أمام وزيرة الثقافة!


نتساءلُ بداية هل الارتقاء بالثقافة ورفع شأنها وتعميمها يكون بالاستمرار في بعض المشاريع دون إجراء تقييمٍ من أصحاب الخبرة والمختصين وذلك لكشف مواقع الخلل وسدِّ الثغرات وخاصة إن كانت تلك المشاريع تستنزف من الميزانية المخصصة؟ وبداية نُشير لقيام الوزارة بطباعة كميات هائلة من الكتب ثم توزيعها مجاناً كيفما اتفق. وهناك أيضاً رُكنٌ خاصٌ مُحاذٍ لبوابتها الرئيسية على الشارع العام توزَّع منه الكتب لأيِّ إنسانٍ وبمعدل خمسة كتب للشخص الواحد، ومع الإقرار أن هناك مِن المُهتمِّين مَن يذهب ليقتنيها بغرض القراءة والمعرفة، غير أنَّ نسبةً كبيرة مِن الكتب ما يأخذ طريقه ليُباع على دُفعاتٍ في المعارض والبازارات والأكشاك وعلى الأرصفة بثلاثة دنانير أو خمسة حسب قيمة العنوان! ويتم البيع بعد قَصِّ أو طمس موقع الختم المُثَبَّت على كل كتاب ومُفادُه "إهداء وزارة الثقافة". وإذا ما دقّقنا النظر في مشروع مكتبة الأسرة المسمَّى: "مهرجان القراءة للجميع" ويقام أكثر من مرَّة في العام بإشراف الوزارة، حيث تُباع فيه مئات آلاف الكتب بثمن رمزي 350 فلساً للكتاب الواحد نجد تهافت أشخاص يعملون لصالح معارض ومكتبات وبازارات وأكشاك وباعة أرصفة، حيث يستغلون المناسبة لشراء كميات كبيرة يُركِّزون فيها على العناوين "المهِّمة" دون غيرها. وقد وصل الأمر في فترة أنْ تمكَّنوا من شراء كرتونات كاملة من العنوان الواحد، حتى إذا أقبل المواطن المهتم بعد ساعات من بداية المعرض ليشتري كتاباً ورد اسمه في كشفٍ يتضمن عناوين الكتب المعروضة قيل له: نفدَ ولم يبق منه!
لا ننكر أن الوزارة تقوم بإهداء كُتُب لبعض الجهات التعليمية والثقافية وغيرها، غير أنها لو حقَّقت في مصير الكتب بعد فترة، وَجَدت أن مكتبات قليلة قامت بعرضها فِعلاً، غير أنَّ الصدمة ستعتريها لأن هناك مكتبات موصدة الأبواب باستمرار، وإن فٌتِحت تبين أن الكتب مكدسة على الأرض تفعل فيها الرطوبة فعلها، وقد لا تجد في مكتبات أخرى أيّ أثرٍ لأيّ كتابٍ أهدته! ولا بُدَّ من الإشارة إلى أن هناك مَن يتهافتون لأخذ الكتب بالمجان فتراهم وقد كدَّسوها في مركباتهم أو ألقوها في أقبية بيوتهم أو في غُرَفٍ على أسْطُحِها!
وعلى ما سبق، فإن التصريح بأن مئات آلاف الكتب قد جرى توزيعها بالمجان وأن أعداداً مماثلةً بيعت بأسعار رمزية لا يُعدُّ معياراً حقيقياً للهدف المنشود من تعميم الثقافة والارتقاء بها، بل قد يقع في مُسمَّى تفريغ المستودعات من الكتب والخلاص منها لطباعة غيرها وهلمَّ جراً، بما يُشكِّل استنزافاً للميزانية المخصصة للوزارة، وهدراً للأموال التي تُدْفَع تكلفة للطباعة، هذه الأموال لو وُجِّهَت لمسارات أخرى لكان أجدى للوطن والمواطن.
وفي السياق، فإن طباعة أي كتاب لأي شخص على نفقة الوزارة، دون أن يُقدِّم الكتاب خدمة معرفية جديدة أو خبرة حياتية تنفع الحاضر والمستقبل، إن هذا العمل لا يصبُّ في خدمة الثقافة والارتقاء بها. والشواهد برهنت عن كُتب كثيرة طُبِعت كانت رصف كلام بكلام مع ضعفٍ في مبناها وهزالة في معناها. والأدهى من ذلك، عندما يُصار إلى تعظيم مؤلِّفي تلك الكتب وترويجهم وتكريم إنتاجهم دون استحقاق، بما ينعكس سلباُ عليهم إذ يتوقف واحدهم عن القراءة والبحث معتبراً نفسه مع التكريم والتعظيم أنه وصل لقامة العقاد وشوقي وجبران!
ولمَّا كان "نشر الثقافة الوطنية وتعزيزها" من رسالة الوزارة والمؤسسات الثقافية المُمَوَّلة بسخاءٍ منها، فإن ما يدعو للدهشة عدم تفعيل تلك الرسالة على النحو المُرتجى، وخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها أمتنا العربية، حيث لم يتم إقامة مؤتمر واحد أو ورشة عمل واحدة وذلك لزيادة الوعي وتوسيع المدارك والشهادة بصوت الضمير لِما بُذِل من جهود مخلصة عبر السنوات الطويلة من تاريخ الأردن ليكون واحة أمن واستقرار، وكيف تمكن من اجتياز تحديات صعبة بحنكة وحِلْم قيادته، كذلك تسليط الأضواء على ما تحقق من منجزات مشرقة لا يحقّ لأحدٍ نكرانها أو التعامي عنها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات