الذكر والانثى , الكبير والصغير , وهم يمارسون اكثر نكدهم في الصباح , فاذا افاق احدهم من النوم , اخذ يبحث عن ايّ شيء يضفي على الصباح النكد , ويجعل الجو مشحونا , وكأنّه لا يرضى أن يعيش بسلام والمحيطون يعيشون على الابتسام والتفاؤل باليوم الجديد .

مع اشراقة الشمس يصحو , لا يوقظه الاّ منبّه برنّة قويّة , يستيقظ بالرغم منه , وهو الذي ما استفاق يوما عن طيب خاطر , يمّد يديه باتجاهين متعاكسين , ويلوّح بهما في الافق , يقف, يسوّي سرواله كي يشعر براحة , يفرك وجهه بالماء المنهمر من الصنبور على المغسلة , , ثمّ ينظر بالمرآة فيرى وجها قد شوّهته الايام , يغلي الماء في الابريق ويعدّ الشاي , ولا ينتظر زوجته لأنها , كما يعتقد , ستبدأ بالصراخ حالما تصحو , ولا يهم السبب , يهمها فقط أن تصرخ عليه أو على الاولاد الذّين تعودوا على ما يبدو على هذا النكد الصباحي .

عليه في الطريق الى عمله , أن يسمع الأخبار من مذيع متجهّم يبدا بوصلة النكد الصباحية , كم مات في اليوم السابق من الناس في الدول المجاورة والمتحارب أهلها فيما بينهم, وكم زادت نسبة الاسعار , وغيرها من الأخبار التي لا تسرّ الخاطر , ويدخل الى مكان العمل متجهما , يقابله مراقب الدوام الاكثر منه تجهما , يضع عند اسمه تأخرا لمدة ربع ساعة , ستخصم من راتبه لاحقا , يدخل المكتب ليجد من يشتركوا معه في احتلال اركان المساحة الصغيرة وقد جلسوا على المقاعد المهترئة , لا يردون عليه التحيّة الاّ بعد الحاح منه , ليبدأ يوم اوّله ليس بأحسن من آخره ويعقد العزم على أن يكون مثل سقراط أو تولستوي , مهاجرا او مسالما .

يذكر التاريخ انّ اكثر النساء نكدا , على كثرتهن , امرأة تولستوي وامرأة سقراط . وليف تولستوي من اعظم كتاب الرواية الروس , والذي عاش في القرن التاسع عشر , يعرفه الناس من خلال روايات الحرب والسلام وانّا كاريننا وغيرها , تزوّج وهو في الرابعة والثلاثين من صوفيا , التي كان عمرها ثمانية عشر عاما , وعاشا مع بعضهما ثمان واربعين سنة , انجبت خلالها تسعة ابناء , غير الذين ماتوا , وكانت مثل تولستوي الذي يملك عزبة كبيرة , غنيّة ايضا , ولكن لمّا كبر , واصبح في السبعين من عمره , صار ينادي بالمساواة بين الناس ووزّع أملاكه على الفلاحين , الامر الذي لم يرق لصوفيا , التي حاربت ذلك بقسوة , واصبحت تهين الكاتب الشهير امام اولاده وطلبته , الا أن هجرها وهام على وجهه في محطات السكة الحديد ومات ووصّى أن لا تزوره زوجته في مرضه ولا أن تشارك في دفنه .

وسقراط , الذي تزوّج اكزانتيب , تلميذته التي احبته رغم انها تصغره بأعوام كثيرة , يشتكي الى تلامذته من سوء معاملتها له , وهي التي انجبت له الاولاد وتسهر على راحتهم وتعدّ لهم الطعام , وكانت تأخذ عليه انّه لا ينتبه الى بيته وأبناءه ولا يعود اليه الاّ بعد غياب الشمس , جالسا مفكرا ومعلما لتلامذته الفلسفة , لدرجة انّها يوما , وبعد أن صرخت عليه , سكبت الماء على رأسه امامهم, وقال هو لهم , لا بد بعد الرعد والبرق من أن تمطر , ولم يحرّك ساكنا .

ترى من الاكثر غواية للنكد , تولستوي وسقراط ام زوجاتهم .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات