فرصتنا في الاتحاد الخليجي


منذ بدء المشاورات بخصوص ضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي في عام 2011، لم يتوانى معالي وزير الخارجية ناصر جودة ببث الآمال والأحلام في نفوس الشعب الأردني، ولم تخلو صحيفة محلية أو صفحة من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من التعليقات التي تشير إلى ملعقة الذهب التي ستضعها الحكومة حينها في حلقنا، وبالطبع هذه الآمال وتلك الطموحات قبل أن تكون في حلق المواطن البسيط كانت وما زالت تسيطر على العقل الحكومي الأردني للخروج من المآزق الاقتصادية التي تعاني منها البلاد ويعاني على أثرها العباد.

وبعد سقوط آمالنا مع سقوط حلم "التعاون الأردني الخليجي" لم نشك ولو للحظة بأن الحكومة حملت كل ما بيدها من ملفات وحجج وذرائع لإقناع حكام الخليج بالفوائد المرجوة من انضمام الأردن للمجلس الخليجي التي ذهبت أدراج الرياح مع أحلامنا، ولا أعتقد بأن أي مواطن شك أيضاً بنوايا الحكومة بافتعالها سيناريو انضمام الأردن للخليج للحد من غضب الشارع على إثر موجات ارتفاع الأسعار المتتالية، فالحكومة هي المستفيد الأول من التحالف مع دول الخليج قبل المواطن.

وفي نهاية شهر شباط المنقضي خرج علينا دولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور بتصريح في مقابلة له عبر وكالة الأنباء الألمانية يعتقد من خلاله بأن عدم منح الأردن العضوية الكاملة في مجلس التعاون الخليجي كان خطأً تاريخياً، وبتصريحه هذا إشارة واضحة بأن العقل الحكومي ما زال يرى نفسه متربعاً في مقعده السابع بين مقاعد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبهذا التصريح وعبر وكالة غربية رسالة يريد دولته إيصالها لدول الخليج عبر العالم بأننا ما زلنا موجودون في ظل البوتقة الملتهبة التي تحيط بنا وبهم.

اجتماع مجلس وزراء الخارجية الخليجيين يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة السعودية الرياض اعتبر من أطول الاجتماعات الخليجية منذ ثلاثين عاماً ونيف على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، والذي نوقش في مجمله التجاوزات التي قامت بها الدوحة وتغريدها بعيداً خارج السرب الخليجي من خلال دعمها لـ"جماعة إرهابية" في دول الخليج وأرض الكنانة على الأخص، واختلاف وجهات النظر (القطرية – السعودية) في دعم المعارضة السورية وفصائلها في سوريا، ومحاولة قطر تفكيك وحدة التآخي والدين الخليجية.

فبعد نفاذ صبر بعض دول الخليج والسعودية على الأخص، وقبيل التدخل الكويتي المعهود لرأب الصدع ما بين قطر وجاراتها السعودية والإمارات والبحرين وبالأخص في الفترة السابقة لأي اجتماع لقادة دول المجلس، قرر وزراء خارجية الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) بسحب سفرائهم من الدوحة كخطوة مبدئية لفرك أذن الدوحة، إلا أن وزير الخارجية القطري "خالد العطية" قابل هذا القرار الذي امتنعت كل من الكويت وسلطنة عُمان الاشتراك فيه، بالاستهجان والاستعجاب وقررت عدم سحب سفرائها من تلك الدول "حفاظاً على وحدة الشعوب الخليجية".

ولهذا القرار الخليجي تداعيات سياسية مستقبلية في ظل التعنت القطري الواضح من خلال إعلامها وسيطرة "الأمير الوالد" حمد بن خليفة على مقاليد الأمور السياسية وسيطرة رئيس وزرائها السابق "حمد بن جاسم" على مقاليد الأمور الاقتصادية والإعلامية القطرية في الداخل والخارج القطري، فالمشهد الحالي أعطى قطر القوة والدفعة لإعادة ترتيب أوراقها التي خسرتها في مصر ومناطق أخرى بأريحية بعيداً عن الرقابة والمحاكمة الخليجية، إلا أن قطر سترجع خطوة للخلف وتعود إلى مغازلة جاراتها أملاً في الصلح معهن بحكم الجغرافيا والديموغرافيا فقط وليس لمصالح استراتيجية أو اقتصادية مشتركة، ولكن ليس قبل أن تسترجع توازنها وهيمنتها في المناطق التي خسرت الرهان فيها.

وبعد إعلان سحب السفراء من الدوحة، صرح وزير الخارجية السعودي الأمير "سعود الفيصل" بأن قرار إنشاء الاتحاد الخليجي الذي أعلن عنه العاهل السعودي في القمة الخليجية عام 2011 سيكون قبل انعقاد قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي المقبلة، دون توضيح لتفاصيل هذا الاتحاد الذي من المؤكد بأنه لن يحوي بين أعضائه كامل الدول أعضاء مجلس التعاون الست، فالموقف الأخير من قطر استثناها من هذا الاتحاد، وموقف سلطنة عُمان الرافض للانضمام للاتحاد منذ إعلان فكرة إنشائه والذي أعلنه صراحة وزير خارجيتها "يوسف بن علوي"، مع تحفظ بعض الدول الخليجية الأخرى على فكرة العملة الخليجية الموحدة والبنك المركزي الخليجي، كلها عوامل ستحيط هذا الاتحاد بالغموض في مكوناته وآليات تطبيقه على أرض الواقع.

دولة النسور كان قارئاً بامتياز للمشهد الخليجي قبل تصريحه مع الوكالة الألمانية، ولن يقوم -على ما يبدو- بتقديم طلب للانضمام لهذا الاتحاد كما تم قبل ثلاث سنوات، فالزمن الآن لعب دوره مع دولته، فعبور الأردن إلى بر الأمان من موجات الربيع العربي والحفاظ على استقراره في ظل الحضرة الهاشمية الحكيمة، وخروج قطر من منظومة الاتحاد الخليجي، وتغير الاستراتيجية السياسية السعودية في التعامل مع الأوضاع في الداخل والخارج وخصوصاً الملفين الإيراني والأمريكي واستمرار الغمامة السياسية في مصر، والتهديدات الأمنية التي يعاني منها البحرين، بالإضافة لعدم الغفلة الخليجية عن العلاقات السياسية والاقتصادية القوية التي تربط قطر بالمغرب التي زاحمت الأردن على إحدى مقاعد مجلس التعاون الخليجي في السابق، فزيارة الأمير "تميم بن حمد" إلى المغرب قبل شهرين تقريباً وتوقيع عدة اتفاقيات بين البلدين أزالت فكرة انضمام المغرب للاتحاد، هذه العوامل مجتمعة جعلت من دولة النسور مراقباً لتسلسل الأحداث من الدوار الرابع في عمّان، بانتظار "طلب" دول الخليج موافقة الأردن للتربع في المقعد الثالث أو الرابع أو الخامس في مجلس الأمانة العامة لـ"الاتحاد الخليجي" في الرياض.

فهل سيرتدي الأردنيون "الثوب الخليجي" مع نهاية العام الحالي؟



تعليقات القراء

خليل
الله يسمع منك يا مهندس
08-03-2014 10:43 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات