"سمير الرفاعي" .. رؤيا اقتصادية متقدمة


كانت محاضرة رئيس الوزراة الاسبق العين سمير الرفاعي ، التي القاها مؤخرا في جامعة الحسين بن طلال بالتنسيق مع مركز الجسر العربي لحقوق الانسان ، استثنائية وتستحق الوقوف عندها، ليس لجهة شمولية المحاظرة وتناولها القضايا الوطنية على بساط احمدي ، ولا لجهة الحوار الشفاف والصريح الذي دار بين المحاضر والطلبة ، بل لتقديمها رؤيا متقدمة لمعالجة ام القضايا الوطنية (الوضع الاقتصادي للدولة الاردنية).

سلط "سمير الرفاعي" في محاضرتة الضوء على أبرز التحديات التي تواجة اقتصادنا الوطني الاردني ، فختزلها بالمديونية والبطالة ونتشار الفقر . الاهم ، انة كشف عن رؤيتة الاقتصادية لمعالجة مكامن الخلل في اقتصادنا الوطني المتمثلة في تبني نظرية ( اقتصاد السوق الحر Free Market Economy) سياسىه وطنية ثابتة ، تقوم على اساس الانتقال من آلية الاقتصاد المركزي إلى آلية الاقتصاد الحر في إنتاج السلع والخدمات ، أي إنها عملية يتم بموجبها حلول القطاع الخاص (خصخصة Privatization ) محل القطاع العام في ممارسة النشاط الاقتصادي المنتج للسلع وبعض الخدمات. ويعتبر علماء اقتصاد إن (الخصخصة) مرحلة أخيرة من مراحل الإصلاح الاقتصادي.

ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، نتيجة ظروف الحرب، مدرسة فكرية اقتصادية اسمها "الكنزية" تبنت طروحات ضد الحرية الاقتصادية وتقييد حرية النشاط الاقتصادي الخاص ، وضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية.

الا انه ونتيجة للتغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي، بدأت تظهر طروحات مغايرة لطروحات الكنزية تؤكد وتبرر إن السبب الرئيسي للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الدول يعود إلى السياسات الكنزية ، وتدخل الحكومات في صياغة وتوجيه النشاطات الاقتصادية والذي كان السبب في زيادة العجز في الموازنات العامة للدول، وسيادة مظاهر الركود والتضخم والبطالة ، وهذا دليل على فشل السياسات الكنزية في معالجة الأزمات الاقتصادية التي بدأت تتفاقم منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي.

وعليه ، وفي بداية عقد الثمانينيات، ظهر تيار فكري اقتصادي جديد يدعو إلى مناهضة الكنزية. ومع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية في بداية عقد التسعينيات، حيث مر العالم بأكبر موجة ركود اقتصادي، رأى هذه التيار ضرورة تحجيم دور الدولة والقطاع العام وزيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.

تؤكد هذه المدرسة (التيار) إن الأزمة التي يعاني منها النظام الاقتصادي الحر (الرأسمالي) هي أن النظام لا ينطوي على عيوب، وإنما العيوب تكمن في السياسات والممارسات التقييدية التي تفرضها الدول، وتدخل الحكومات من خلال القطاع العام في الشأن الاقتصادي. لذا ترى هذه المدرسة في الحرية الاقتصادية الكفيل الوحيد لتصحيح كل الاختلالات داخل النظام الاقتصادي الحر والخروج من أزماته مقابل تحييد دور الدولة وتقليص دورها في النشاط الاقتصادي.

ونتيجة لما عانته الدول (متقدمة ونامية) من ركود في اقتصادياتها، تسبب في تفاقم عجز ميزانياتها، وانتشار البطالة والفقر، أخذت هذه الدول تتجه إلى تحرير اقتصادياتها من خلال تسليم القطاع الخاص زمام التنمية الاقتصادية.

الأردن ليس بمعزل عن هذه الدول حيث بدأت الحكومات الأردنية المتعاقبة ، (من ضمنها حكومىه سمير الرفاعي) منذ ما يقارب العقد بتقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية، من خلال تحويل إدارة بعض مؤسسات الدولة الإنتاجية والخدماتيه إلى القطاع الخاص بهدف:

أولا: رفع وزيادة الكفاءة في أداء المؤسسات والشركات المملوكة من قبل الدولة على أسس تنافسية من خلال إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والخاص.

ثانياً: تخفيف الأعباء التي تتحملها الميزانية العامة للدولة نتيجة تقديمها الدعم للمنشآت الاقتصادية الخاسرة، حيث ان الشركات والمؤسسات العامة لم تحقق أرباحا مجزية تكون بدورها مصدر دخل للحكومة ، بل كانت أداة لاستنزاف ميزانية الدولة ، فقد كانت تتلقى مساعدات مالية حكومية صريحة في صور متعددة، منها قد يكون على شكل تحويلات نقدية أو دعم نقدي، أو امتيازات ضريبية خاصة… الخ، والنتيجة هي أن تلك المشروعات العامة أصبحت عبئاً كبيراً على الموازنة العامة ، بــل ان تلك المشروعات في العديد من الدول النامية كانت سبباً في دفع الحكومات إلــى الاقتــراض مـــن الخــارج لمساعــدتها على الاستمرار.

ثالثاً: تعزيز الكفاءة الاقتصادية عن طريق المنافسة ، حيث ان أهم هدف للخصخصة هو تعزيز الكفاءة وإطلاق ديناميكية النمو في الاقتصاد وخلق فرص عمل ، ويأتي ذلك عن طريق تشجيع القطاع الخاص وتسليمه زمام التنمية الاقتصادية، لأن الواقع اثبت قدرة القطاع الخاص على تفعيل الدورة الاقتصادية وزيادة الإنتاجية وحل مشكلة البطالة (السبب الرئيسي للفقر).

ان خلق الجو المناسب لتشجيع الاستثمار المحلي ، واجتذاب رأس المال الأجنبي بغاية الاستثمار، له فوائد هامة على الاقتصاد بما فيه نقل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وتطوير الكفاءات الإدارية والتنظيمية والتسويقية وتنمية الصادرات وخلق فرص عمل. إن جذب الاستثمارات الأجنبية من العوامل الهامة في دعم جهود الدول نحو تنفيذ إصلاحات تعمل وفقاً لآليات الاقتصاد الحر (اقتصاد السوق).

" الاقتصاد الحر" أثبت (واقعياً وليس فقط نظرياً) نجاحاً كبيرا في تحقيق ما تبحث عنة الدول. حيث إن الدول المنفتحة اقتصاديا تملك ثروة أكبر ومعدلات بطالة اقل ونسب تعليم أعلى ومعايير أفضل للبيئة وحقوق العمال وفرصاً أكثر للاستثمار. فقد شكل أساساً للنمو والازدهار الاقتصادي لعدد كبير من الدول، مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية واليابان ومن ثم الصين والهند وغيرهما، ورفع مستويات معيشة مواطنيها وتحسين حياتهم.

اعتقد ان انحياز الحكومات الأردنية المتعاقبة الى خيار الخصخصة نابع من فكر اقتصادي يُدرك ظروف الأردن الاقتصادية واحتياجاته. رؤية دولة سمير الرفاعي الاقتصادية واقعية علمية متقدمة ، ستسهم الى حد كبير ، اذا تم الاستمرار في تطبيقها ، في تحسين الوضع الاقتصادي لبلدنا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات