( زائر القبور )


هناك الكثير من البشر تعيش وتموت بدون ان تترك أثر .. او بمعنى تعيش حياه روتينيه بسيطه .. تقوم بواجباتها ومهماتها بالحياه قدر المستطاع في حين يكون قد بذل ما بوسعه من طاقات لمسايره وضعه .. وطبيعة ذلك الشيء تحدده قدراته وامكانياته وثقافته بالاضافه الى فرص الحياه التي تمنحه اياها .. طبعا وبالتاكيد مسأله القضاء والقدر وما كتب له باللوح المحفوظ قد حسمت امور كثيره بما يتعلق بمجريات حياته وهو لا يعلم غيبياتها وانما يعيشها اول بأول حتى تنقضي حياته ....
ذلك الانسان بغض النظر عن ماهيته من ناحية الجنس واللون والدين والشكل فهو من حكم موقعه يمارس حياته ويتعامل مع المحيط والظروف حتى يكمل مشوار حياته وينتهي عمره ...
هو اجمالا بالمكان الذي ولد فيه او ترعرع لا بد وان يكون قد شغل حيز ومكانه ووجود .. وله من الاهل والاصحاب والاصدقاء والمعارف ولكن ضمن نطاق ضيق .. اي بمعنى رجل غير مشهور على مستوى بلده او على مستوى العالم ... فهو يعيش ويموت بدون ان يؤثر على مساحه واسعه من الشهره بالمكان او الزمان او بالبشر ... حاله كحال الكثير من الناس .. ليس كل الناس مشهورين .. وما ان يتوارى التراب حتى يبدأ الحنيين له وبشكل محدود من الدائره الضيقه التي عاش بها .. انا شخصيا حالي كحال ناس كثيرين عندما ازور المقبره لقراءة الفاتحه مثلا عن روح احد الراحلين عن الدنيا ويخصني نوعا ما لا أأبه بالقبور الاخرى .. مع اني اترحم عليهم جميعا .. واقول عبارة انتم السابقون ونحن اللاحقون ..
لكن انا شخصيا لا يعنيني الاسماء المنتشره على شواهد القبور او تاريخ وفاته او كيف مات ... انا لم اعرفهم بالدنيا فكيف سيكون لي حنين لهم او ذكريات وهم الان وقد رحلوا الى الرفيق الاعلى ...
مع مرور الايام يصبح الانسان بطبيعته عرضه للنسيان ويتلاشى الحنين لهذا المتوفي شيئا فشيئا .. على اعتبار ( الحي ابقى من الميت ) .. ( واللي خلف ما مات ) بالاضافه الى عدم وقوف الحياه عند نقطه واحده .. الحياه مستمره بسيئاتها بحسناتها بخيرها بشرها مستمره وانت تتماشى معها وستتماشى معها شئت ام ابيت ... اي بمعنى مختصر ( انت مثل قطعه الملابس بغسالة اتوماتيك ) .. الدنيا تلف بك وتدور وبأوقات كثيره لا تملك قرارك .. وانما تتكيف مع البيئه المحيطه بك وبظروفها ومهما كانت ...
قرأت كتاب قديما او بمعنى روايه للكاتبه البريطانيه ( شارلوت برونتي ) وعنوان الروايه ( جين أيير ) لقد تأثرت كثيرا بهذه الروايه والدليل على ذلك لا زلت اتذكرها وها انا اشير اليها بهذا المقال .. لقد اعجبت بالروايه كثيرا وفضولي قادني الى الاهتمام بالكاتبه نفسها وهي شارلوت برونتي .. حتى اخذت نذر على نفسي ان ازور قبر ( شارلوت برونتي ) اذا اسعفتني الظروف وتمكنت .. وهذا يتطلب مني السفر الى بريطانيا .. وسعيت ان اعرف اين دفنت واين قبرها .. وقد اخذت العنوان واحتفظت به ( بقصاصة ) ورق على اعتبار اذا زرت بريطانيا يوما ما وهذا لم يحصل لغاية الان ولن يحصل ...وزيارتي لبريطانيا لن تكون الا من اجل ان اذهب الى قبر هذه الكاتبه والراويه المتألقه فقط لأنني فعلا تأثرت بها كثيرا..
شارلوت برنتي والتي توفت عن عمر يناهز ال (38 ) عام بسبب مرض معدي فقبرها موجود في كنيسة القديس مايكل في هاوارث/ غرب يوركشاير/ إنجلترا.
هذه الانسانه صدقا لا يمدني بها صله او معرفه لا من قريب او من بعيد .. وانا الشخص الغريب عنها بكل شيء كدين وثقافه وعادات وجنس ولون ولا يوجد بيني وبينها اي نقطه التقاء او لقاء ... حتى العصر الذي عاشت به وماتت لم اكن موجود اصلا ... ومع هذا استطاعت هذه الانسانه ان تخلد ذكراها بشيء قدمته للبشريه جمعاء .. بغض النظر عن اراء بعض الناس من شارلوت برونتي وكتاباتها نحن بالمجمل نتحدث عن انسانه استطاعت ان تخط لنفسها بين البشر شهره واسعه وربما هي نفسها لم تكن تسعى لذلك .. قدراتها الذكيه والفطريه وموهبتها املت عليها ان تفرغ طاقاتها وابداعاتها وقدراتها على الورق وصنعت روايات سرعان ما لاقت قبول وانتشرت الى كل انحء العالم وبلغات عديده ومترجمه .. ربما هي نفسها تفاجأت من هذا الانتشار الكبير لها .. لقد وصلتني انا شخصيا المعدم والفقير وذو الثقافه المحدوده والغريب .. حالها كحال العمالقه الكتاب مثل شكسبير وديستوفيسكي وغيرهم الذين استطاعوا ان يجعلوا من موتهم وفقدانهم حسره وحزن يتأثر به الناس ونشعر بفقدانهم وترك فراغ كبير بحياتنا في حين هم بعيدين عنا كل البعد بالمكان والزمان ..
تتمنى ان تزور قبورهم من باب الفضول ربما ومن باب التأثر بتلك الشخصيات التي عكست كتاباتهم ورواياتهم علينا الاشياء الكثيره التي تجسد بأختصار ( فوضى الحياه ) .
ما الذي يدفعك الى ذلك ؟ ... وما هو السر او السحر التي تركته شارلوت برونتي بين سطورها ليتعلق بها الناس ؟ ... ببساطه .. هي انسانه خرجت من رحم الحياه الصعبه والفقيره وكتبت معاناة وقصص هي حقيقيه بمضمونها وفكرتها وموجوده بيننا ونحياها وان اختلفت الاسماء والاماكن .. في حين ان كل انسان قصة حياته هي روايه بحد ذاتها .. ولو اراد او شاءت الظروف ان يخطها بروايه لتجاوز شارلوت برونتي وغيرها الكثيرين .. ولكن طرح الروايه بأسلوب ذات ابداع وموهبه وقدرات عاليه يتخللها فهم تفاصيل حياة الناس والنفس البشريه بأدق تفاصيلها ذلك ما ميز شارلوت برونتي والتي لا يستطيع احد اتقانه ومهما بلغت قصة حياتك من عمق واحداث وتفاصيل وذات اهميه ومشوقه ولا تملك الموهبه والادوات فستكون قصة حياتك عابره حالها كحال الكثير من قصص البشر الغير مؤثره
كيف تتمنى وتشتاق ان تزور قبر امرأه اجنبيه لا يمدك بها اي صله ؟ ... في حين اقرب الناس اليك وعشت معهم ربما سنه او سنتين ,ثلاث ,عشره, خمسون سنه لا تفكر ان تزورهم الا بالمناسبات وربما لا تزورهم ابدا الا ما نذر او بحكم الصدفه او بحكم ظرف معين فقط ..
هل يعقل ان تعيش وتحيا مع انسان سنوات وسنوات ولا يترك بك ذلك الأثر والتأثر الذي يتركه فيك شخصيه عالميه غريبه عنك ؟.... ما الفرق ؟ ... وما هي الاسباب ؟ ... صدقا لا اعلم .

ملاحظه : هناك الكثير من مشاهير العالم خلدوا اسمائهم بخدمة البشريه بطريقه او بأخرى ولا زالت الناس تتأثر بهم وتذكرهم وتتذكرهم .. وسر نجاحهم اعتقد انهم كتبوا عن الناس التي عاشت غرباء وماتت غرباء .

والسلام عليكم
Burhan_jazi@yahoo.com



تعليقات القراء

كركية حرة
رااااااائع
الله يعطيك العافية
29-05-2013 01:19 PM
فيصل
والله يآ أستآآذ الي انت كااتبو بخصك لنفسك ونحن كقراء ما استفدت أشي من الي كآتبو بصراحه

و نصيحه تكتبش اشي ثاني
29-05-2013 05:54 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات