حتى لا يقتلنا التجاذب والاستقطاب


على قارعة الامس القريب، وقف الناخب المصري حائراً بين يدي معادلة صعبة او مفارقة مقلقة في المفاضلة بين امرين احلاهما مر•• فاما التصويت، في الانتخابات الرئاسية، لصالح احمد شفيق، مرشح نظام المخلوع حسني مبارك، واما الاقتراع لحساب محمد مرسي، مرشح جماعة الاخوان المسلمين•

يومها ضاقت دائرة الاختيار حتى انقلبت الى ما يشبه الاضطرار، وانحصرت عملية المفاضلة بين السيئ والاسوأ، وليس الجيد والاجود، فيما لاذ الكثيرون بالسلبية والقعود ومقاطعة تلك الانتخابات التي لم تعد تثير حماسهم، وتلبي طموحاتهم في التغيير الجذري الذي سيكون له ما بعده•

ذلك الحال المصري الذي انطوت صفحاته بالامس القريب، لا يختلف كثيراً عن حالنا الاردني الراهن الذي يدفع بنا نحو الخروج من دائرة الاختيار الحر، والدخول في ربقة الاضطرار المر، حيث المفاضلة الحصرية بين المؤسسة الحاكمة بما لها وما عليها، وبين جماعة الاخوان بما كانت عليه وما آلت اليه•

مشكلتنا مع الحكم تتفرع من مشكلته مع نفسه، وعجزه عن التطور من داخله وتجديد روافعه وادواته، وبطئه في صناعة القرار بالوقت المناسب وقبل فوات الاوان، واصراره على الكثير من الخيارات والمسلكيات والمعادلات التي عفا عليها الزمن واسقطها الحراك الشعبي المتواصل، ناهيك عن تفضيله التنازل السياسي لحساب القوى والمراكز الاجنبية وليس لصالح الجماهير الشعبية والهيئات الوطنية•

كان - ولا يزال - بمقدور الحكم ان يتعظ بتجارب غيره، وان يستجيب جدياً لتطلعات شعبه، وان ينسجم مع متطلبات هذه الحقبة الثورية العربية، وان يخطو سريعاً نحو اعلى درجات التوافق والتفاهم والتراضي العام على غير صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي وامني•• ولكنه آثر الالتفاف على الاشواق الشعبية في الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وعمد الى الدوران في الحلقة المفرغة والمعتادة التي تتمثل في تبديل الوجوه والاسماء والاشكال، وليس تغيير المواقف والسياسات والممارسات•

اما مشكلتنا مع جماعة الاخوان فهي اكثر صعوبة واشد تعقيداً، ربما لاننا خبرنا اساليب مؤسسة الحكم وعايشناها منذ زمن طويل، فيما فوجئنا خلال الشهور القليلة الماضية بالكثير من الغرائب والعجائب التي اقدم عليها قادة هذه الجماعة على صعيد تعاملهم مع باقي القوى والاحزاب والشخصيات الوطنية والقومية، بعد ان خالطهم الغرور والاستكبار، جراء وصول اشقائهم في غير دولة عربية الى سدة الحكم•

مذهل هذا التبدل والتحول وحتى الانقلاب في مواقف هذه الجماعة ومسالكها وطروحاتها وتعاملاتها مع حلفاء الامس ورفاق الدرب لسنوات طويلة، فقد تنكرت لهم حتى قبل صياح الديك، وتعالت عليهم حتى قبل ان تظفر بالسلطة، وقدمت مصالحها الذاتية وبرامجها التنظيمية على اية قواسم سياسية مشتركة معهم، حتى انها لم تترك لهم من خيارات سوى الافتراق او التبعية والالتحاق، ولا شيء آخر•

وهكذا فقد وقعت الاغلبية الشعبية والقوى والحركات الوطنية والقومية واليسارية في حيص بيص، ولم تعد تجد لنفسها مكاناً في اجندات الحكم او مخططات الجماعة على حد سواء، خصوصاً بعدما ادركت بوضوح ان الخلاف بين هذين الطرفين المتصارعين لا ينطلق اولاً واساساً من الحرص على الصالح الوطني والشعبي العام، بل من التنافس على النفوذ والسلطة، وربما على لفت انظار المراكز والعواصم الاجنبية التي تملك التأثير في موازين الداخل الاردني وحيثياته•

اكثر من هذا، فقد وجدت الاغلبية الشعبية وطلائعها الراديكالية والشبابية، ان حالة التناحر والتأقطب بين طرفي الحكم والاخوان قد انعكست سلباً على سلامة الدولة، والامن الوطني، والسلام الاجتماعي، والوضع المعيشي والاقتصادي، ولم تثمر ما يعزز الحريات العامة، ويعمق الوضعية الديموقراطية، ويضيق مساحة التذيل والتبعية السياسية، ولعل الشواهد على كل ذلك واضحة وكثيرة، ابرزها قانون الصوت الواحد والخالد، وقانون المطبوعات العرفي الجديد، وتمويل عجز الموازنة العامة من جيوب المواطنين، وعودة السفير الاردني مجدداً الى تل ابيب، وتقاطر القوات العسكرية والتجسسية الامريكية والاوروبية على بلادنا زرافات ووحداناً•

غير ان الافدح والاخطر والاشد خسراناً، جراء هذا التناحر الثنائي، ما زال في الطريق وقيد المستقبل القريب الذي يشهد اصرار النظام على اجراء الانتخابات النيابية من جهة، وتصميم الاخوان على مقاطعتها ووضع العصي في دواليبها من جهة اخرى•• الامر الذي سيفقد هذه الانتخابات مضمونها الشمولي وصفتها الجماعية العامة، ويقترب بها من تجارب ودورات انتخابية سابقة وبائسة، ويفوت على البلاد والعباد فرصة كانت سانحة لتحقيق قفزة نوعية واسعة على دروب الاصلاح السياسي والنهوض البرلماني والحياة الديمقراطية والدستورية الحقيقية التي توفرها الولاية العامة للحكومات، والحق في تداول السلطة تبعاً للاوزان النيابية•

وعليه، فقد وصلنا، او نكاد، الى الزاوية الحرجة، او الخيار صفر، مثلما وصل قبلنا الشعب المصري الشقيق•• فاما ان نستجيب لرغبات الحكم ونشارك في هذه الانتخابات التي لا تلبي طموحاتنا وتطلعاتنا، ولا تختلف كثيراً عن الانتخابات المعهودة سابقاً، واما ان نقاطعها وندير الظهر لها، وفقاً لدعوات الاخوان وحساباتهم الذاتية ومشاريعهم الفئوية الاستئثارية•• فما العمل ؟؟ وكيف يتسنى الخروج من هذه الدوامة او الازمة المستفحلة ؟؟

لو كان لامثالنا رأي مسموع، وكان للعقل السياسي محل من الاعراب، لما ترددنا في المناداة بتشكيل \"لجنة حكماء\" تضم خيرة رجالات هذا الوطن وشخصياته السياسية والاجتماعية والثقافية، بغية النهوض بمهمات الحوار الوطني على طريق التوفيق والتجسير، ليس بين الحكم والاخوان فحسب، بل بين سائر الجهات والقوى والهيئات الوطنية ايضاً، وليس بشأن الموضوع الانتخابي الراهن فقط، بل بالاستطراد الى موضوعات واشكاليات وتحديات اخرى كثيرة تتطلب خارطة طريق سالكة وبنك اهداف واضحة، ذلك لان الاهداف الواضحة والمحددة كفيلة بتخليق واستنباط وسائل تحقيقها واخراجها الى حيز الوجود•



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات