التعديلات الدستورية: خطوة للأمام أم خطوتان للخلف



"لقد أصبح واضحاً أنه في السنوات اللأحقة كانت هذه سياسة ممنوعة في بعض المؤسسات، وكأننا نخطو خطوتين إلى الأمام، وخطوة الى الوراء. هم سبب عدم قيامي بالاصلاح – يقصد المخابرات العامة - وقد تآمروا مع المحافظين لتعطيل جهودي. المؤسسات التي وضعت ثقتي بها لم تكن معي. أين ستكون الممالك بعد ٥٠ عام؟ لم أكن ادرك مدى العناصر المحافظة التي اخترقت مؤسسات مثل المخابرات العامة.

هذا ما قدمت به صحيفة النيويورك تايمز للقاء الصحفي غولد بيرغ مع الملك عبد الله الثاني، لحساب مجلة ذي اتلنتك الاميركية في ١٨/ آذار / ٢٠١٣.

في الأردن حيث تبدو الأزمات لا تكف عن طرق الباب، أطل رئيس الوزراء عبد الله النسور، معلناً عن قرب احتراج تعديلات دستورية، وبتكليف ملكي مباشر، تحيل تعيين مدراء اأاجهزة الأمنية ( المخابرات والقوات المسلحة ) وتحصرها بيد الملك. البعض اعتبر ذلك قفزة متسرعة في الهواء لا يعي الملك خطورتها وتبعاتها، لكن ذاكرتهم لم تسعفهم في ربط تصريحات الملك ولقاءاته خلال السنوات الماضية، مع بعضها ومطالبته بالتعديلات، خصوصا لقاءه مع مجلة ذي اتلنتك، والذي عرض الكثير من التصورات التي يفكر بها، والمرتكزه على قاعدة أن المشكل في الجذور لا في الاغصان.

تسريعاً لهذه الخطوة، أحال مجلس النواب ملف التعديلات الدستورية إلى لجنته القانونية، بصفة الاستعجال، كونها تتطلب الكثير من النقاش والبحث، وترتبط بقرارت قادمة، أكثر أهمية من هذه القرارت، تتعلق في شكل وطبيعة دور الحكومات البرلمانية، ومجلس الأمة، وفق التصور الجديد.

لو ربطنا التصريحات تلك، بالقرار الملكي، لوجدنا أن الملك بدأ فعلياَ بتطبيق الأفكار على أرض الواقع، فالسلطة الخفية للمخابرات، وبعض الأجهزة والتي شكلت عائقاً أمام لإصلاح، حان آوان فصلها، وتحديدها وفق برامج معينة، سيما وأن تعتمد في سيطرتها على سياسة الإمساك بكامل خيوط الوضع السياسي الداخلي، بداية من التنسيب رئيس الحكومة والوزراء، مروراً بالاعيان وليس نهاية بالنواب. هذا الدور جاء نتيجة تخوف الأجهزة الأمنية، من أن التعديلات الملكية، قد تعمل على جلب حكومات إخوانية، أو حكومات بأجندات خارجية خارج سيطرتها، تطالب بالولاية العامة كاملة، بحماية رئيس مدعوم من حكومة برلمانية، تفرض سلطتها وحقها في تعيين مدراء الأجهزة وتحديد برامجها بما يتناسب وسياستها، باعتبار ذلك حق مشروع كفله لها الدستور. هذه التخوفات قادت الملك إلى ارسال رسائل تطمئن للأجهزة الأمنية، أن لا تخافوا ولا تنزعجوا من هذه التعديلات، لأنها بيدي، وأنا من أتحكم بخيوطها، ولن أسمح لأي قادم بالتغول عليها، حتى وإن كان رئيساً لحكومة برلمانية.

من هذا المنطق وللحيلولة دون الوصول إلى هذه النتيجة، وجد الملك أن التعديلات التي يفكر بها، لن تتم إلا من خلال طمئنة الأجهزة الأمنية على أساس حمايتها وابعادها وتنزيهها عن الصراعات والتجاذبات السياسية بين السلطات.

قد يقول البعض: أن التعديلات تكشف الملك بمعنى أنها تضعه قيد المساءلة في حال تعينيية لقادة الأجهزة، والبعض الأخر يقول أن المشروع الملكي يؤسس لإعتبار قادة الإجهزة، بمثابة أدوات رعب مرهوبة الجانب، لإتصالها وقربها منه، أكثر من الحكومة ذاتها، وكأن الحكومة لن تُخضع وتراقب عمل الاجهزة، ولن تحاسب وزير الدفاع، ومدراء الأجهزة في حال تعارضت افعالهم مع مصالح الأردن العليا. فالاجهزة وإن عيُنت من قبل الملك، ألا أن الحكومة ستتبيع إدارياً للحكومة، سياسة وتوجيهاً، إضافة إلى كل ما سبق، يمكن اعتبار التوجه الملكي، يعمل على زيادة الشفافية في عرض ميزانية وزارة الدفاع، وبرامجها، وخططها، بما يتناسب ومقدرة البلد، دون التغول على الوزارات الأخرى، وميزاتياتها.

إضافة ذلك، أن من يعتبر الخطوة بمثابة طريقة تخضع الملك للمساءلة، يعتقدون أن الملك الهاً مقدساً، لا انساناً يخطى ويصيب؟ أمن الممكن الاكتفاء بالنظر للوجه المظلم، دون للجانب المشرق للتعديلات؟ ألم يطالب الملك بالتعديلات لأهميتها في تدعيم سلم الإصلاح، ويعي نتائجها، السلبية قبل الايجابية منها !
وعليه يمكن القول: إن القفزة التي يعتبرها البعض في الهواء، ما هي الا وسيلة لاعادة التموضع على الأرض، للتأسيس لمرحلة جديدة، تتسهم بالتعاون لا التغول بين الأجهزة الأمنية والحكومة، بحيث تكمل أضلع المربع، بما يخدم مصلحة الأردن العليا، قد تكون الخطوة مثيرة للجدل لكنها في الاتجاه الصحيح، وضرورية، وتحتاج إلى الكثير من الوقت والنقاش للخروج بها إلى بر الآمل المنشود.

#خالدعياصرة
kayasrh@ymail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات