التصريح باخطاء الناس


الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ،الحمد الذي عَزَّ جَاهُهُ،وجَلَّ ثناؤُهُ،وتقدَّسَتْ أسماؤُهُ،مَنْ توكَّلَ عليهِ كفَاهُ،ومَنْ لجأَ إليهِ آوَاهُ،ومَنْ سأَلَهُ أعطَاهُ.
إن التصريح بأخطاء الناس ونشر المعاصي والفواحش والمنكرات على الملأ ؛ سواء كان ذلك في محاضرة أو خطبة أو مقالة في صحيفة أو موقع إنترنت أو في برنامج في قناة فضائية ،ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى الدخول في تفصيلات حدوث المعصية ، وكيف تدرج فاعلها إلى أن فعلها ؟وكيف فعلها؟ وأين كان موقع الجريمة ؟فكل ذلك في نظري - والله أعلم - يعد منهجاً غير صحيح في التقويم والتصحيح.
فلقد امتلأت أشرطة المحاضرات بقصص أغلبها تدور حول معاصي أفراد حدثت في لحظة غفلة وتلبس طائف الشيطان بأصحابها حتى جرهم إلى ما يسخط الله عز وجل ، وتجد أن هناك صحفاً تخصصت في نشر فضائح المجتمع بتفاصيل خارجة عن دائرة الحشمة والحياء بحجة بيان الأمر للناس حتى يتعضوا ويزجروا عن مثل هذه الأفعال.وتزخرف وتلون تلك الصحف ،ويجعل لشريط المحاضرة مقدمة تعمل فيها التقنية دوراً في شد انتباه السامع إليها !!.
ولعل المتأمل إلى القصص القرآني وعرضه للمعاصي التي اقترفتها الأمم السابقة ، يرى أن هذا العرض كان غاية في اللباقة والحسن والأدب .فانظر أخي القارئ إلى وصف القرآن لمعصية قوم لوط فلا تجد أنه يسترسل فيها أو يستخدم ألفاظاً تخدش الإحساس وتجعل المرء يمتعظ مما يسمعه أو يقرأه. وانظر إلى قصة سيدنا يوسف مع امرأة العزيز فقد ذكر أنها.(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).سورة يوسف:آية 24. وقال عنها:(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).فلا تجد أكثر من ذلك وصفاً فيه من الاحترام الجم لعقل القارئ .
إن الغيرة على المحرمات والذود عن الأعراض لا يكون بنشرها على الملأ سواء على المنابر أو أشرطة المحاضرات أو أوراق الصحف ،فما زاد أصحابها إلا أنهم شوهوا سمعة بلدهم ! ويظن الغمر أو الغريب أن هذا البلد لم يبق فيه من الخير إلا القليل وحتى القليل يظل الشك يدور حوله!فمن بقي؟؟
أو ليس الله تبارك وتعالى يقول عن المؤمنين:(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ). ويقول سبحانه:(وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ).
فإن استخدام الأسلوب القصصي والإسهاب فيه وجعله ديدناً يستمرىء الداعية أو المُنْكِر،فيصبح حاله كحال القصاص الذين آل بهم الأمر إلى أن أصبحوا حطّاب ليل يجمعون كل ما هب ودرج من القصص والتي أغلبها كذب وافتراء واختلاق؛ إذ أن نقل الإشاعات دون تحر أو تدقيق قد يتورط المرء فيها فيسلك مسلك الكذب لإثباتها حتى لا يظهر أمام الناس كذاباً فيقع في عين الكذب طائعاً مختاراً.وربما يصل ببعضهم أن يهلك الناس بسبب ما اقترفوه من أخطاء فيقول:"هلك الناس" وقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم.
فينبغي الابتعاد عن هذا المسلك والسعي نحو التقليل من الأقوال والإكثار من الأفعال ، يجب أن يكون الدعاة قادة تغيير لا أبواق تشهير ،وأن يقدموا مشاريع التغيير وإعلان النكير على كل من تسول له نفسه المساس بأعراض المسلمين. والله المستعان .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات