أمام الملقي .. منعة الدولة وقوتها بمواجهة الاستبداد الإداري


بقلم أحمد الرجوب - يمر الأردن الآن في أجواء اقتصادية وادارية غير مسبوقة والتي تشير إلى أن أياماً عصيبة تنتظر بلادنا ولا اقول هنا بانها من الخطورة الى الوضع المتهاوي لا سمح الله ولا قدر ، ولكن الامر يحتاج الى الانتباه واخذ الامور في مسمياتها لتلافي اية عواصف قد تلوح في الافق للتصدي ما لا يحمد عقباه ...والاردن الذي نجح حتى الآن في الإبحار ضمن عواصف وكوارث هزت المنطقة ودمرت العديد من دولها الرئيسية وجعلت منه بلداً يتميز بالإستقرار والأمن في محيط ملتهب بالحروب وعدم الاستقرار.

إن التغيير الهائل الذي يكتنف المنطقة ودولها لا يفترض أن هنالك أحد بمنأى عن تبعات ذلك التغيير ونتائجة بإستثناء إسرائيل التي يرتبط أمنها ووجودها بدول كبرى من خارج المنطقة . ولكن ، مع ذلك ، تبقى الحقيقة أن هنالك دول في المنطقة يحظى إستقرارها وبقاءها بدعم ومساندة أكثر من دول أخرى في نفس المنطقة  الامر الذي يتحتم على الاردن اخذ كل الاحتمالات بالمتغيرات التي تجتاح المنطقة وهى ما زالت تحت النار الهادئة والتي يعمل عليها محور الدول العظمى التي خلفت الدول التي افل نجمها منذ الحرب العالمية الثانية ...

والاردن وامام هذه التحديات الجسام لا بد من الاخذ بعين الاعتبار العديد من الارهاصات التي يتوجب على الحكومة الانتباه لها واخذها في الاعتبار ، للبقاء صامدا امام هذه التحيات والوقوف بوجهها من خلال تعزيز وتقوية اركان الدولة وادارتها... وهذه الارهاصات اتت على ذكرها وباسهاب تحليلي الاوراق النقاشية الملكية وبخاصة الورقة السادسة ، وفي سياق هذا الاطار فإنني استعرض امامك دولة الرئيس مثلث الافات الادارية والتي يصطدم بعقباتها اي اصلاح تنتهجة حكومات بلادنا المتعاقبة والذي على اساسة تتفشى ظواهر المحسوبية والواسطة وغير ذلك من هذه الافات القاتلة والتي اذا ما داهمت مجتمعا او دولة الا وفتكت بكيانها...

لا أحد يصدق بأن الإصلاح الإداري ممكن ، في حين ان الجميع مقتنع بأنة ضروري ، فلا تنمية ، ولا استثمار وحتى لا قروض او هبات من دون اصلاح اداري جذري ، فالتنمية باتت مرتبطة بشكل وثيق بالنهوض الإداري. ورجال الأعمال والمستثمرون لا يذهبون الا حيث تتأمن لهم الاطر الضامنة للعمل والربح، والدول المانحة والمقرضة اخذت تشترط اصلاحات مالية وإدارية كي تقدم المساعدات.

 مقابل مثل هذه المسلمات التي يوافق عليها الجميع، يسود مناخ مفاده ان الإصلاح غير ممكن، وان الطبقة السياسية مستفيدة من الوضع الإداري الغير فاعل، وبأنة يحتاج الى قرار سياسي، وان كل اصلاح يصطدم بعقبات ثلاث هي: النخب السياسية – البيروقراطية – الفساد.

تحولت النخب السياسية الى حام لأفرادها في وجه الدولة والقانون ( صارت التعيينات تتم عن طريق هؤلاء المتنفذين ) وصار ولاء الموظف لهم وليس للدولة وصارت محاسبة الموظف محاسبة لهم، فتساقطت قوانين الرقابة والحساب والعقاب، وتحول الموظف الي محمية لهؤلاء، وتراجعت الإنتاجية وعمت الواسطات، فحيث لا رقابة ولا محاسبة تسود ...

 البيروقراطية منتشرة في معظم انحاء العالم ، وهذا مرض يصيب الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء ، وهذه العلة تحتاج الى التنشئة والشفافية والديموقراطية ، فلا بد من افهام الموظف بأنه في خدمة المواطن وليس المواطن  في خدمته، وان الأستبداد الإداري يوازي الأستبداد السياسي، وان الديموقراطية تفرض المساواة بين الناس وكثيرا ما يكره المواطن دولته بسبب معاملة الموظفين له وكثيرا ما تكبر الهوة بين الناس والحكم بسبب استعلاء الموظف على المواطن، وشعور المواطن بأن الإدارة هي عدوة وليست راعية...

أما افة الفساد الذي سرعان ما يتحول الى اداة فساد وإفساد لا يرحم احدا ويأكل كل شيء ليتآكل فيما بعد. فالفساد يحول الادارة من مفهوم الخدمة العامة الى مفهوم الإثراء غير المشروع، ويصبح المال هو المحرك، وتصبح الرشوة والسرقة والواسطة قواعد عمل ادارية متعارفا عليها الى درجة يقتنع معها المواطن بأنه لا يمكنه ان يصل الى حقه اذا لم يدفع المال اللازم أو اذا لم يتدخل لمصلحته الشخص النافذ...

في ظل هذا الاعتقاد لا يعود للجدارة والكفاية والشهادة من قيمة أو فائدة، ويختلط الصالح بالطالح. وتصبح الإدارة لعبة مال ونفوذ ليس الا، وهذه نظرة المواطن الى إدارتة : لا يمكن للمواطن ان يحصل على حقه بجدارته وكفاءته،ويمكنه التوصل الى اكثر من حقه عن طريق المال والنفوذ... قناعة مؤلمة وقاسية، لكنها واقعية وواقعية في الكثير من الحالات...

ان مثلث الآفات الإدارية متماسك، ويظهر ان المستفيدين منه، على اختلافهم وخلافاتهم، يتحالفون فيما بينهم للحفاظ عليه... أما الاصلاحيون فهم على تباعد على الرغم مما يجمعهم من احلام الاصلاح والتغيير والتقدم...

وخلاصة القول فإن تحالف المستفيدين من افات الإدارة اقوى من تحالف الإصلاحيين، لكني اشعر في العمق بأن الإصلاح ات لا محالة، عاجلا ام اجلا، فبقدر ما اغتنمنا الوقت دولة الرئيس بقدر ما كانت الكلفة اقل والفائدة اكبر وفي ذلك تنفيذ ما خرجت به الورقة النقاشية السادسة للملك وهى بمثابة توجيه سامي للحكومة والتي يجب عليها " أي الحكومة " السير على هديها ، وبخلاف ذلك لا سمح الله ولا قدر نفتقر إلى المؤسسات والعمل المؤسسي وتفـشل الدولة في احتضان مواطنيها وتمثيل مصالحهم وحل مشاكلهم الحياتية .

لقد انتهجت حكومتنا الرشيدة قبل اسبوع اسلوب الحاكمية الادارية في تصريف امور البلاد ، وهو ما ظهر من خلال " اعفاء أو اقالة " وزير النقل من مهام منصبة واسنادها الى وزير البلديات ... والسؤال هنا هل وزير البلديات قادر على النهوض بوزارته حتى يضاف اليه حملا تثقيلا بحجم وزارة النقل؟... فهل اجراء التعديلات المتكررة بين الحين والاخر على طاقم الحكومه - لضمان استمراها - وكما قيل فإن التغيير إنْ لم يكن حفراً في العمق، فسيكون نقراً في السطح ، فالتغيير الذي يحلم به الاردنيون ووُعِدوا به مرارا ، لا يزال بعيد المنال، أما ما حصل فلم يكن سوى مداورة أقرب إلى المناورة وإجراءً تجميلياً وليس علاجياً أو دواءً ناجعاً لمعالجة احتياجات المجتمع الاردني مهما سيطلق عليه من تسميات إنْ لم يذهب إلى الجوهر والمضمون والمحتوى والتّحقق والدّلالة ، أي إلى شرعية الإنجاز، وليس الوعود والعبارات الإنشائية والتوافقات الشكلية ، فليس استبدال وزير بآخر بتغيير، إنْ لم يكن تغيير مناهج وسياسات وإنْ لم يتّسم بمساءلات ومراجعات في إطار من الشفافية وتلبية احتياجات الناس وإذا لم يكن التغيير الذي هو فرض عين كما يقال جذرياً ، فسيكون أقرب إلى تبادل أدوار وتغيير في معادلات القوة.

وهنا دولة الرئيس ومن وجهة نظرنا - وبمبادرة من جنابكم - لا يوجد ما يمنع الأردنيين من النظر إلى داخلهم بهدف إستشراف واقعهم على حقيقته والعمل على تقوية بنية الدولة الأردنية وتمكين مؤسساتها وتعزيز مبادئ الشفافية و تداول السلطة فيها ضمن برنامج إصلاح حقيقي " وبشكل يجنبنا بعون الله " ويمنع الآخرين من تصنيفنا بنفس الدرجة التي تم بها تصنيف بعض الدول العربية كدول فاشلة نظراً لإفتقارها إلى المؤسسية والحاكمية الرشيدة وحكم القانون والشفافية وتداول السلطة بشكل جعل منها دولة الفرد الحاكم ، تبقى ببقائه وتزول بزواله والشواهد ماثلة امامنا على هذه الدول حتى الساعة.. .

وختاما وغنى عن التعريف بأن عوامل القوة الذاتية في الأردن تعتمد بالدرجة الاولى على العنصر البشري ...فهو يفتـقر إلى الموارد الطبيعية من ماء ونفط وغاز ، وهذا يستدعي بالضرورة بقاء الأردن قويا في اركان دولته من خلال الادارة الرشيدة مما يجعله قادراً على الحفاظ على توازن دقيق ومستمر في علاقاته الخارجية الإقليمية والدولية ، وهذا ما يدفع الأمور بإتجاه إرغام الأردن على رسم سياساته ومواقفه بما يتلائم والتزاماته الدولية والإقليمية خصوصاً تجاه دول مؤثرة على وجوده وإستقراره وفي هذا السياق فقد برع الاردن في ممارسة لعبة التوازنات الإقليمية مما سمح له بالنتيجة أن يلعب أدواراً سياسية ترتبط بالموقع الجيوسياسي للأردن الآمن والمستقر... إلى اللقاء



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات