فصل النيابة عن الوزارة من متطلبات الحكم الرشيد


مبدأ الفصل بين السلطات واحدًا من المبادئ الأساسية في النظم السياسية الديمقراطية، بحيث لا تهيمن سلطة؛ وبالتالي تستبد؛ على غيرها من سلطات الدولة، وهناك نموذجين للفصل بين السلطات الاول وهو الفصل التام والمطلق كما في النظام الرئاسي حيث يكون رئيس الجمهورية هو السلطة التنفيذية من غير وجود لمجلس وزراء ومفصول بشكل كامل عن السلطة التشريعية المنتخبة.
أما النموذج الثاني فهو الفصل المرن المعتدل الذي يقوم على التوازن والتعاون بين السلطتين والرقابة المتبادلة بينهما كما في النظام البرلماني، وهناك اجماع على ضرورة استقلال السلطة القضائية، أي تمتعها بالانفصال أو عدم التبعية لأي من السلطتين التشريعية والتنفيذية، بغض النظر عن طبيعة العلاقة بين السلطتين الأخريين؛ ففي النظم الديمقراطية تحظى السلطة القضائية بالاستقلال مهما كانت طبيعة النظام السياسي رئاسيًا أم برلمانيًا ومهما كانت طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية التي تحقق التوازن بينهما.
في الأردن فإننا نأخذ بالنظام النيابي من النوع البرلماني الذي له ثلاثة اركان رئيسية هي: ثنائية السلطة التنفيذية حيث تتكون من رئيس الدولة الملك ومجلس الوزراء، والثانية وهي المساواة بين السلطتين لا تتبع احداهما الاخرى وتستمد كل منهما اختصاصاتها من الدستور، والثالثة التعاون والرقابة المتبادلة لأن الفصل بين السلطتين مرن وليس تاما وبينهما مظاهر من الرقابة المتبادلة لتحقيق التوازن المنشود.
وفي ظل التوجهات الإصلاحية والحديث حول التوجه للحكومات البرلمانية؛ تثور عدة تساؤلات لعل أهمها: هل ستتشكل الحكومة من أعضاء مجلس النواب؟!، وبالتالي تتم عملية توزيرهم ؛ أم هل يطلب من مجلس النواب ترشيح رئيس الحكومة وأعضائها من خارج المجلس؟!، ثم؛ ألا تتعارض عملية توزير النواب مع مبدأ الفصل بين السلطات؟!، وكذلك الإخلال بمبدأ الاعتماد على الكفاءة في إدارة شؤون الدولة؟! وهل السماح للوزراء بالترشح لعضوية مجلس النواب لا يشكل إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص؛ على اعتبار أن الوزير يستخدم نفوذه لتحقيق الفوز بعضوية مجلس النواب؟!!.
أعتقد أن المدخل للإصلاح الحقيقي يكمن في المحافظة على الفصل بين السلطات وذلك بعدم توزير النواب لتمكينهم من ممارسة دورهم في الرقابة والمساءلة من جهة وضمان وصول الكفاءات الوطنية للمناصب الوزارية من جهة اخرى؛ وبما أننا لا نؤيد أن يصبح النائب وزيرًا لابد أيضا أن نضمن الا يصبح الوزير نائبًا، لانه من يصبح وزيرًا قد يستغل موقعه ليصبح نائبًا، ويستفيد من الوزارة كي يقوم بأمور معينة و"تخبيصات" ويقوم بأعمال انتخابية، وبعدها يترشح للنيابة، فهل هذا جائز أخلاقيا؟!، فحتى تكون العملية عادلة يجب أن تطبّق بالاتجاهين، وإذا ما أراد الوزير أن يترشح للنيابة عليه ان يستقيل وبعد سنتين يحق له الترشيح؛ على أن يضاف نص دستوري لضمان الإلتزام بهذا النهج مستقبلا.
وبقي تساؤلا: كيف سنصل إلى الحكومة البرلمانية في ظل هذا الطرح؟! ، أي تشكيل حكومة برلمانية تعكس مبدأ " الشعب مصدر السلطات" من غير التعارض مع مبدأ "الفصل بين السلطات"، والمنهجية برأيي؛ أن يتم التشاور مع الكتل النيابية لإختيار رئيس الوزراء والوزراء بحيث تتولى كل كتلة ترشيح عدد من الأشخاص المؤهلين لتولي الحقائب الوزارية التي تكون من نصيب هذه الكتل(على أن يتم ترشيح أسماء غير برلمانية )؛ على اعتبار ان كل كتلة ستحصل على عدد من الحقائب يتناسب وحجم تمثيلها بالمجلس؛ وفي ضوء التشاور بين الكتل من جهة وبينها وبين الرئيس المكلف من جهة اخرى يتم التوافق على تشكيلة الحكومة البرلمانية؛ وفي حال حصول حزب سياسي على اغلبية نيابية مستقبلا يتولى تشكيل الحكومة أيضا بالتشاور مع الملك والأقلية النيابية لضمان العدالة وحقوق الأقلية التي تتولى في هذه الحالة تشكيل حكومة ظل تراقب أداء الحكومة الرسمية؛ وبهذه الطريقة نتوصل إلى نموذج ديمقراطي اردني فريد يحقق الحوكمة السياسية والإدارية التي تجمع مابين إرادة الشعب وكفاءة الإدارة .

abdqudah@gmail.com
محلل استراتيجي اردني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات