عندما يحكم العسكر


من البدهيّات المسلّم بها والتي يدركها كل عاقل ، أنه ومع تطور الحياة وتعقّدها ، وتنوّع المعارف وكثرة تفريعاتها ، أصبح التّخصص ، بل والدقيق ، من ضرورات الحياة . فكلٌّ ميسرٌ لما أُعدَّ له . فلا يستطيع إنسان أن يقوم بدور آخر لم يُدرّب ويهيأ له . وان حاول فانه لن يُتقن الدور الجديد كما أن كفاءته في دوره الأصلي ستقل . فلم يعد هناك الآن من يُطلق عليه حامل سبع صنايع ..

وقد ابتلي العالم العربي ، من ضمن أشياء كثيرة ابتلي بها ، ودول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الأوروبية ، في حقبة زمنية في غاية الانحطاط ، بما سمي بالانقلابات العسكرية . حيث يستولي قادة الجيش بحكم القوة التي بأيديهم على الحكم . ويتوزّع قادة الجيش وأفرعه على الوزارات والمؤسسات كي يديروها . وقد يُغري ذلك ضباطا آخرين أقل رتبة ليقوموا بما قام به أسلافهم ، وهكذا قد يستمر المسلسل ، إلى أن يشاء الله .

لقد ارتبط حكم العسكر في أذهان الناس بصفات معينة ، منها انتهاكه لحقوق الإنسان الأساسية التي كفلتها الشرائع السماوية والتشريعات الأرضية . كما عرف بمعاداته للحريات العامة وإقصاء المعارضين . فساد الرأي الواحد والزعيم الأوحد الذي لا يُسأل عمّا يفعل ، فانتشر الفساد بكافة أشكاله . وتردى الوضع الاقتصادي . حيث لا مساءلة ولا حسيب ولا رقيب . ويكفي أن أكبر الهزائم كانت في عهد حكم الانقلابات العسكرية ، حيث الجيش وكبار ضباطه مشغولون بالحكم وتفاصيل الحياة اليومية للناس ومشاكلهم وتوفير الخدمات وتركوا المهمة الأساسية لهم وهي الدفاع عن الأوطان وحمايتها من الأعداء والحفاظ على السلم الداخلي بالتعاون مع أجهزة الأمن الداخلي . فلا هم نجحوا في هذه وفشلوا في تلك .

لقد بدأت هذه الظاهرة تختفي من العالم ، حتى في الدول الأكثر تخلفا ، لما فيها من اعتداء على حق الشعب في اختيار قيادته بطريقة ديمقراطية وحقه في تداول سلمي على السلطة . بعد أن عانت من انقلابات عسكرية متتالية أو حكم عسكري يتشبّث في السلطة ولا يخرج منها إلا بانقلاب آخر .

وقد تنادت دول العالم الحر على التنديد بأي انقلاب عسكري وعدم الاعتراف به وقطع المعونات عنه بل وصل الأمر حد الإطاحة به واعتقال قادته . كما كان لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان دور كبير في تأليب الرأي العام العالمي على الانقلابيين . مما أدي لتقليل هذه الظاهرة بل واختفاءها ، فإرادة العالم اجتمعت على عدم تمكين أي انقلاب عسكري من النجاح وان نجح أن لا يستمر .

إنّ المقصود هنا استيلاء العسكر على الحكم بالقوة . أما مشاركة العسكريين بعد تركهم الخدمة العسكرية في الحياة المدنية فهو متاح كباقي أفراد المجتمع . وهناك نماذج كثيرة مشرفة من هؤلاء العسكريين السابقين والتي نجحت في مواقع المسؤولية المختلفة .

إنّ هذا الأسلوب في الاستيلاء على السلطة والوصول إلى الحكم أصبح من الماضي بعد أن عرفت الشعوب طريقها في اختيار حكامها ومسؤوليها بطريقة ديمقراطية تعارف عليها العالم وهي الانتخابات لا غير .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات