الخطاب الإسلامي " بين الدفاع والبيان"


لا يخفى على المتتبع للحرب الفكرية المعلنة السافرة على هذا الدين بما فيه من فكر وسلوك وشعائر عظيمة تفضل الله سبحانه على هذه الأمة بها وجعلها خير أمة أخرجت للناس مما جعل هذه الرسالة التي اختصّ بها سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- وأمته محل حسد من اعدائها، جرَّ إلى عداء حاقد وحرب عمياء (أم يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله).
فقامت حروب الشبهات والضلالات المثارة حول مفاهيم هذا الدين الثابتة واحكامه الشرعية العادلة محاولة تشكيك ضعاف الإيمان في حقيقة دينهم ولترسم صورة سيئة في نظر من يفكر باعتناق هذا الدين مرتكزة على مغالطات لا تستقيم لها حجة امام الحقائق الباهرة للاسلام، وتعالت تباكيات الذئاب على تلك الشريحة المظلومة – في نظرهم – أي اتباع هذا الدين موحية إلى الناس أن هذا الدين قيد ظالم رجعي يحول بين الإنسان وآدميته وممارسته لحياته بحرية وكرامة وحاشا لله أن يكون شيء من هذا في ديننا السمح العظيم الذي اختاره لنا ربنا العليم الحكيم.
ولكنه حقد أعمى وقصور فهم وخوف عميق على مصالح شيطانية هو ما جعل أهل الباطل يغلون في عدائهم لهذه السماحة فانطلقوا بأراجيفهم المغرضة التي لقيت الكثير من الآذان الصاغية والأقلام المتفاعلة المؤيدة والأفكار الخبيثة المساندة فكيف هو ردنا على كل هذا كأمة تطعن في دينها ويساء إلى عقيدتها وينتقص من كمال شرعها بل ويستهزأ برسولها – صلى الله عليه وسلم-.
الحقيقة ان معظم ردود أفعالنا وإشعاعات أفكارنا ومضامير أقلامنا كانت في مجال الدفاع المستميت ومدحا مستفيضا لهذا الدين – والذي هو أهل لذلك حقا- اومجرد ثورات عاطفية ومسيرات مجلجلة مليئة بالمشاعر الفياضة والعبارات المنددة كرد على اساءات الأعداء المتكررة كما حدث في تلك الإساءة الخبيثة إلى حبيبنا وسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- وهذه الدفاعات شيء رائع وجميل واجب علينا فعله، أضف إلى ذلك تلك البرامج المؤثرة التي ملأت وسائل الإعلام المرئي والمسموع وتلك المقالات البليغة التي كتبت بأيد كريمة محبة لدينها غيورة على رسولها وأمتها وهذا أيضا حسن جميل نرجو الله ان يثيب ويأجر غاية الأجر كل من قام به إن شاء الله.
إلا أنه فات البعض منا أن الدفاع وحده لا يكفي ولا التنديد وبيان الفضائل كذلك بل علينا القيام بواجب الشرح والبيان والتوضيح لثوابت هذا الدين العقائدية والتشريعية علينا أن نقدم هذا الدين الكامل العادل لأهل الملل الأخرى بالصورة التي أرادها له سبحانه وتعالى صورة الرحمة والعدل والمساواة الإنسانية صورة العلم والعمل والسعي الدائم لرقي الإنسان وتحصيله في كافة مجالات الحياة وصورة الكمال التشريعي العادل السمح المرن الميسر في شتّى ميادين الحياة الروحية والمادية للانسان ذلك الكمال الذي حوّل هذه الأمة من مجتمع متأخر متقاتل متظالم جاهل ظلامي السلوك والاعتقاد إلى امة كل فرد فيها مصباح هداية ومنارة علم وسيف عدل ولسان حكمة ومثال مروءة فانتشرت طاقتها الابداعية الرحيبة في كل أرجاء الدنيا فملأها عدلا وعلما ورحمة حتى صار أهل القرى الظالمة من غير المسلمين يستنجدون بخليفة المسلمين ليفتح بلدانهم ويخلصهم من ظلم حكامهم وفساد كبراءهم وطغيان جهلتهم.
علينا أن لا نكتم امانة حملناها وهي شريعة الله وأن لا نقلل من اهمية إيضاحها وبيانها للناس فهي للناس كافة أنزلت وأمرنا نحن أهلها بشرحها وبيانها لهم علَّها تكون سبيل النجاة لنا ولهم \" وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون\" (النحل) أن نقدم لهم هدية السماء التي كلفنا بحملها إليهم واضحة جلية كفلق الصبح نقية خالية من الإضافات الخارجة عن روح الدين ورسالته أو الإختصارات التي تغيب بعض الدقائق والتفاصيل التي نظن انها قد تثير شبهة أو تخفى حكمتها على استيعاب غيرنا من الناس فإن الذي أوحى إلى رسوله الامي هذا الدين عالم بحقيقة من خلق عارف بطبيعتهم مدرك جل شأنه طبائع نفوسهم البشرية وعقولهم القادرة على استيعاب هذه العقيدة وتقبلها لهذه الشريعة والاستعداد الفرح للعيش في ظل هذه الكرامة الإلهية لمن شاء الله له الهداية منهم.
إن علينا الخروج من معركة الدفاع إلى آفاق البيان والتعريف كي لانترك في ذمتنا أمانة لم نؤدها لأهلها ولا دقيقة من دقائق هذا الدين إلا وفصلناها لهم وبيناها \" لتبينه للناس\" حتى لا نكون كغيرنا من الأمم التي خانت عهد الله في تبليغ الامانة إلى خلقه.0
علينا أن نوضح لهم حقيقة الإسلام وأن ندعوهم إليه عبر معرفتهم التامة به وأن نقدم لهم النماذج المؤثرة والتجارب الحقيقية الرائدة والممارسات الصادقة الواعية والأمثلة الحكيمة السامية التي تسمو بالروح إلى مراقي السعادة الخالصة وترتفع بالجسد إلى قمة الانسانية الراقية التي تبتعد بالانسان عن بهيمية الحيوان وضلالة السبيل فتصل به إلى شاطىء النفوس الزكية، علينا أن نقدم لأولئك الذين يشنون حربهم الفكرية المسمومة علينا كل هذه الطيبات.
والمزيد منها بقلوب مؤمنة بما تدعوا إليه وارواح مشفقة على هذه الإنسانية المعذبة وإذا كان شعار الآخر \" اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس\" فإن شعارنا \" اصدق ثم اصدق ثم اصدق حتى يتبعك الناس حبا في الاسلام الذي تحمله إليهم بصدق لكي يكون البيان بليغا والدعوة كريمة بمقدار ما هي كريمة حقاآخذين بكل ما أتيح من وسائل البيان والإيضاح غير مغفلين ولا مهملين لجانبواحد ولا وسيلة واحدة في هذا العصر الذي صار العالم فيه قرية صغيرة طارقين كل أبواب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ومقارعة الحجة بالحجةدون كلل أوملل ذبا عن حياض هذا الدين العظيم
رقية القضاة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات