عند الغروب


 تجمع الشمس أشعتها المرهقة وتبدأ بانسحابها تاركة للغروب فرصة بأن يتسلل علينا بليله ونجومه وسكونه. تختبأ العصافير في أعشاشها وتتوالى أصوات الضجيج بالإختفاء.

عند الغروب .... تفتح الأبواب وتخرج الأمهات بصواني الشاي والقهوة لتبدأ الثرثرة حينا وتبثاية العدس أو الرز حينا آخر على تلك العتبات الكهلة، فننسل من بينهن مطاردين فلول الخراف العائدة من رحلة الرعي أو لنلحق بآخر بائع عنبر أو شعر بنات عائد إلى بيته بعد عناء يوم طويل.

نلمح في الأفق البعيد "منصور" يلوح "بسحبة البلالين" فنجري إليه بأصواتنا المبحوحة ونحن على يقين بأن كل أرقام سحبتنا إما حظا أوفر أو بالون أخضر صغير، فنصنع من جديد حلما ورديا حول البالون الكبير في تلك السحبة.

هناك على مقربة تتمتم أم صبحي بآيات وأذكار وهي تلملم أغصانها وتضعها تحت صاجها المعتق فتتعالى بعد حين رائحة الشراك البلدي معلنا أملا مفروغا منه بأن نحظى من آخر قطعة عجين "بلزاقية".

عند الغروب .... تبدأ "صباح" بشطف الحوش وينشغل "أبو حمدان" برش أحواض "الزريعة" فيمتلأ الحي برائحة العطرية والنعناع المزروعين بعلب الحليب والسمنة ويعهد "لحموده" مهمة فرش "الجنابي" فالسهرة ستكون على وصول والسهارى أيضا على وصول.

خلف البيوت العتيقة تتعالى أصوات الصبايا " بفتحي يا وردة " حينا " وسيسسيه ممميه" حينا آخر بعد أن أنهكتهم الحجلة أو الحبلة فنقترب على خجل لنلعب معهم "بيت بيوت".

على نفس الموعد يدنو الباكستاني دواج الحي يحمل على ظهره " البقجة" يفرشها وتجتمع حوله النساء كشمعة عيد ميلاد ، أشياء رخيصة ... مشط ومرايا وأحمر شفاه وقمصان مقصبة وأشياء أخرى ، تهمس "سعاد" همسا فتضحك باقي النساء ويردد الدواج "موقود".

يتنحنح الشيخ "جمال" من المسجد القريب إيذانا بموعد أذان العشاء ، تلملم النسوة باقي الأحاديث على عجل وتخبأ "سعاد" كيسا أسودا تحت إبطها ، وتنفض "أم صبحي" ثوبها من الطحين العالق بنفس الأذكار والتمتمات.

نعود جميعنا إلى بيوتنا المعبقة بالستر ، نفترش الرضا ونتوسد القناعة ونخلد للنوم لا نفكر أو ننشغل بشيء فراحة البال وقتها كانت تغنينا وتكفينا.

المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات