إستعادة الجبهة الوطنية للإصلاح في عيدها الأول


عندما تم إشهار الجبهة الوطنية للإصلاح برئاسة رئيس الوزراء الأسبق احمد عبيدات قبل حوالي عام ، ترافق ذلك الاشهار مع إصدار وثيقة تعبر عن رؤيتها للإصلاح في الاردن وتضمنت الفقرات الاولى من تلك الوثيقة النص التالي :
(....نطرح رؤيتنا للإصلاح الديمقراطي الشامل على النحو التالي:
اولا: اعتماد استراتيجية وطنية للإصلاح تضع البلاد على المسار الديمقراطي المستند إلى ثوابت الدستور والميثاق الوطني، وصولاً إلى الدولة" المدنيّة الديمقراطية "التي تقوم على الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان، والتي تشكل "المواطنة" بأبعادها الدستورية والقانونية والأخلاقية ركيزتها الأساسية....).
وكمواطن "غشيم" شهد العديد من الفعاليات التي تم تنظيمها والدعوة إليها تحت مظلة الجبهة وخصوصا في مدينة إربد ، أرى ضرورة تعديل تلك الوثيقة التأسيسية وإستبدال الدعوة الى دولة مدنية ديمقراطية بالدعوة الى دولة دينية "سايبة" ليس لها دستور أو قوانين ويقودها مجموعة من الغوغائيين الذين لا يملكون من مؤهلات الحكم والسياسة شيئا ، الا اذا إعتبرنا أن إطلاق اللحية وحفظ مجموعة من الايات والاحاديث وتبني فكرة تكفير الأنظمة السياسية والمجتمعات العربية لدى سيد قطب وتلميذه محمد عبد السلام فرج وتابعهما الدكتور محمد أبو فارس في كتابه حول حكم تولي الوزارة في الانظمة الكافرة مؤهلات كافية . ضرورة ذلك التعديل ليس دافعه قناعة لدي بأن الدولة الدينية ، على غرار دولة طالبان أو دولة حماس، هي ما نطمح الى الوصول اليه في الاردن، بل لتحقيق الإنسجام والتوافق بين خطاب الجبهة في وثيقتها التأسيسية وخطابها في فعالياتها في الشارع الاردني.
ففي غالبية فعاليات الجبهة الوطنية للإصلاح ، إن لم يكن جميعها ، ينبري الغوغائيون من قيادات حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين ،الى التحدث بإسم الجبهة الوطنية للإصلاح دون أدنى إحترام لما تم التوافق عليه بين القوى السياسية المشاركة في الجبهة وهو ما تمثله الوثيقة التأسيسية المشار إليها في بداية المقال، فيطالبون "وباسم الجبهة" بالتخلص من (القوانين الوضعية والدستور الوضعي) والعودة الى القران والسنة النبوية كما لو كانا نصين قانونيين ، وبما يعكس تبني المطالبة بالدولة الدينية مقابل الدولة المدنية.كما تنعكس تلك الغوغائية وبشكل متكرر أيضا على الهتافات في تلك الفعاليات ومنها الهتاف الشهير (فليعد للدين مجده ...ولترق منا الدماء) وسواه من الهتافات التي تنادي بمطالب مخالفة لمطالب الجبهة الوطنية للإصلاح.
نشير أولا إلى أن تلك المطالبة تعكس الجهل بحقيقة أن أي قانون هو قانون وضعي ، وليس في ذلك عيب ، فاللغة القانونية المعيارية المستخدمة حاليا في كافة دول العالم إبتكار بشري هدفه تحقيق العدالة ومصالح المواطنين (وهي مبادئ إسلامية) وليس من الضروري التخلص منها وإختراع لغة بديلة لها ، أما مضمون أي دستور أو قانون فيمكن أن يتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي أو يخالفه ونحن لا نقبل مخالفة الدين الاسلامي في مضمون القوانين ، ولكن هل الدستور الاردني والقوانين الاردنية تحل ما حرم الله وتحرم ما أحل الله ؟ وهذا هو المقياس الواجب إتباعه في الحكم على النصوص القانونية.
وللدقة ، أشير هنا الى أن العديد من أعضاء لجان الجبهة الوطنية للإصلاح قد أشاروا إلى تقديمهم للعديد من الإعتراضات المتكررة حول سلوكيات حزب جبهة العمل الاسلامي وجماعة الاخوان في فعاليات الجبهة ومحاولاتهم إضفاء الصبغة الغوغائية المعهودة لدى الحزب والجماعة على تلك الفعاليات وذلك خلال إجتماعات تلك اللجان ، وفي العديد من الإجتماعات كان ممثلي الحزب والجماعة يعتذرون عن تلك المخالفات ويتعهدون بعدم تكرارها في الفعاليات القادمة ، ولكن دون الالتزام والوفاء بالعهود التي قدموها ، ومخالفة العهود سلوك معهود لدى الجماعة والاحزاب المنبثقة عنها في كافة مواقعها كما تشير تجربة الجماعة الام في مصر وربما كانت مخالفة العهود أحد مبادئ الجماعة وقد يكون ذلك المبدأ قائم على فتوى داخلية غير معلنة أحلت الجماعة من خلالها خيانة العهود في إجتهاد براغماتيكي ليس غريبا عليها .
قد لا يكون من السهل إقناع جماعة الاخوان المسلمين ، سواءا الجماعة الام او الجماعة المنبثقة عنها في الاردن وغيرها ، بالخروج من المنطقة الرمادية وتبني خطاب سياسي قانوني عقلاني ، يقر بحقيقة أن تحقيق مبادئ الاسلام وعدالته لا يمكن أن يتحقق الا من خلال تفعيل الالتزام بالدستور والقوانين وتحسين النصوص القانونية المتضمنة في مواد الدستور والقوانين ، وباستخدام اللغة القانونية المعيارية وصولا الى تحقيق أهم مبادئ الشريعة الاسلامية : أي العدالة والمصلحة العامة.(وننصح الجماعة هنا بالاطلاع على كتابات جمال البنا الشقيق الاصغر لمؤسس الجماعة واجتهادات الفقهاء المعاصرين الاخرين مثل عبد المتعال الصعيدي في موضوع الحدود تحديدا وعلى سبيل المثال لا الحصر ).
ولكن ، ومع صعوبة مهمة إصلاح جماعة الاخوان المسلمين ، فقد يكون من الضروري حاليا إصلاح الجبهة الوطنية للإصلاح ، وذلك عبر تحقيق إلتزام القوى السياسية المنضوية تحت مظلتها بالمبادئ التي تضمنتها وثيقتها التأسيسية والبيانات الاخرى الصادرة عنها كهدف مشترك ينعكس على خطاب تلك القوى في الفعاليات التي يتم تنظيمها تحت مظلتها ، ونتمنى أن لا يتطلب ذلك إستبدال رئيسها احمد عبيدات ، الذي يبدو غائبا حاليا ، بشخصية سياسية اكثر حزما وقدرة ( ومواصفات شخصية كمواصفات عبد الكريم الكباريتي على سبيل المثال " لمقارنة رئيس الوزراء الاسبق عبيدات بشخصية ذات خلفية مشابهة) ، وقد يكون لمنسقي وأعضاء الجبهة من ممثلي الاحزاب الوطنية المحترمة كحزب الوحدة الشعبية وحشد وسواهما والاعضاء المستقلين ، دور أساسي في تحقيق ذلك الإصلاح وحتى لو تطلب ذلك تبني مبدأ حرمان القوى السياسية التي ترتكب المخالفات من التحدث بإسم الجبهة في الفعاليات التي تنظمها، خصوصا في ظل تكرار مخالفة التعهدات بالتوقف عن تلك المخالفات .
وقد يتطلب إصلاح الجبهة التأكيد على أن يتم إتخاذ القرار حول تنظيم الفعاليات التي تحمل إسمها بشكل ديمقراطي يمثل كافة أعضاء لجانها التنفيذية ، ومع التأكيد أيضا على رفض اللغة الغوغائية في تلك الفعاليات بما تتضمنه من إفتراءات وقذف وتجريح (...طاولات القمار والملاهي والمواخير... :طبقا للهتافات وكلمة رئيس مجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين نواف عبيدات في إحدى مسيرات الجبهة الوطنية للإصلاح ) تسيء الى مطلقيها بالاساس وتخالف مبادئ الدين الاسلامي ، وتبني لغة سياسية محترمة ومهذبة تمثل القوى السياسية المحترمة المشاركة في الجبهة الوطنية للإصلاح .
أخيرا ، فقد يكون من المؤكد أن جماعة الاخوان المسلمين في الاردن غير قادرة على تطوير تقاليدها المتعلقة بالعمل السياسي مع الفعاليات والقوى الوطنية على الساحة الاردنية وهي التقاليد الراسخة والقائمة على الاقصاء والتهميش والاستعلاء ورفض التعددية والتي تقوم على أدبيات الجماعة وكتابات منظريها التي تقارب الادعاء بأنها الممثل الوحيد والحصري للدين الاسلامي وأن من هم ليسوا أعضاءا فيها فإسلامهم مجروح وناقص وقد عرضنا العديد من النصوص التي تبين ذلك في مقالات سابقة ومنها النص الذي يفتي فيه سعيد حوى بأن من ينسحب من جماعة الاخوان المسلمين يعد مرتدا عن الاسلام بالاضافة الى تكفير من ليس عضوا فيها .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات