الروس قد يحتاجون وقتاً طويلاً لتسريج خيولهم


تجيء زيارة المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف الى لبنان، ولقائه كوادر حزب الله وكوادر مكونات المعادلة اللبنانية الداخلية، في سياق خارطة طريق تغيير التوازنات الاستراتيجية وترسيماتها الجديدة في العالم، تبدأ بالضرورة من دمشق وتنتهي بالضرورة في دمشق أيضاً، وهذا قاد ويقود الى وجود مشروع روسي مشترك مع دول البريكس اسمه عالم متعدد الأقطاب، في مواجهة مشروع أمريكي ودول أخرى اسمه: الغطرسة والهيمنة الأمريكية، عبر حذاء روسي مرفوع بالوجه الأمريكي، ان بسبب المسألة السورية، وان بسبب المسألة الأوكرانية، وان بسبب الأنحياز الأمريكي الصارخ والحاد للكيان الصهيوني في مواجهة الفلسطينيين والعرب.

وسورية بديكتاتورية جغرافيتها السياسية، وموردها البشري ونسقها السياسي وجوهره "توليفة" حكمها السياسي، تعد بالنسبة للغرب بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية وعبر حلف الناتو الحربي، المدخل الأستراتيجي للسيطرة وبتفوق على المنظومة العسكرية الأممية الجديدة المتشكّلة بفعل المسألة السورية، ولأحتواء الصعود المتفاقم للنفوذ الروسي الأممي، والساعي الى عالم متعدد الأقطاب عبر فعل ومفاعيل الحدث الدمشقي، وصلابة مؤسسات نواة الدولة الفدرالية الروسية ازاء ما يجري في الشام من صراع فيها وعليها وحولها، فالروس يصحون وينامون ويتسامرون على وقع أوتار ما يجري في سورية.

يقال أنّ الروس غالباً ما يحتاجون وقتاً طويلاً كي يصار الى تسريج خيولهم ذات الأصول المختلفة، ولكنهم يمتطونها بسرعة مخيفة ومرعبة، فبعد صبر معالجة الاقتصاد الروسي المنهار و استرجاع عافيته ومنذ عام 2000 وحتّى الان، بدأ بوتين بمقاومة الطوق الغربي حول بلاده، و في سوريه و القرم و أوكرانيا لاقى الغرب هزائم مذلة و تلاشى أمام اقترابه، و في لعبة الطاقة الخطيرة ستسيطر خطوط الأنابيب الروسية لا الغربية، على الأراضي الآسيوية الأوروبية.

الرئيس فلادمير بوتين وبسبب خلفيته الأستخباراتية، يعرف كيف يستخدم قوّة خصمه ضد خصمه نفسه، ويعرف بعمق كيف يبحث القتلة السفلة عن فرصة لاحت وتلوح أو ستلوح لاحقاً، لذلك وفي المعلومات قام بطرد منظمات ومؤسسات مجتمع مدني على شاكلة(اليوأس ايد والمجلس البريطاني) وغيرهما من بلاده، كون مجموع الآنف ذكره واجهات لخدمات سريّة في الداخل الفدرالي الروسي لصالح العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي والعاصمة البريطانية كذلك، والمؤسسات السابقة وغيرها كثيراً ما يرحب بها العرب في الدواخل العربية رغن علمهم بحقيقتها.

فبوتين يتقن فن الأستخبارات المضادة، حيث الأخيرة لا تعني فقط البحث عن الجواسيس والعملاء والمخبرين وتشكيل الشبكات العنكبوتية بموارد بشرية منهم، بل تعني أيضاً وبشكل معمّق وعملي مواجهة عمل الوكالات المخابراتية الأخرى الغارقة أو التي تجعلها أعمالها غارقة في تدمير المؤسسات الوطنية الخاصة بالدولة من الداخل، وبنفس الوقت يعرف بوتين وخبراء مخابراته الأقتصادية ومخابرات الطاقة الروسية أنّ الأقتصاد الأمريكي، هو بالأساس اقتصاد حرب ومعه الأقتصاد الأنجليزي ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتّى اللحظة، رغم أنّ الأقتصاد الأمريكي يحقق نمو ولكنه نمو بالغ الصعوبة بمكان وزمان مختلفين وكذلك الحال بالنسبة لصديقه الحميم الأقتصاد الأنجليزي.

آرادوا توريط روسيّا في حرب مع أوكرانيا من أجل خلق حرب اقليمية أوروبية فرفض الروس ذلك وبذكاء حاد، وهنا نتساءل هل تتحول أوكرانيا ومسألتها الى سبب حقيقي لأنفصال أوروبا عن الولايات المتحدة الأمريكية؟ بعبارة أخرى هل تصبح الحرب من أجل أوكرانيا حرباً من أجل استقلال القارة الأوروبية عن أمريكا وحرباً ضد الدولار الأمريكي؟

أروقة صنع القرار في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، تسعى الى كسب حروب الولايات المتحدة الأمريكية سواءً في سورية أو أوكرانيا، وفي صراعاتها مع الصين وروسيّا، وفي فنزويلا وجلّ أسيا وفي كوبا وحتّى في تايوان، عبر مخططات هندسة توريط حلفائها وأدواتها، من خلال اجتراح هندسة أنواع جديدة من حروب وغزوات يخوضها الآخرون(الأدوات)، بالنيابة عنها وعن المجمّع الصناعي الحربي وبلدربيرغه في الداخل الأمريكي، فيما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالجلوس حول موقد نار حروبها، تلتقط الكستناء وبيض الحجل الطازج من بين ما أشعلته آيادي حلفائها وأدواتها وعملائها، بتوجيه وايعاز من نواة ادارتها(جنين الحكومة الأممية)، وعندّ الأزورار بالكستناء والبيض المشوي تحتسي النبيذ المعتّق حتّى لا تموت بازورارها.

أوكرانيا وتفاعلات ومفاعيل أزمتها الراهنة، ان لجهة الرأسي وان لجهة العرضي، ودور العامل الخارجي في تمفصلاتها وتحوصلاتها، جعلت منها(مكسر ومطحن)لعظام نتاجات الكباش الروسي الأمريكي في أكثر من ملف في الشرق الأوسط. الأمريكي قدّم تنازلات في الملف الأيراني والسوري وحزب الله والملف العراقي والملف اللبناني، وكان يحتاج الى تغطية لجلّ ما تنازل عنه حتّى لا يجرح في كبريائه، فذهب الى فتح الملف الأوكراني لتخريب الساحة الروسية وبشكل عميق الآن، وهذا ما أشار اليه الرئيس الروسي في خطابه الأخير قبل أيام، وكما ذهب الأمريكي الى اثارة دخّان آخر للتغطية عن تنازلاته في الشرق الأوسط، رغم حاجته الى ستاتيكو في الأخير للتفرغ لعدوه القادم روسيّا والصين، والأخيرة تتعملق اقتصاديّاً والأقتصاد الأمريكي صار مرهون الان للأقتصاد الصيني، وبنت بكين جيشاً حديثاً ومتطور، والجيش الروسي بقي قويّاً ومتماسكاً والشعور القومي الروسي تنامى وتنامى عبر بوتين وسياساته، ومجتمع المخابرات الروسي توسّع في مجاله الجيوبولتيكي وصارت له أدواته الناعمة، والتي من شأنها أن تقود الى تغيرات مثيرة في خرائط مجاله الحيوي، وكما هو الحال في تغير البنى السوسيولوجية والأستراتيجية لأوروبا، ان تمادت الأخيرة في تساوقها مع واشنطن، في استهدافاتها للداخل الروسي والخارج الروسي، في مجالاته الحيوية ذات الجزئية الأهم في الأمن القومي الروسي.

فالعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وفي معرض مسارات دعمها لسلطات الأنقلاب في كييف، المحفوف بالمخاطر على جلّ استقرار القارة الأوروبية العجوز، فهي تشرعن كل أنواع مواجهات هذه السلطات الأنقلابية مع المعارضين في شرق أوكرانيا وجنوب شرقها. الكابوي الأمريكي معروف عنه تاريخيّاً التشدّد والمرونة في السياسات وتنفيذها، حيث هناك في مفاصل الدولة الأمريكية، فريق يسعى الى مزيد من التصعيد مع الروسي، في فرض مزيد من عقوبات مشدّدة وتقديم مساعدات عسكرية لسلطات كييف الجديدة(الأنقلابيون النازيون الفاشست)، وهذا الفريق فريق العصا الأمريكية الغليظة، بسببهم صارت أمريكا الشرطي الأول في العالم، وفريق آخر يظهر شيء من الحكمة والواقعية السياسية والميدانية، وقد يكون الأقدر على فهم متغيرات الزمن، يسعى وبصعوبة نتيجة الصراع والخلاف مع الفريق الآخر، في جعل الباب مفتوحاً بقدر يسير للغاية للوصول الى تقاربات ثم تفاهمات، للوصول الى الحل الدبلوماسي لهذه الأزمة مع الروسي.

هذا الفريق الأمريكي فريق الأطفاء الدبلوماسي للنار التي أشعلتها واشنطن عبر حلفائها وأدواتها في الداخل الأوكراني، ممكن وصفه بالتيّار المعتدل أو أنّه يظهر الأعتدال وينادي بالتريث وتبريد سخونة الأجواء، ويعلن أنّه ليس من الحكمة بمكان حشر روسيّا بالزاوية ورفع سقوف التشنج معها، وفي ظل وجود ملفات مشتركة مهمة على طول وعمق خطوط العلاقات الأمريكية الروسية. فتحتاج واشنطن لموسكو كثيراً وأكثر من حاجة الثانية للدي سي في الملف السوري، والملف الأفغاني، والملف الباكستاني، والملف الإيراني، وملف كوريا الشمالية، وملف الصراع العربي "الأسرائيلي"، وملف تايوان، وفي ذلك رسالة مشفّرة لموسكو، نواة الأخيرة فكّت الشيفرة، وهي لتقديم تنازلات محدودة في ملفات أخرى حتّى في تايوان، وأرسلت الجواب عبر زيارة الرئيس بوتين الى القرم قبل نصف سنه تقريباً وعبر العروض العسكرية في يوم النصر على النازية، وعندما أكّد في خطابه الأخير بوتين أنّ القرم بالنسبة للروس مقدّسة كقدسية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، وفي ذلك رسالة أيضاً لليمين الأوكراني المتطرف النازي الفاشستي وسلطات انقلابه في كييف.

هذا وبحسب قراءات مجتمع المخابرات والأستخبارات الروسية، أنّه وفي ظل الأصطفافات الدولية بسبب الأزمة السورية ونتاجها الطبيعي الأزمة الأوكرانية، تسعى واشنطن وحلفائها ودولة الكيان الصهيوني الدولة المسخ "إسرائيل"، إلى تسخين النزاع بين روسيّا واليابان حول جزر كوريل المتنازع عليها بين طوكيو وموسكو، والأخيرة تنسق مع بكين حول ذلك.

كما أنّ الفدرالية الروسية تعي أنّ فريق الأطفاء الدبلوماسي للنار الأمريكية في كييف، لا يعني ولا يشي أنّ أمريكا تقر بوجود شريك روسي لها، وأنّ هناك قوّة أخرى صاعدة أعادت انتاج نفسها من جديد، فصعدت بقوة وثبات وكان الصعود خطوة خطوة وليس صعوداً صاروخيّاً، كون المعادلة الكونية تقول: أنّ من يصعد بشكل صاروخي سريع يسقط بمثل وشكل ما صعد، وهذا ينطبق على الدول وعلى الجماعات وعلى الأفراد(النخب السياسية والأقتصادية)في المجتمعات والدول.

انّ أي نزاع عسكري في أوكرانيا مع الروس من قبل الناتو والأمريكان سيغير هياكل أمن القارة الأوروبية ويقود الى حالة عدم الأستقرار في أوروبا كلّها، خاصة وأن المعلومات تقول عن تواجد عسكري للناتو هذا الأوان في مناطق أوروبا الشرقية، وهذا ما تم رصده وأكّده تصريح غير مسبوق لقائد قوّات الناتو في شرق أوروبا الجنرال فيليب، والذي سبق أن زار دول الجوار السوري منذ بدء الحدث السوري وفي أكثر من زيارة معلنة وغير معلنة ومنها بلادنا الأردن.

العملية العسكرية الجارية الآن على مناطق شرق وجنوب أوكرانيا من قبل الجيش الأوكراني، جاءت بضوء أخضر أمريكي بعد زيارات معلنة وغير معلنة لجون برينان مدير السي اي ايه ومعه ثلّة من ضبّاط الموساد الإسرائيلي، تهدف فيما تستهدفه لحشر الفدرالية الروسية أمام خيارين: الأول الأذعان لهجوم الجيش الأوكراني والتخلي عن الحلفاء، وبالتالي تخسر موسكو كل ما حقّقته حتّى اللحظة في أزمة القرم وتعود الى دولة رقم اثنين أو ثلاثة، وحتّى تخسر في ساحتها الأوراسية كمجال حيوي للأمن القومي الروسي، وفي هذه الحالة يكون الغرب قد رسم سقفاً لتنامي القوّة الروسية، وفرض معادلة جديدة ورسم سقفاً لقنوات ومظاهر التعبير عن القوّة الروسية المتصاعدة، وهذا يتطلب حسماً عسكريّاً سريعاً من قبل واشنطن والناتو والحلفاء والأدوات في الداخل الأوكراني.

الخيار الثاني يتموضع في التالي: أن تتورط روسيّا عسكريّاً لصد ومنع هجوم الجيش الأوكراني اذا ظهر تراخي من قبل أدوات الدولة الروسية الناعمة في الشرق الأوكراني، وبالتالي قد تتطور الأمور الى حرب اقليمية كبرى يكون الناتو ووجه المدني الأتحاد الأوروبي أحد أطرافها، والهدف هنا هو ضرب الأقتصاد الألماني كأقوى اقتصاديات أوروبا وهو يعتمد بشكل كلي على الغاز الروسي الطبيعي، كاقتصاد منتج من الدرجة الأولى وذو النظام الأداري النوعي والكمي في نفس الوقت.

وروسيّا تعتمد تكتيك النفس الطويل، وهذا هو نفسه سيناريو القرم الذي انتهجته موسكو، حيث الجيش الروسي تمترس خلف الحدود وترك الساحة للحلفاء في الداخل القرمي(القرم)، مع دعم سياسي ومادي ومعنوي وعسكري واعلامي، وذات السيناريو سيكون مع مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، وفي حال تفاقمت الأمور في الشرق الأوكراني وجنوبه، فانّنا سنكون أمام قرم آخر ينظم للفدرالية الروسية، وأثر ذلك على أوروبا والعالم سيكون وخيماً، حيث تتشجّع الحركات الأنفصالية وتطالب بالأنفصال، مما يقود الى حالة من عدم استقرار وثبات الدول وحدودها الجغرافية.

نعم انّها لعنة اقليم كوسوفو، هذه اللعنة التي جعلت وزير خارجية النمسا يتهم تركيا بتغذية التطرف في الداخل النمساوي، واشاراته الأستخباراتية الى أنّ أنقره تسعى الى جعل البوسنة قاعدة عمل تهدد أوروبا واستقرارها، مما يقود ويجعل جلّ أوروبا تكون مضطرة ومرغمة بعمق للآعتماد بالكامل وبشكل ناجز على تركيا في الكثير من الملفات الأمنية، وهذا من شأنه ان يقود الأتجاه الأمني والأقتصادي في أوروبا، الى صياغات جديدة في العلاقات مع تركيا واعادة ترتيب معظم الأوراق المختلفة معها.

فبعد زيارة الرئيس فلادمير بوتين الى تركيا ونجاحها في الشق الأقتصادي، يقوم الرئيس الفرنسي هذا الأوان بزيارة مفاجئة وغير مخخط لها الى روسيّا، ويلتقي الرئيس بوتين ومعه مدير مخابراته الخارجية برنارد باجوليه وكوادر ظله الأستخباراتية، مقابل كوادر الظل الأستخباراتية الروسية وبعد الزيارة الثانية لوفد روسي الى لبنان، منطقة النفوذ الفرنسية التقليدية واللقاء مع كوادر حزب الله الخصم الفرنسي الأول في الداخل اللبناني.

عنوان الزيارة الفرنسية سيكون حاملة الطائرات البارجه مسترال التي تتلكأ فرنسا بتسليمها لموسكو، في حين المضمون الفعلي للزيارة سيكون الأزمة الأوكرانية ومآلاتها وعقابيلها، واستراتيجيات الغاز الروسي لأوروبا، وزيارة بوتين الى تركيا وخطوط العلاقات الروسية مع حزب الله، ومحاولات التأثير والنفوذ الروسي في المعادلة اللبنانية الداخلية.

نواة الدولة الروسية القومية والوطنية تدرك، أنّ خيار التصعيد في أوكرانيا هو خيار أمريكي اسرائيلي صرف وليس أوروبي بامتياز، لذلك موسكو تمد الجسور مع أوروبا وترسل رسائل عدّة، في حين نجد أمريكا تدفع أوروبا القارة العجوز للتصعيد مع روسيّا عبر الملف الأوكراني، لتبقى القارة الأوروبية تحت دائرة النفوذ الأمريكي ولأبعاد روسيّا عنها، والدولة الأوروبية الوحيدة والتي تحاول حفر قناة مستقله بعيداً عن شقيقاتها الأوروبيات مع الفدرالية الروسية هي: ألمانيا أقوى اقتصاديات الدول الأوروبية وذات العلاقات الأقتصادية(ألمانيا تعتمد بشكل كلي على الغاز الروسي)والأستخبارية مع موسكو، حيث التعاون المخابراتي المشترك والمتساوق في أكثر من ملف دولي واقليمي وفي الشرق الأوسط، وكيف استطاع بوتين بسبب عمق خبرته لألمانيا ومجتمع مخابراتها أن يجعل خطوط التنسيق الأمني الروسي الألماني اتوستراد واسع حيث القواسم المخابراتية المشتركة والمتعددة، وخير مثال على ذلك: التحالف المخابراتي الروسي الألماني مقابل تركيا وأدوارها في أسيا الوسطى والشرق الأوسط وفي الداخل الأوروبي، وهذا ما جعل الأستخبارات التركية ومنذ مدّة تقترب أكثر من الأستخبارات الألمانية.

الغرب وأمريكا يستخدمان أوكرانيا كدميه في اللعب الجيوسياسي مع روسيّا، كما يدفعان سلطات كييف الأنقلابية لخوض حرب بالوكالة عنهما ضد روسيّا وأمنها القومي، تماماً كما يفعلان في الحدث السوري عبر دفع الأتراك وبعض مملكات القلق الخليجي وبعض عرب وزومبياتهم الأرهابية لتدمير الدولة الوطنية السورية. وروسيّا تعتبر أوكرانيا - كييف بسلطاتها الأنقلابية الجديدة ودول شرق أوروبا الأخرى، بمثابة القاعدة الأمريكية الأسرائيلية المتقدمة في استهداف موسكو من جهة، كما تؤمّن وتحفظ هذه القاعدة الأمريكية الأسرائيلية سيطرة واشنطن على الموارد النفطية الموجودة في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، هذا وقد رأى العالم كلّه المناورات العسكرية الروسية المفاجئة الحالية بالقرب من أوكرانيا وفي أكثر من منطقة، لأختبار القدرات القتالية لبعض الطائرات الروسية الحديثة.

انّ ما يقلق العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، هو قدرة وامكانيات روسيّا الكبيرة، في توفير خيارات استراتيجية بديلة على مجمل قطاعات المجتمع الدولي وقطاعات المجتمعات العربية ومشاكلها مع الآخر، وهذا من شأنه كما يتحدث معظم الخبراء أن يضعف الدور الأمريكي على العالم وفي الشرق الأوسط، بعبارة أخرى وكما أحسب وأعتقد، أن يضعف ويقلّل من الدور الرعوي الديكتاتوري المغلّف بغلاف الديمقراطية والحرية وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة، لواشنطن على العالم وقلبه الشرق الأوسط، وقلب الأخير سورية بنسقها السياسي ودكتاتورية جغرافيتها. وهذا القدر الروسي المتصاعد من شأنه أيضاً من الزاوية الأميركية، أن يدفع الكثير من الدول والساحات وخاصةً في العالم العربي الى العلاقات القوية والمتينة مع موسكو، وعلى قاعدة التنويع في العلاقات الدولية المتوازنة واللقاء الروسي العربي الثاني وفي الخرطوم هذه المرة يجيء في سياقات هذه السياسات الروسية ازاء ضرورة صوغ علاقات استراتيجية جديدة مع العالم العربي.

وما يقلق الأمريكان كذلك، أي تحالف ألماني روسي، فواشنطن وكما ذكرنا تسعى الى ابعاد أوروبا مجتمعةً عن روسيّا والعكس أيضاً وبأي طريقة، ولهذا الموقف الأمريكي أبعاد استراتيجية مركبة، فنلحظ ونرى ونلمس دفعاً أمريكيّاً لألمانيا للتورط بالحدث الأوكراني سياسيّاً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، رغم مقاومة ألمانيا لهذا الدفع الأمريكي الجنوني، واجتراحها وحفرها قناة مستقلة مع موسكو بعيداً عن شقيقاتها الأوروبيات. والذي يثير مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من الفدرالية الروسية، ترجمات موسكو لصعودها العالمي من جديد عبر تشكيل روسيّا لتكتل عالمي مع بكين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا عبر انشاء مجموعة البريكس، وأظهر هذا التجمّع الدولي والتكتل فاعليته من خلال ثلاث مرات استخدام للفيتو الصيني الروسي المزدوج في المسألة السورية، وهي أكبر أزمة تحدث ما بعد انتهاء الحرب الباردة والآن الأزمة الأوكرانية بعقابيلها المختلفة.

نعم موسكو وبالتحالف مع ايران والصين وباقي دول البريكس، قاموا بمنع المحور الأمريكي الأوروبي التركي الخليجي وبعض عرب من تحقيق أجنداته عبر الصراع السوري، والأخير تحوّل الى ساحات مكثفة للمجابهات الدولية الأقليمية وعبر حطب سوري متعدد، والأزمة الأوكرانية هي نتاج طبيعي لحالات الكباش الروسي الأمريكي المتصاعد والحاد والعرضي في المسألة السورية. انّ روسيّا الصاعدة وذات الشعور القومي المتصاعد وبزعامة الزعيم فلادمير بوتين، تنال الدعم المطلق من قاعدة اجتماعية روسية واسعة، حيث القوميون الروس والشيوعيون والكنيسة الأرثوذوكسية في كتلة واحدة داعمة ومؤيدة له وكحاضنة شعبوية ودينية وسياسية، حيث استطاع الرئيس الروسي بوتي أن يعيد بناء النزعة القومية الروسية والمدعّمة والمدرّعة بنزعة سلافية تشجعها وتدعمها الكنيسة الدينية الأرثوذوكسية، حيث انفتاح بوتين على الأخيرة واستدعائه للروح القومية الروسية في مواجهة الغطرسة الأمريكية، ومواجهة هذا الجنون المرتبك نتيجةً لمتاهات العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي. فصار الروس أكثر توقاً وشوقاً في السعي الى تأسيس لبنات نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يولد من رحم الأزمات عبر ما وفّره ويوفّره الحدث السوري والحدث الأوكراني، والأخير وكما ذكرنا ونذكر نتاج طبيعي لحالة الكباش الروسي الأمريكي الحاد في سورية، بل أنّ شكل العالم الحديث بدأ تشكيله وتشكله من سورية، والأزمة الأوكرانية ما هي الاّ داعم آخر على طريق المتعدد القطبية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات