الخصخصة .. سيف ذو حدين


تعتبر الخصخصة من الظواهر العالمية السائدة، والتي أصبح اتجاه عدد من الاقتصاديات الرأسمالية يميل بتسارع نحوها .

وجاءت أول عملية خصخصة في العام 1676 حين أوكلت بلدية نيويورك أعمال نظافة شوارع المدينة لشركة خاصة ، والخصخصة في المنظور الاقتصادي تعني نقل الملكية العامة أو إسناد إدارتها إلى القطاع الخاص، وبأسلوبين : الأول يتمثل في بيع أصول مملوكة للدولة للقطاع الخاص ، والثاني إسناد الدولة لخدمات كانت تضطلع بها إلى القطاع الخاص.

وتعود الأسباب التي دعت بعض الحكومات لخصخصة كثير من مؤسساتها , إلى العجز في إدارة هذه المؤسسات , بحيث لم تعد قادرة فنياً ومالياً على تطوير خدماتها , وتحقيق مردود مالي تبعاً لذلك ، بحيث أصبحت مثل هذه المؤسسات تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الدولة , فتلجأ لخصخصتها، وقد يكون قرار الخصخصة استجابة حتمية لشروط وبرامج الإصلاح الهيكلي التي يفرضها صندوق النقد الدولي وانصياعاً لنصائحه، وقد يكون قرار الخصخصة بهدف التخلص من بعض المؤسسات التي تحتاج لاهتمام خاص، كما فعلت الحكومة البريطانية حين قامت بخصخصة محطات السكك الحديدية ، ومصلحة الهاتف والكهرباء والغاز والمياه، بهدف تطوير خدمات هذه المؤسسات الحكومية والسعي لتحسين أداءتها للمواطنين، بشرط أن تكون تحت التقييم الحكومي وبشكل مستمر.

كما أن هناك حكومات أبقت على البنية التحتية وقامت بخصخصة الخدمات لبعض المؤسسات ، والبعض الآخر لجأ لنظام مشاريع (BOT) أي تشّيد وتمتلك لمدة محدودة ، ثم تنقل الملكية ، أو(BOOT) تشّيد , تمتلك ، تدير ، ثم تنقل الملكية .

وبعض الحكومات قامت بإبرام اتفاقيات لدمج خدمات مؤسسات القطاع العام مع القطاع الخاص بهدف الإفادة من خبرات القطاع الخاص في بعض المجالات مثل خدمات النظافة، الطاقة، الاتصالات ،المواصلات، التعليم، تكنولوجيا المعلومات ، بحيث تكون هذه الاتفاقيات محكومة بلوائح خصخصة محددة بفترات زمنية وشروط تحدد أداء القطاع الخاص بمستوى معين يتم متابعته من القطاع العام.

وقد أثبتت هذه التجارب لهذه الدول أن خصخصة الخدمات العامة يجلب تنافس أكبر، ويقلل الإنفاق العام ، ويؤدي لممارسات إدارية أكثر تطوراً وموضوعية في إدارة هذه المؤسسات , ويضع حداً للفساد والبيروقراطية , وهناك تجارب ناجحة في الخصخصة .

ماليزيا مثلاً قامت في العام 1982 بأنجح عمليات الخصخصة للخطوط الجوية , حيث طرحت أسهمها للبيع , وعرضت في نفس الوقت الاكتتاب العام في أسهم جديدة , وكانت تجربه ناجحة جداً .

والسر في نجاح التجربة الماليزية أن الأدوات والسياسات المستخدمة تم اختيارها بعناية .

وهذا يقودنا أن عملية الخصخصة تخضع لشروط يجب مراعاتها , وتتمثل بأجراء دراسة وافية تشارك فيها جميع الجهات المعنية للتوصل للجدوى الاقتصادية لعملية الخصخصة , بحيث تراعى فيها المصلحة العامة ، ومصلحة الموظفين العاملين في المؤسسة المنوي خصخصتها , وأن لا يكون هناك أضراراً بهم بضمان حقوقهم قبل أي شيء.

كذلك أن لا تكون الخصخصة بهدف مقايضة الدين الخارجي بملكية المشروعات الوطنية العامة لأن هذا الأمر يحتوي على عدة مخاطر منها أن تحويلات الملاك الجدد من الأرباح والفوائد والدخول للخارج , ستؤثر في زيادة العجز في ميزان المدفوعات , وستكون الفرصة متاحة لمشاركة الملاك أو المشترين الأجانب في نصيب الدخل المحلي المخفض ، والذي يتضاعف مع زيادة تحويل الديون إلى حقوق ملكية يستفيد منها هؤلاء , كذلك أعطاء الفرصة لهذه الشركات المالكة للمشروعات المحلية لتحديد الأسعار والأجور, والإفادة من الإعفاءات الجمركية , والضريبية المتاحة في البلاد , كل هذا سيسهم في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار.

لذا فأن أي عملية خصخصة يجب أن تخضع لدراسة شفافة هدفها معلن بحيث تكون انتقائية متدرجة ، وتغّلب من خلالها المصالح العامة على المصالح الفردية , وتحفظ حق المواطن والدولة بحيث تحسب جدواها على المدى البعيد فبل القريب .

وبناء عاى ما تقدم نأمل ان تكون تجربتنا في الخصخصة , مراعية لكل الشروط والمعايير , التي تكفل ان تتحقق الفائده المرجوه لاي مشروع للخصخصة .

( فالخصخصة سيفٌ ذو حدين)



تعليقات القراء

سامح الدويري
دكتور نزار بالعكس الخصخصة هي مفهوم اصلاحي ممتاز اذا طبق كمايجب ولكن ماحصل في الاردن ليس خصخصة ..........
بعد الحرب العالمية الثانية انهارت مؤسسات الدولة في بريطانيا نتيجة الصرف على الحرب وتعثرت فدخل القطاع الخاص لاصلاحها او جزء منها ثم اعادتها للدولة مقابل اجور وبعد نجاحة في ذلك انسحب واعاد تلك المؤسسات للدولة ومازالت لليوم تعمل وبجد وتحقق ارباحا ثم ان الخصخصة توجه نحو المؤسسات المتعثرة فأرني في الاردن مؤسسة متعثرة خصخصوها
مقالتك رائعة
30-01-2014 08:07 PM
طبوش
انا مع خصخصة جميع مؤسسات الدولة الأردنية ، وإذا لم يكن هناك ما يمنع ، انا مع خصخصة الأردني أيضاً، لعلنا نتخلص من المديونية ، ونحقق الرفاء لأبنائنا بعد 35 سنه.ربما!!!!
05-02-2014 09:55 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات