الفخ الامريكي


أحداث ليبيا و قبلها الثورة في مصر ضد نظام حسني مبارك الفاسد و قبلها الثورة في تونس، قيمتها مختلف الدول بطرق مختلفة كل حسب مصالحه الاقتصادية ، ولكن ليس هناك ادنى شك في أن الأمن والاستقرار في تلك الدول فقدته أكثرية الناس لفترة طويلة.

فأنا من كل قلبي لا اتمنى ان تتصادم كل تلك السياسات و كل تلك الدول على اختلافها الديني و العرقي و مصالحها الاقتصادية في حرب دموية جديدة تسعى للسيطرة على كل الموارد الطبيعية و الاقتصادية لتلك الشعوب الثائرة و توسعة نفوذها الاستراتيجي على الخارطة السياسية و الاقتصادية كنوع جديد من الاستعمار.

فنحن لم ننسى العراق و ما حصل به بعد التدخل الاجنبي و الغزو الأمريكي الذي أسقط نظام الرئيس الراحل صدام حسين و ما تبعه من ويلات و دمار و تقسيم لوحدة العراق و شعبه, و كيف اصبحت العراق مرتعاً للقاعدة و محاربيها فدخلت العراق في حرب اهلية دموية و انتجت سياسة القتل على الهوية راح ضحيتها ألاف من الناس البريئة .

هذه ثلاثة من الأمثلة على نتائج التدخل الاجنبي في شؤون دول مستقلة ذات سيادة وطنية كاملة على اراضيها ، ولعل النقطة الأساسية في هذا الموضوع هو بروز ظاهرة استضافة الخبراء العسكريين و التقنيين و بمن يسمون انفسهم بالمعارضة من بعض الدول المجاورة لبلدان الربيع العربي و القيام بتدريب المرتزقة و العديد من القوات الخاصة لعدة دول على اراضيها للقيام بأعمال تخريبة على أراضي تلك الدول التي تشهد اضطرابات، و ايضاً تسهيل عملية تهريب الاسلحة و الذخائر و الاموال عبر الحدود , و هذه الخطوة الاولى لضرب الوحدة الوطنية لأي بلد و ادخاله في نفق طويل مظلم يصعب لأحد الخروج منه .

و اقرب مثال ما يحدث في سوريا الجريحة فنظام الرئيس بشار الاسد في سوريا اصبح عرضةً للتحدي و المزيد من العزلة الدولية و مزيداً من العلاقات التصادمية مع الغرب و حلفائه, و الأهم مزيداً من القتلى و الدمار بين الشعب الواحد ، فنقلاً عن مصادر دولية مستقلة، فإن العدد الاجمالي للقتلى من كل جانب حتى الآن هناك تجاوز 100000 شخص، اغلبيتهم من المدنيين العزل . و مع هذا العدد الكبير من القتلى الابرياء فالمعارضة المدعومة بالسلاح و المال و المتمثلة في الجيش السوري الحر لم تحقق نجاحات كبيرة و حقيقية على ارض الواقع ,و لكنها خلفت قتلى و ثكلى و الالاف من المهجرين عن بيوتهم، هذا هو السبب الذي دعا وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في خطاب ألقته في اسطنبول، إلى دعوة المعارضة السورية لتوحيد الصفوف و طي الخلافات الشخصية في محاولة للضغط على النظام السوري بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها و استقطاب اكبر عدد ممكن من الدول لصفها للتحشيد ضد النظام السوري.

و منها دعوة أرسلت للقيادة في المملكة الأردنية الهاشمية وقائدها، الملك عبد الله الثاني,فحتى وقت قريب يمكننا وصف موقف عمان من الازمة السورية بالمعتدل و العقلاني و الحيادي المتمثل بعدم جر الاردن لنزاع عسكري غير متكافئ مع دمشق. هذا الموقف طبعا لم يعجب واشنطن وغيرها من مؤيدي خيارات التدخل العسكري المباشر و الاطاحة بالأسد , فدأبت واشنطن في إقناع السلطات الاردنية للموافقة على تأسيس منطقة حدودية عازلة على الحدود الشمالية مع سوريا و تأسيس معسكرات لتدريب الراغبين في القتال ضد دمشق من سلفيين و منشقين عن نظام الأسد و شباب متحمسون، و صرف النظر عن تهريب الأسلحة والذخيرة عبر الحدود.

لهذا تسعى الإدارة في البيت الأبيض والإدارة في المملكة العربية السعودية في استخدام ما يسمى المخطط ب و هو جر الأردن للحلف الدولي ضد نظام الأسد عن طريق ايقاظ الجماعات الاسلامية في الاردن و منهم السلفيين الجهاديين المعروفين بكرههم لنظام الأسد و لكل نظام سياسي ليس قائماً على الشريعة الإسلامية بشكل عام ،لتحفيزهم على تقديم العون و المساعدة لإخوانهم في سوريا من رجال و عتاد و اعلان الجهاد ضد نظام الأسد على مبدأ التضامن الاجتماعي في الإسلام .

بالنسبة لي ليس سراً أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الفترة الاخيرة تجري بنشاط لقاءات مع الجماعات الأردنية "السلفية الجهادية" في تركيا، واعدين الجماعات بالتأثير على موقف الملك عبد الله الثاني منهم ومنحهم المزيد من الحرية و ازالة القبضة الامنية عنهم في المملكة .و لكن بالمقابل، تدعو الإسلاميين الأردنيين لإرسال عدد إضافي من "المتطوعين" الى سوريا المجاورة، فضلاً عن متطوعين ليبين قدموا للملكة بحجة العلاج لكن وجهتهم الاصلية هي سوريا ,و سعوديون متشددون و اخرون سوريون يقبعون على الحدود.و نتيجة لتلك الوعود التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفائها للجماعات المتشددة الاردنية قام احد قادة السلفية الجهادية و هو أبو محمدالطحاوي ، بإصدار فتوى تسمح للسلفيين الاردنيين بحمل السلاح و القتال ضد نظام الأسد.

فكيف يمكن أن لا تؤثر علاقة الجماعات الإسلامية بواشنطن و ما يصاحبها من احداث يومية و تسارع متزايد لإستخدام الحل العسكري في سوريا على جارتها الأردن ؟ هذه الاتصالات الحثيثة مع الإسلاميين من قبل الولايات المتحدة تسعى لإحتوائهم و تقديمهم للغرب كبديل، فزيادة نفوذهم داخل المملكة بالتالي تعزيز وضعها كبديل عملي لهياكل السلطة القائمة. فتعزيز خبرة السلفيين القتالية سوف تجبر الملك على القيام بإصلاحات سياسية و امنية تهدف إلى تغييرات جذرية في قوى التوازن في المملكة. عملياً بشكل أو بآخر سيتم توجيه السلفيين للضغط على الأقليات الدينية في الأردن - الدروز والعلويين والمسيحيين والشركس.

ففي الأردن قامت الاقلية الشركسية منذ قدومها الى الاردن بتعزيز موقفها بوقوفها الى جانب النظام الملكي و خدمته ، اهلتها على الحصول على المناصب الإدارية والاقتصادية العليا في الحكومة و الجيش, فقد حصلوا على امتيازات من الصعب التنازل عنها ، لكن لو جاء الأصوليون فيمكنك أن تتوقع اي شيء ! اعلم بأنها تكهنات خطيرة لكن من الصعب توقع مسار الأحداث كونها تحدث بالقرب من المملكة و على اراضي جارتها سورية, فوجود اعداد كبيرة من المسلحين في سورية، مع خبرة قتالية عالية في مناطق مختلفة في العالم (أفغانستان، ليبيا، سوريا) سوف تدعوني حتماً للقلق و الخوف الكبيرين، تذكرون كيف دفعت حكومة مالي قبائل الطوارق للمحاربة ضد نظام معمر القذافي،الطوارق الذين قاتلوا بشجاعة الى جانب المتمردين الليبين، و بعد ان عادوا الى مالي بالسلاح و الذخائر و خبرة قتالية كبيرة اصطدموا مع الحكومة و الامن ، تدخل الجيش بعد مسلسل الصدامات العنيفة بين الحكومة و الطوارق فقام الجيش بانقلاب واسقط النظام الشرعي القائم منذ 20 عاماً ,فهل هذه هي الديموقراطية بالمفهوم الامريكي ؟ لو سقط نظام بشار الاسد بقوة سلاح المتشددين ستتولد عندي عدة اسئلة أولها: الى اين ستتجه كل تلك الحشود المسلحة بعد اسقاط النظام و التي لا تتقن عمل اي شيء سوى القتال ؟ هل ستذهب لبلد قريب مثلاً لإسقاطه و لإشباع رغباتهم القتالية فيه ؟ و اصلاً هل يستطيعون الاخذ بزمام الحكم و ادارة شؤونها المحلية و الخارجية و إبقاء الامور تحت السيطرة بعد اسقاط النظام (و لكم في ليبيا اقرب مثال)؟ نعلم جميعاً كعرب و مسلمين بأن امريكا و الغرب مهما فعلوا و مهما حاولوا ايهامنا بأحلام و وعود نعلم مسبقاً بأنها كلها كاذبة,لإنهم ببساطة لم و لن يفعلوا شيئاً إلا لمصلحتهم ! فهل يعقل ان نسقط دولة مستقرة و نفتت وحدتها و نقتل ابنائها من اجل هذه الوعود الكاذبة مع نتائج مشكوك فيها اصلاً؟ فيا جلالة الملك عبدالله احذر ثم احذر ثم احذر من الوقوع في الفخ الأمريكي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات