البويجي والسياسي


يجلس على الرصيف في أحد شوارع طرابلس لبنان بين مجموعات كبيرة من الشباب ، وهو عجوز أنحنى ظهره مع الزمن نتيجة لجلوسة على كرسي الخشب ويمارس منهة في تلميع أحذية عابري الطريق ، وهو يمتلك عدد من الزبائن على مدار سنوات عمله الطويلة والتي مكنته من امتلاك خبرة وعين ثاقبة بمجرد نظرته للحذاء الذي تلبسه ، وبامكانه معرفة نوعية الحذاء واية انواع البويه التي تستخدمها في منزلك ، ويديه تعملان على الحذاء وعيونه تنظر اليك لأنه يعرف كل حركة وما يأتي وراءها دون أن يقطع نظره عنك ، وانت عليك أن تنقل قدميك على خشبته كلما نقر بإصبعه على مقدمة حذاءك كي يعلمك بأن تقوم بوضع القدم الأخرى . 
ومن كلمة سحبت وراءها كلمات وجمل كثيرة شيء منها في الحياة وشيء في السياسة وأحوال العرب وما وصلت اليه ، قدم لي هذا البويجي حكمة موروثة بين أصحاب المهنة تلك وكيف أنها تعطي وصفا لحال السياسين لدينا ، وعند سؤاله عن أوضاع البلد التي يجلس على أحد أرصفة شوارعها أجابني بأنها مثل حذائي ؟ ، وجاء وجه الشبه هذا من أن حذائي قد أكل عليه الزمن وشرب واصبح يمثل هما لي ، وعندما وجدت من يقوم بمهنة البويجي بمهارتة وخبرة عالية تمكنت من استعادة البريق لحذائي ، وأصبح شبه جديد وبإمكاني أن اسير به وانا أتغاوي بلمعته التي تشع في الشمس .
وحسب قوله هذه هو حال السياسين العرب يستهلكم الزمن ومن ثم يتم إعادة تلميعهم عند أكثر البويجيه حرفية ومهارة ؛ وهم الإعلاميين ممن يمتلكون ناصية القلم ويمتهنون سرقة التاريخ من بين رفوف الكتب ويعيدون تلميع من يدفع لهم ثمن خدمتهم تلك ، وفي نهاية الحوار الذي يشبه حوار الطرشان بينه وبيني وبين حذائي تذكرت ما يحدث في بلدي عندما يبرز نجم سياسي ما على الساحة وتبدأ المقالات والاخبار في تناوله وكأنه حذاء جديد يلمع ، وهو في الحقيقة قد استهلك واكل عليه الزمن وشرب وجربه الشعب بعدد شعر رأسه ، ومع ذلك وجد من يقوم بتلميعه ممن يمتهنون مهنة البويجي باستخدام القلم وليش فرشاة الأحذية والبويه .



تعليقات القراء

حمدان
المشكلة استاذ ان من يعرفه مهترئ للاسف صاحب حرفة التلميع فقط ،وقليل اخرين لهم ايدي قصيرة والسن دافئة وقلوب لاتملك الا المحبة، فيكتفوا باضعف الايمان
03-05-2015 11:36 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات