عنف الدولة وهيبتها


تعتبر هيبة الدولة أولي ضمانات استقرارها‏..‏ وإحساس مواطنيها بالأمن‏..‏ وحين تختل هذه المنظومة التي تقوم علي مجموعة من الركائز المادية والمعنوية فإن ذلك يحمل مخاطر كثيرة‏..‏ ومن الخطأ أن يتصور البعض أن هيبة الدولة تتجسد فقط في قدرات أجهزة الأمن علي مواجهة المشاكل والأزمات ‏..‏ إن الأمن في نهاية الأمر جناح واحد لأن هناك جناحا آخر يجب أن نحافظ عليه وهو العدالة‏..‏ إن قدرات الأمن مهما كانت كبيرة ومؤثرة لا يمكن أن تحقق وحدها هيبة الدولة ولكن العدل هو هذه القيمة المعنوية التي تضع الضوابط لكل شيء في المجتمع في السلوك والحقوق والواجبات والمسئولية وحين تهتز راية العدالة فإن ذلك يؤكد أننا أمام مؤشرات خطيرة أهمها فقدان هيبة الدولة‏..‏

ينطوي مفهوم هيبة الدولة على عنصرين: أولهما الرهبة والخشية، اي ما تبثه الدولة في نفوس الناس من شعور بالوجل والتهيب يمنعهم من تحديها أو انتهاك نظامها، وهو ما يثّبته اقتناعهم بأنهم إن فعلوا سيلقون عقابا رادعا. وقد تسعفهم ذاكرتهم بامثلة من هذا العقاب في كل مرة تم التعدي على حرمة الدولة. العنصر الثاني هو الاحترام، اي الشعور بالتقدير لأفعال الدولة. فالاحترام مرتبط بالقانون. العقاب ذاته حين يكون منضبطا بقانون وساريا على جميع الحالات المشابهة يبعث الاحترام في النفس.
يفترض ان اجهزة الأمن مهابة، هدفها المتضمن في اسمها هو صون الأمن ، و"عنفها" يخضع لمنطق مستقر لأنه "عنف دولة". إلى ذلك ، فإن الفرق بين الدولة وأي مجموعة من المواطنين أو أي طرف اجتماعي بعينه (حزب سياسي، طائفة ، عشيرة، جماعة دينية أو إثنية) أن الدولة تمارس عنفا منظما غير مهين ، متجردا عن الحيثيات الشخصية ، متصلا بما ارتكبه المواطنون من أفعال خارجة على القانون، وهو أيضا عنف محتكر، لا يسمح لأحد غير الدولة ممارسته؛ عنف الدولة لكل ذلك عقلاني، مقنن، ولا يثير دوافع ثأرية؛ فيما عنف المواطنين او الأطراف، دون الدولة ، شخصي، مهين ، غير مقنن ، ومثير للدوافع الثأرية. الفرق ليس في كمية العنف بل نظامه ونوعيته. فقد يكون ، وغالبا ما يكون ، عنف الدولة اشد من عنف غير الدولة ، لكن عنف الدولة ممركز، منضبط ، خاضع للقانون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات