من يحاسب المعلمة تيسير التي انتهكت براءة طفولتنا


كانت معلمة رياضيات في مدرسة الاحنف بن قيس في سبعينيات القرن الماضي اسمها تيسير، عقلي الصغير لم يستوعب كيف تكون امرأة واسمها تيسير فما اعرفه ان تيسير هو اسم رجل نظرا الى ابن الجيران تيسير .
وبالعودة الى القول السائد ان لكل انسان نصيب من اسمه فقد كان لتيسير نصيب من اسمها الذكوري بعصبيتها ومزاجيتها الدائمة، كتفاها العريضان وتقاسيم وجهها الجافة شعرها المجعد مربوعة القامة حتى لتحسبها رجل يرتدي فستان، لكن لم يكن لها نصيب من معنى اسمها ( التيسير) في طباعها فهي قادرة على صناعة عقدة لكل موقف وحدث.
حكايتنا مع تيسير بدأت في الصف الثالث الابتدائي مع جدول الضرب الذي حاولت افهامنا وتبصيمنا اياه بالضرب والصراخ والترهيب مما جعل عقولنا الصغيرة غير قادرة على استيعاب الارقام فنظرة واحدة منها عند طرحها للسؤال 6ضرب 6 كام؟ كانت كفيلة بمسح ذاكرتنا حتى ننسى الحليب الذي رضعناه من امهاتنا وعند اعطاءها اجابة خاطئة كانت تصدر تلك الشهقة التي تعلن عن بداية حصة التعذيب الجسدي اليومي، فبيداها اللتان تشبهان يدا عامل بناء كانت تمسك الطالب من ملابسه واذا كانت فتاة فمن شعرها تجره خارج الدرج وكأنه خاروف يجر الى الذبح ترفع ساقها ( وبالشلوط) ليسقط ماسحا ملابسه بارضية الصف ينهض الطالب/ الطالبة متحاملا على الم مؤخرته التي سحقت بنعل صندلها الذي يشبه احذية الجيش ( البسطار) ليقضي باقي الحصة واقفا بجانب اللوح منتظرا انتهاء استجوابها لباقي الصف الذي ينتهي امر نصف طلابه او اكثر بجانب اللوح ومع نهاية الحصة هناك اربع من العصي تنهال على ايدينا الصغيرة حتى في زمهرير الشتاء ولا يمكن لكم ان تتخيلوا الالم الذي يتحول الى خدر حتى بعد انتهاء الدوام وعودتنا الى بيوتنا.
كنت اراقبها اثناء مغادرة المدرسة وهي تمتطي سيارتها مثل رجل عصابات منطلقة بها باقصى سرعة عبر الشارع الطويل غير مراعية الطلاب المنثورين في الشارع ونظرة الاحتقار والوعيد التي تقابلنا بها كلما وقعت عيناها علينا في الساحة او في الشارع ونحن ندخل المدرسة ونحن نغادرها وكأننا اعداءها اللدودين.
بالنسبة لي تيسير كانت (الغولة) في حكايات ابي (وبعاط البطون) الذي كانت تخيفنا امي به كي ننام فقد جعلت من الصف الثالث الابتدائي كابوسا وكانت نتيجته اني والى الان لم احفظ جدول الضرب وليس هذا فحسب فكلما عرضت علي مسألة فيها الضرب حضرت الغولة تيسير بانيابها فتجد عقلي مشلول عن التركيز وحساب الاجابة مهما كانت بسيطة.
مع تيسير عرفت وفي وقتٍ مبكر معنى امتهان الكرامة والذل والمهانة والاحتقار مما اثر في نفسيتي وجعلني اعاني من احساس بالنقص في شخصي وقدراتي وحالي هذا حال كل الطلاب الذين ذاقوا مرار تيسير فالعقل الذي وهبني الله اياه تعطل لسنوات بسبب الرعب الذي اذاقتني اياه تيسير ، قد ياتي في خاطر البعض اني ابالغ لكني اقسم لكم هذه هي الحقيقة وهو جزء من طفولتي لا انساه وما زال قابعا مثل فزاعة في اطراف عقلي فقد قضيت اعوام طويلة اعاني من احساس دائم بالذنب و التقصير رغم اني لم افعل شيء ولزمني الكثير من الوقت حتى اتخلص من عقدة النقص ،وقهر في اعماقي اخرجته عندما تشاجرت مع معلمة ابني عندما اشتكت من عدم قدرته على حفظ جدول الضرب غيبا وتسميعه ( كرجة ماء) اذ صرخت في وجهها ( يكفيني انه قادر على معرفة الاجابة بالقلم والورقة، لا اريد ان يحفظه بصما، واياك ومعاقبته اذا لم يعرف الاجابة) .
في النهاية اقول لو ان كل مواطن في العالم العربي عاصر معلمة او معلم مثل تيسير زرع فيه منذ الطفولة ان فكرة امتهان الكرامة شيء عادي جاعلا من الخوف كساء قلوبنا فكيف نكون شعوب حرة قادرة على مجابهة جلادها ولو بالصراخ.



تعليقات القراء

السوسنة السوداء
يعني المعلمة هي كانت سيئة مع الكل الشاطر والكسول

طيب ماعندها حسنات بالمرة


17-07-2013 12:37 AM
المعلمة تيسير تعود من جديد
نعتذر
17-07-2013 01:15 AM
منار
والله كان في معلمات في تلك الاوقات اغول منها ولهن حكايات وحكايات وكان لهن الاثر النفسي السئ على الطالبات
17-07-2013 02:08 AM
ابو تيسير.. بالصدفة
كان عندنا استاذ مثلها وتلك السنة وكنت في سادس نزل معدلي في المدرسة على غير العادة وبعد ما خلصنا منه رجع الى مستواه الطبيعي كيف مخك بدو يشتغل وانت خايف بتمنى اولادنا يعرفوا قديش كنا انعاني زمان ويقارنوا حالهم هالايام بايامنا والله الان الاستاذ هو من يخاف من الطالب ومن يقول انهم صنعوا منا ناس ناجحين ارد عليهم قولهم انهم صنعوا ناس خانعين فالنجاح ارادة تبنى بالتصميم والامل وليس بالخوف
17-07-2013 09:12 AM
نعمة عميرة
اجدت اختاه التعبير فأنا واجهتني هذه المعلمة ولكن كان اسمها نعمة عميرة الى هذا اليوم بعد 30 عام اتحسب عليها ولن اسامحها واطلب منها حقي يوم الموقف العظيم
17-07-2013 11:07 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات