المبادرة الثورية


يعبرالعالم , والمنطقة في هذه الحقبة المفصلية مخاضا تاريخيا بفعل التحولات الاقليمية , والدولية الناتجة عن الازمة الاقتصادية الراسمالية سيعيد قلب موازيين , ومعادلات الحياة السياسية واسترداد المبادرة الثورية من قبل الشعوب , وبسبب صحوة هذه الشعوب ووعيها بضرورة استرداد ارادتها , واستقلالها الوطني و استعادة القوى السياسية ثقتها بالايدولوجيا الثورية اليسارية , والقومية وصعود قوى دولية اطاحت بالهيمنة الاستعمارية احادية القطب, وكرست عالما جديدا متعدد الاقطاب .

لكن هذه التحولات دفعت القوى الاستعمارية للتشبث بالمكاسب التي حققتها على مدار العقود الماضية بكل الوسائل , وخاضت حروبا مباشرة و بالوكالة استخدمت خلالها الادوات المعدة سلفا كالتنظيمات الاسلاموية التي اعملت آلة القتل والتدميرلكنها عادت بالويلات على شعوب المنطقة وبالهزائم على اركان المشروع الامبريالي , وقد آن الاوان لاستخدام اسلحة الفتن , والضغائن , والاحقاد ,كسيناريو للمرحلة و التي هيئت لها الانظمة الرسمية البيئة المواتية سابقا .

لقد عانت الشعوب على مدار عقود مضت من استبداد انظمة جثمت على صدورها , وعاثت فسادا, وافسادا بوعيها وتعليمها, وثقافتها, واقتصادها, ومنعتها العسكرية, والحقت بها هزائم عسكرية , ونفسية , وخلقت انقاسامات , وتشوهات اجتماعية لتوظيفها في التوقيت الملائم لخدمة المشروع الاميركي الصهيوني , والرجعي العربي . ونحن الان نعيش تجليات هذه التشوهات على شكل فتن مذهبية , وطائفية , واقليمية , وجهوية , وعصبيات قبلية مفتعلة من قبل الانظمة الرسمية , لا تتحمل الشعوب مسؤوليتها , وتاتي خلافا لمصالحها , ولسجاياها , ونهجها ورغبتها في التعايش السلمي , لكنها تتفق ومصلحة المشروع الاستعماري.

لقد هيأت هذه الانظمة بيئة اجتماعية مواتية عبر سنوات وعقود من التجهيل , والتضليل , وتزييف الوعي , والتاريخ , ومن الحياة الامنية العرفية ,التي تلت هزيمة الانظمة العربية , وحقبة النهوض القومي بقيادة الزعيم عبد الناصرفي عام 67 , لاستثمارها في التوقيت الذي يملى عليها من قبل الاستعمار الاميركي الاطلسي , فالتخلف الاقتصادي , والفقر , والجهل , وتردي مستوى التعليم , واستئثار فئة بكل الخيرات , وبالسطة , ونهشها لاجساد الفقراء فاقم مساحة البؤس , والعوز , والتشوهات الاجتماعية وخلق بيئة خصبة لكل الادوات التي تشرع بوابة الاوطان على مثل هذه المشاريع المشبوهة الطائفية , والمذهبية , والاقليمية , والعصبيات القبلية , والجهوية , مصطلحات طارئة على حياتنا الاجتماعية , والسياسية ,وهي بمثابة سفاح سياسي رسمي سيلحق العار , والخراب بمستقبل شعوب المنطقة . ففي الاردن سعى النظام لقسمة الاردنيون افقيا نسبة لضفتى النهر , وعموديا وفقا للجهة , شمالا , ووسطا , وجنوبا , وفي سورية تسعى القوى الرجعية لتكريس الفتنة المذهبية , سنة , وشيعة , ومسلم , ومسيحي , وفي لبنا ن الذي ابتلى بالطائفية منذ تكوينة هناك انقسام مذهبي مسيحيي , مسيحي , واسلامي , اسلامي , وفي السودان , ومصر , والعراق , وليبيا , وحتى فلسطين فقد صنعوا منها امارة اسلامية في غزة , وسلطة عميلة في الضفة , واصبح الحديث عن غزة والضفة , يلغي الحديث عن فلسطين وتحريرها .

لقد حالت الانظمة العربية الرسمية دون ان تكون هناك حياة , وقوى سياسية تساهم في بعث الوعي , ورص الصفوف , والنضال بالجماهير من اجل خوض معركة التنمية , والبناء , و التحرر الوطني , والتصدي للفئات التي تسلبها ثرواتها , وارادتها , وتستبد بها , باشاعة نمط من الحياة العرفية , والامنية , والبوليسية , لارهاب هذه القوى , وترويعها , وفي احسن الاحوال احتوائها واختراقها وتفكيكها لتصبح بنى فوقية غير قادرة على التعاطي مع المرحلة واستحقاتها , وعلى فك شيفرة الحالة الثورية .

وقد ساهمت الهزائم التي منيت بها الانظمة العربية , وانهيار الاتحاد السوفيتي , وتصاعد هيمنة الاستعمار الاميركي الاطلسي في فقدان البوصلة والهوية الايدلوجية للعديد من القوى اليسارية والقومية والعديد من المناضلين الذين اعتقدوا ان الراسمالية اصبحت قضاء لا يرد فانضوى قسم منها تحت عباءة الانظمة , وتحللت قوى اخرى , وانكفات اخرى , مما كرس حالة من الفراغ السياسي , وفقدان البوصلة للجماهير .

تلك مرحلة انتهت بفعل المشروع المقاوم من قبل منظومة المقاومة , وبداية الازمة البنيوية الراسمالية الاميركية الاطلسية , وسعارها وشهيتها التي تعاظمت لسلب ونهب ثروات شعوب المنطقة الذي دفعها لان تخوض معارك عادت عليها بالهزائم وفاقمت الازمات المالية بالغة العمق والحدة , تلتها حالة من تصاعد قوة المقاومة وتحالفها الاقليمي , والدولي , التي كانت آخر تجلياتها , انسحاب البوارج الاميركية من المتوسط , واختلاق اسباب العودة عن مواصلة العدوان بالوكالة على سورية بالقوة الاميركية المباشرة , وعن العدوان على ايران بالاتفاق الاميركي الايراني الاخير .

الجماهير ثورية بطبعها ,وحين تتسلح بالوعي , والقيادة الثورية , تصبح قوة لا تضاهيها قوة , وحين تترك نهبا للفراغ السياسي ولانظمة عميلة تسخر الاعلام , والتعليم , والدين , والفكر , لتشوية وعيها ستصبح مناخا خصبا لكل المخططات المشبوهة , مما يحمل القوى السياسية مسؤولية استثمار الكمون الثوريها لدي بدلا من كيل التهم لها بالتخلف , واحتضان التشوهات , والمؤامرات , وتحميلها وزر هزائم الانظمة العميلة على القوى الثورية التلاحم العضوي مع جماهيرها وقيادتها ومواصلة النضال بها ومعها وتعليمها والتعلم منها واستثمار حالة النقمة المتعاظمة على شكل تأطير , وتعبئة لها , تمهيدا لخوض معركة الاستقلال الوطني والتنمية الشاملة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات