روائع من الماضي


أجمل ما في هذه الدنيا هي عندما تهب نسمات وذكريات الماضي علينا ما بين الحين والآخر ، وهذه النسمات والذكريات نشتمها وتخطر على أذهاننا كلما رأينا أو سمعنا ما يزعجنا من مشاكل هذا العصر ، فنتحسر ونتألم ونتمنى أن ترجع بنا عجلات الأيام إلى الماضي الجميل.

فقد كنت أذكر عندما كان يذهب احد الأطفال لقص شعره عند حلاق القرية الوحيد وبرفقته والده ، فيبقى هذا الولد يردد طوال الطريق ويقول لوالده: ( بدي أحلق إفرنجي ما بدي احلق على الصفر ( قرعه) ) والأب يقول له : ماشي ، تكرم ، مثل ما بدك ، وما أن يجلس الولد على كرسي الحلاقة ، فيقول الأب للحلاق : احلقه إفرنجي ( على مسمع الولد) ويعطي الأب للحلاق إشارة وغمزه تدل على حلاقته قرعه ( على الصفر ) ، ليتفاجئ الولد بالنهاية أن رأسه محلوق على الصفر ( قرعه) دون أن يدري ، فيصرخ ويبدأ بالبكاء فيرضيه الحلاق برشة عطر و كالونيا...، لكن وبرغم انتشار القصات الجديدة مثل ( قصة الأسد ، والمارينز ، والكوكو ، وقصة السنجاب وقصة ألحصيني ،.... وقصات أخرى ما انزل الله بها من سلطان ) إلا إن حلاقة الإفرنجي والقرعة تبقى لها رونقها وروعتها وحلاوتها .

ومن الأشياء الجميلة في الماضي وذكرياته ، هي تلك التحليلات البسيطة الصادرة من النساء المسنات في البلدة ( الختيارات ) ، فإذا ما هبت رياح شديدة وانتشر الغبار في البلدة تقول النساء المسنات بأن هذا الشيء من علامات يوم القيامة ، وإذا ما امتلأت سماء البلدة بطيور أبو سعادة المهاجرة ، تقول تلك النساء بأن هذه إشارة لقيام الساعة ، وإذا ما توفي احد شباب البلدة اثر نوبة قلبية تقول تلك النساء : هذه من علامات الساعة ، وإذا ما طلق رجل زوجته في القرية تقول النساء المسنات : هذه من علامات يوم القيامة ، وإذا ما مرضت إحدى بقرات القرية تقول تلك النساء هذه من علامات يوم القيامة ، ومع أن بعض العلامات الصغرى بدأت بالظهور أو ظهر احدها في هذا الزمان ( كما يقول العلماء) إلا أن الناس ما زالوا في غفلة وجحود وإنكار لها ، بعكس الماضي عند سماع ظهور علامة وإشارة من إشارات يوم القيامة على لسان النساء المسنات ( الختيارات) سرعان ما نرى حالات الرجوع والخشوع لله آنذاك.

فنقول برغم التقدم الكبير للعلم والتكنولوجيا إلا أن نسمات الماضي وذكرياته الجميلة ما زالت تفوح وتطرق الأبواب كل يوم لتعزف على أوتار مشاعرنا وعواطفنا أجمل الألحان، وبرغم الفقر وأيام الشقاء والتعب في السابق إلا أن الجميع ما زال يحن ويبكي على تلك الأيام الرائعة لأنها مغموسة بالحب والطيبة والبراءة وخالية من التشويه الذي طال كل شيء حتى قصص وحكايات الأطفال التي كانت مليئة بالبراءة والبساطة في الماضي لم تعد خالية من التشويه والعبث والتخريب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات