الاخفاق السياسي والاستغلال الاجتماعي


"""الاخفاق السياسي والاستغلال الاجتماعي"""
استرعى انتباهي توقيع بعض ابناء عشائر معينة لعبت ادوارا سابقة في تثبيت الحكم الهاشمي في الاردن عقب سقوط الدولة العثمانية ودخول الانجليز لفلسطين عبر مصر ودخولهم لشرق الاردن من خلال مايسمى جسر اللنبي ووصول طلائع الكتيبة النيوزلندية للمدرج الروماني بعد تغلبها على مقاومة بعض الثائرين من عشائر العدوان في منطقة صويلح ووادي السير .

فبعد دخول الانجليز للمنطقة بكل قواتهم اثر خسارة الجيش العثماني لمواقعه في مرتفعات المطابع المشرفة على سهل الغور للشرق من الكفرين وتغلغلهم شرق حتى وصولهم للمدرج الروماني ارسلت تقارير بان المنطقة الشرقيةلنهر الاردن فارغة عسكريا وسياسيا لعدم وجود تكتل سياسي او قوى عسكرية تستطيع فرض نفسها كمحاور اوندا لمقاومة دخول المعتدي والغازي وذلك لان جلهم من البدو الرحل المتنقلين والذين يمتدون على اطراف قرية عمان الشرقية والشمالية والجنوبية حيث كان يدور صراع مابين اكبر قبيلتين على الماء والمراعي مع وجود بعض الفلاحين من سكان القرى والخرب المنتشرة بالجبال والروابي.

هذا الانطباع اعطى الجيش الانجليزي الرؤية بضرورة احداث التماس مع السكان المحليين ومعرفة نقاط القوى للعشائر ليتحالف معها حيث تم نقل الكابتن "جلوب" من العراق لشرق الاردن ليحاور ويفاوض ويكون حلفاء من السكان المحليين يدعمهم بالمساعدات العينية من قبل الجيش البريطاني مستغلا قدرته الفائقة على تكلم اللغة العربية وباللهجة البدوية فاستمال البدو وكون معهم تحالفات واستطاع ان يشكل منهم كتائب (ككتائب الهنود والباكستانيين) التي كانت تقاتل مع الجيش البريطاني) ليرسلها تقاتل في العراق ابان ثورة البصرة في الاعوام 1920-1924 من القرن المنصرم وقد رفضت بعض القبائل والعشائر من شرق الاردن ارسال ابنائها لقتال العرب والمسلمين في العراق فعوقبت فيما بعد بحرمانها من اي دور سياسي وقد لاحظنا الى امد غير بعيد ان هناك اطياف كبيرة من المجتمع تمثل نسب عالية من التكوين الديمغرافي والاجتماعي لم تمثل بالدولة الاردنية لاسياسيا ولا حتى اي حصة من التعيينات الحكومية لاعتماد المرجعيات العليا في الاردن على تعليمات وتوصيات "جلوب" الذي كان يتحيز بشكل ملفت وعجيب لفئات محددة من العشائر الذين تجاوبوا معه بارسال ابنائهم للقنال في العراق حيث كان يحضر تسجيل اي جندي في قوات البادية ان لم يكن براسه قمل وكان يضع راس بصل وعند مقابلته لمن يرغب بالدخول بالجيش يقول له ماهذه فان قال " بصلة" بتشديد اباء والصاد واللام " لهجة بدوية" قبل وان لفظها بفتح الباء والصاد واللام رفض وطرد. وقد درس الكابتن جلوب الطبيعة الاجتماعية لسكان شرق الاردن وحللها وخرج بنتائج وعبر وتوصيات تعتبر حتى الان تعاليم واسس مرجعية لادارة الدولة الاردنية القائمة بالاساس على نظام عسكري انشائه الانجليز لخدمة ماربهم واهدافهم الاستعمارية في المنطقة تزامن ذلك مع انتصار ال سعود في الجزيرة العربية وخروج مايسمى باشراف مكة مهزومين من الحجاز ولعلم ومعرفة الانجليز بطبيعة النفس العربية والمسلمة الميالة لكل شيء يتصل بالاسلام ورسوله فقد استغلوا ذلك واضفوا صبغة دينية على خروج مايعرف بالهاشميين الى شرق الاردن وابرموا معهم الاتفاقيات السرية التي تدور رحاها حول ارض فلسطين فكانت المقايضة مع تقويتهم ودعمهم باحراء معاهدات مع شيوخ العشائر الموالية لبريطانيا في شرق الاردن ترافق ذلك مع السماح بتهجير اعداد كبيرة من الارمن وتشجيع دخول اعراق وقوميات ومهاجرين من كل من تركيا والعراق وسوريا والجزيرة العربية.

فالدولة الاردنية تقوم بالاساس على المحاصصة الامنيةقبل السياسية فترى ان عرق معين من فئةمعينة يحرس القصور الملكية من الداخل ولايسمح لغيرهم بممارسةهذا الدور منذ تاسيس الامارة حتى الان كما وتجد ان هناك محاصصة محددة متعمدة مابين فئات واطياف المجتمع الاردني لادارات الدولة الاردنية المختلفة بحيث تسيطر عائلات بالتوارث على ادارات الدولة الاردنية المدنية والعسكرية مع تجاهل وتهميش واضح لبقية فئات المجتمع.

ما جعلني اتطرق لهذا الموضوع بالتحديد هو شعوري وايماني المطلق بانه لن يتم اصلاح بمعنى الاصلاح الحقيقي دون ان نفهم الواقع فهما عميقا, وفهما شاملا جذريا, وان ندرك حدود الممكن عبر محاورة انفسنا وقرائننا وحكامنا قبل ان نمتلك القدرة على احداث التحولات العميقة لاقامة نظام ديمقراطي وتكوين مجتمع تسري فيه قيم العدل والحرية والمساواة والمشاركة وتكافؤ الفرص لينال الشرعيةالحقيقية.

ان تجديد سيناريو الولاءات والمعاهدات والعقود الي ابرمت مابين النظام وبعض الفئات والعشائر يوجد عريضة كبيرة من بقية فئات المجتمع خارج النظام, معزولة عن المشاركة, والانتفاع ومحرومين حتى من الفتات , هذه الفئات ستثور حين تسنح الفرصة ويحطمون كل شيء يقف بطريقهم مملوئين نقمة على من حولهم وسيستخدمون السلاح حين يبدوا لهم اقل امكانية من النجاح, وان اكثر الذين يحتمل ان يثوروا هم اولئك الذين ليس لديهم مايخسرون وسيكون جلهم من الشباب المهمش العاطلين عن العمل الذين سيكونون قد استمالوا اوتعاطفوا مع التنظيمات الاسلامية الثائرة.

لقد شهدت البلدان العربية مايسمى ثورات الربيع العربي وهي بالحقيقة تحولات اجتماعية اقتصادية افرزت وصول شرائح اجتماعية كانت مهمشة الى السلطة كقوى سياسية انتزعت السلطة من الطغاة الذين برزوا في عهد الاستقلال واستعمروا شعوبهم, هذه القوى السياسية كانت مزيج من احزاب ومتعلمين جدد ومثقفين وعمال وفلاحين استطاع شباب التواصل الاحتماعي ان يحركهم الى ماربهم.

ونحن بالاردن لسنا بعيدين فقد برزت ملامح جديدة في المجتمع الاردني لحراكات اصلاحية من الشباب الذين رفعوا اصواتهم السياسية والاجتماعيةمعبرين عن خطر محدق بوطنهم حيث استخدم الحراك الاصلاحي الاردني وسيلة الاتصال الاقوى الا وهي الثورة الهائلة في الانترنت والخلويات لتجييش انفسهم عبر طرح مايعتقدون ويؤمنون يخططون لاجتماعاتهم وينقلون تجمعاتهم من جبل الحسين لوسط البلد لدوار الداخلية لساحة النخيل عبر تويتر وفيس بوك . يتحشدون بفوران يعزى لاسباب تتعلق بالفساد والظلم والشعور بان المجتمع والحكومة لايهمهم امرهم.

نعم ان ظهور تجديد المبايعات للولاء والانتماء لنظام الحكم يعني عدم رغبة هذه الفئات بالاصلاح والتغيير والتجديد لتكسبها واستفادتها من الوضع القائم لا بل وتجاهلها لمطالب القوى الاصلاحية بشكل متعمد , وانه انذار شؤم بانقسام المجتمع الاردني لفئتين فئةظالمةمستبدة محتكرة متنفعة متكسبة وفئةتناضل تقاسي تعاني لقمةالعيش .

ولهذا ان لم يكن هناك حوار عقلاني ناضج يحدد حاجات ورغبات جميع فئات المجتمع الاردني وليس فقط تلك العشائر والعائلات المذكورة بتعليمات سيء الذكر "جلوب" فان الصدام سيصبح حتمي صدام من اجل لقمة العيش بعد ان يضيق الناس ذرعا من ملاحقتها ومطاردتها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات