الاصلاح في الاردن حين يولد مشوها على يد "رجالات الثقة"


جراسا -

خاص - اسلام صوالحة -  مع بداية الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد في الاردن مطلع العام المنصرم, سعى جلالة الملك الى ترجمة تلك المطالب الى مشروع ملموس على ارض الواقع, وتحويل الشعارات الاصلاحية الى نصوص دستورية وقانونية راسخة.

الا ان سعي جلالته واصراره على الاصلاح الذي اكد انه اول من طالب به وان الربيع الاردني بدأ قبل 10 اعوام , تعثر أمام المصالح الشخصية والمناكفات السياسية لرجال الثقة الذي كانوا دونها, ممن راهن الملك على خبرتهم السياسية ووطنيتهم في الخروج من الازمة الراهنة .

فقد بادر جلالته الى استبدال حكومة سمير الرفاعي التي حظيت بثقة نيابية غير مسبوقة في تاريخ الاردن, بمنح 111 نائبا الثقة من اصل 120 نائبا, ليلاحق ذلك الرقم المجلس حتى رحيله, فجاءت حكومة د.معروف البخيت, والذي انجز دراسة حول الاصلاح في الاردن قبل اشهر من توليه الحكومة الثانية, خلص فيها الى ان مسار الاصلاح في الاردن قد يستغرق 20 عاما لكي ينضج .

ومع انطلاقة حكومة البخيت الثانية, فتح الرئيس ,القديم الجديد, حوارا مع القوى السياسية والحزبية المختلفة وحاول استقطاب اكبر حزب في الاردن والاكثر تأثيرا في الشارع جبهة العمل الاسلامي الذراع السياسي للاخوان المسلمين, للمشاركة في الحكومة ليكون جزء من الحل الا ان الحركة جددت رفضها للمشاركة في حكومة غير منتخبة بحسبهم.

ولم تمنع مقاطعة الاسلاميين للحكومة , المضي قدما في برنامج الاصلاح, فبادر جلالته مجددا لاطلاق حوار وطني حرص من خلاله على مشاركة كافة الاطياف السياسية والمجتمعية والفكرية والعشائرية وتعهد جلالته بضمان تطبيق مخرجات لجنة الحوار التي قاطعها الاسلاميون ايضا .

وكان مطلب تعديل الدستور واصلاحه, احد ابرز ما نادت به القوى الشعبية والسياسية, الا ان المسؤولين واصحاب القرار لم ينفكوا عن ترديد ان الدستور خط احمر ولا يجوز تعديله باي حال من الاحوال, لان الخط الحمر , وكما يقول الفقيه الدستوري في دراسة قانونية عن "الاصلاحات الدستورية في الاردن التي تحتاج الى اصلاح" نشرت في مجلة نقابة المحامين, بان " شعار الخط الاحمر افاد كثير من المنافقين والمرتزقة عندما فاتتحوا دكاكين لاصدار الفتاوى بان نصوص الدستور منزهة ولا يأتيها الباطل من اي جانب, وان من ينادي بالاصلاح الدستوري يخدم اجنتده الخاصة او اجندة اجنبية تعادي النظام".

الا ان النظام لم يكترث لتلك الفتاوى المشبوهة فامر بتشكيل لجنة ملكية لتعديل الدستور واصلاحه, ضمت رجالات الثقة من رجالات دولة سابقين وحاليين اضافة الى رؤساء السلطات الثلاث.

وعلى الرغم من تأكيدات جلالته لاعضاء اللجنة بانه لا يوجد خط احمر, امام اي نص ترى اللجنة ضرورة تعديله او استبداله بنص اكثر حداثة وعصرية, الا ان اللجنة كانت ملكية اكثر من الملك, فسارت في التعديلات و كأنها تسير في حقل الغام, حتى خرجت علينا بتعديلات شكلية , او كما اطلق د.الحموري عليها في دراسته , "مولود الاصلاح" الذي جاء بعد شهور حمل 7 مصحوبا بزفة سلطوية وزغاريد اعلامية.

المولود خرج مشوها, ففي مقارنة بين التعديلات الدستورية التي جرت في الاردن والتعديلات في المغرب يقول د.الحموري " كان الدستور الاردني متقدما على الدستور المغربي لكن الاصلاحات جعلت ملامح المولود الاردني السباعي الحمل قاصرة على ملامح الدستور المغربي رباعي الحمل, بالنسبة للمفاصيل الاساسية في كل منهما".

أما توصيات لجنة الحوار, ورغم الضمانات الملكية, فقد ألقيت في سلة المهملات ولم تلتزم الحكومات المتعاقبة بما نتج عن شهور من الاجتماعات واللقاءات المجتمعية التي عقدها اعضاء اللجنة في جميع محافظات المملكة.
وبقي الجدل دائرا حول قانون الانتخاب , فالحكومة وقوى الشد العكسي تصر على صيغة الصوت الواحد لتحتفظ بمكتسباتها , والمعارضة تصر على تعدد الاصوات والخيارات لتمكينها من الوصول الى المجلس بأغلبية مريحة .

الطرفان تمسكا بمصالهما دون ادنى اكتراث بمصلحة الوطن حتى وصلنا الى حكومة الطراونة التي ومع بداية عهدها اعلنت احياء الصوت الواحد من جديد وبدأت بمناكفة جماعة الاخوان المسلمين ليدخل الجانبان في معركة "كسر عظم", كسرت خلال المعركة عظمة الوطن والمواطن وبقي الطرفان يتصارعان.

وفي خضم تلك المعركة الشرسة, حاول رئيس الوزراء الاسبق فيصل الفايز وضع عصا المصلحة العليا في عجلة المناكفة التي كادت ان تودي بالاردن الى الهاوية , فبادر الى لقاء جماعة الاخوان المسلمين والتفاوض معهم على صيغة معقولة ومقبولة من جميع الاطراف الا ان محاولاته احبطت من المتطرفين من الجانبين, الحكومة والمعارضة على حد سواء .

ومع احتدام المعركة السياسية , لجأت الحركة الاسلامية الى الشارع لاستعراض قوتها , فردت الحكومة باستعراض اخر للقوة بأدوات دستورية حين نسّبت بحل المجلس لتقول للجماعة "طاردوا" , لا حل بعد الحل .

وفي خضم كل ذلك, صدرت الارادة الملكية السامية يوم السبت بتعيين رئيس واعضاء المحكمة الدستورية التي كانت حلما للاصلاحيين قبل ان يفسد كتاب الدستور الجديد ذلك الحلم باقحام نص افرغ المحكمة من مضمونها .

فقد نصت التعديلات الدستورية في المواد 58 – 60 على انشاء محكمة دستورية تختص بالرقابة على دستورية القوانين .

ولكن هذه المحكمة ووفقا لنصوص انشائها, ولدت مشوهة كما يوضح د.الحموري في دراسته القانونية , اذ ان المحكمة تتكون وفقا للنصوص السابقة من تسعة قضاة او اكثر يعينهم الملك , اما التعديلات فقد منحت رئيس الوزراء ووزير العدل سلطة تعيين اعضاء المحكمة والملك يوافق على هذا التعيين .

كما حرمت نصوص المحكمة الاحزاب السياسية الطعن في دستورية القانون وحصرت الحق بالطعن بدستورية القوانين باعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية فقط , كما حرم 800 قاض صلاحية الحكم بعدم دستورية القوانين.
وحول شروط العضوية في المحكمة فقد وضع "المشرعون" مجازا , بندا يتيح لاي شخص تتوافق فيه شروط عضوية مجلس الاعيان بان يكون عضوا في المحكمة الدستورية .

والمفارقة , ان فقيها دستوريا كالبروفيسور محمد الحموري , وغيره من الفقهاء الدستوريين الذين غيبوا عن اللجنة الملكية لاعادة صياغة الدستور , غيبوا عن عضوية المحكمة الدستورية , لتتحول المحكمة من مطلب شعبي لمراقبة المخالفات الدستورية والعوار الدستوري في القوانين التي تصدرها الحكومة و"يبصم" النواب عليها, الى جوائز ترضية ومكافئة لرجالات الثقة !!!

ويقول د.الحموري " يبدو ان نصائح البطانات والحكومة الخفية التي رسمت الطريق الاجرائي الذي تم سلوكه للوصول الى الاصلاح في الاردن قد استهدفت اصلاحا شكليا دعائيا وافراغ الشعب مصدر السلطة من مضمونه " .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات