نُبَايُعُكَ يَاْ مَوْلَايَ علَى قَوْلِهَا ..


قلْتُ لزوْجَتِي : اسْكُتِي .
وَقُلْتُ لأبنائِي : انكتموا، فصوتُكُم يَجْعَلُنِي مُشَوَّشَ التفكيرِ . لا تَنْبَسُّوا بكلمةٍ ، أريدُ أنْ أكتبَ لِملِيكِي عبدِ اللهِ الثاني : حريِّةُ التعبيرِ في خطر!
سيِّدي وَمَوْلايَ المَلِكُ عبدُ اللهِ الثَانِي أعزَّ اللهُ مُلْكَهُ وَرَعَاهُ:
إنَّ الحياةَ البشريَّةَ بِنَاؤُهَا على الكلمةِ، فإنَّ الكلمةَ هي عنوانُ العقلِ وتُرجُمَانُ النفسِ وبٌرهَان الفؤادِ، فالكلمةُ لها مكانتُها، بل لها أثرُها وخطرُها. ومن أجلِ هذا فيجبُ أنْ تكونَ لها حرّيّتُها .
بلْ الإنسانُ ، هو المخلوقُ الوحيدُ الذي يُطلِقُ الحرّيّاتِ ، ويَكبِتُها بِعدلٍ وبظلم ، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟) بل إنَّ ديَن الإسلامِ الذي جاءَ به جَدُّكَ الأعظمُ محمّدٌ - صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسلَّم - قامَ على الكلمةِ وأسِّس عليها .
قال الله تعالى :{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]،
وقال : [ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم:1]. الإسلام استَقبَلَ الكلِمةَ من السماء بأمانة، وأرسَلها إلى الناس بالحقّ . الرسالة والدعوةُ والتبليغُ كلُّ ذلك بالكلِمة .
وللكلمةِ قوّةُ السيفِ في البناءِ والتغييرِ والإصلاحِ ، والعاقلُ من الناسِ لا يتكلّمُ إلا لحقٍّ يبيِّنه أو باطلٍ يَدحَضُه أو علمٍ ينشُرُه نقولُ هذا : وأملُنا في اللهِ وحْدِه، ثمَّ بِشخْصِكَ يا مَلِيْكِنَا المُفدَّى ، وشعبُنِا لا يأخذُ عزْمَهُ من موقفٍ غيرِ موقِفِكَ ، ولا يُثْنِيهِ عنْ حقِّه تَنَكُّرٌ مِن أحدٍ أيًّاً كان ما دُمْتَ نَصِيرُهُ .
سيَّدي ومَوْلاي المعظَّم :
نحنُ ما زلنا أمام حكومةٍ ترفضُ الإصلاحَ ، تواصل العنف ، تزيد في التضييق ، وتقولُ باللغة العملية القاسيةِ الفصيحةِ الواضحةِ وغيرِ المسؤولةِ : أنّ الشعبَ غيرَ مُحقٍ في مُطالبهِ الحقوقيةِ والسياسيةِ، وأنَّه شعبٌ نشازٌ منْ بين كلِ شعوبِ الأرض ، وأنَّه ليس أهلاً لشيءٍ من الحقوقِ بصراحة ، ولهذا فإنَّ الحكومةَ تدعو لمزيدٍ مِنْ التنكيلِ بهذا الشَّعبِ وإلغائهِ . يريدون أنْ تستمرَ سياسيةُ النفاقِ بانَّ كلَّ شيءٍ تمام ، و حريَّةُ الرأيِّ مصانةٌ ، وحقُّ التعبيرِ مكفول ، كذلك المسيرات ، والمظاهرات ، والاعتصامات ، مكفولة ولكن على حد قولهم بالقانون ، أيُّ قانون هذا ؟ أهو ذلك الذي ينتهكونه ليل نهار ؟ ماذا بقي من شيء لم تنْتَهِكْه سياسةُ الحكومةُ في هذا البلد الكريم ؟ لا شيءَ مِنْ حُرْمَةٍ لهذا الشعبِ ، المقاومِ للفسادِ ، للاستئثار، للتهميش ، لنَهب الثروة .
ثمَّ ما هذا التركيزُ ، والتسلطُ المحمومُ على الصحفيين ، ووسائلِ الإعلامِ ؟ مرآتُنا إلى العالم ، أيريدون علاوة على تكميم الأفواه ، حجبَ الحقيقةِ ؟ التي لا يريدون لأحد أن يراها ، ويتحدثَ عنها ، ويبقى قولُهم المزعومُ عن استتبابِ الأمنِ هو السائد ، ولكنْ هيهاتَ ، لقدْ أضحى العالمُ كلُه قريةً صغيرةً، ولا يمكنُ أنْ تُحْجَبَ الشمسُ بغربالٍ ، أنَّ الأمنَ الموهومَ الذي يتشدقون بهِ قائمٌ على القسوة .
سيدي ومولاي المفدَّى :
إنَّ الحريَّةَ بمفهومها الشامل تعتبر من ضروراتِ الحياةِ عند الإنسان ، بصفته فردًا داخل مجتمعٍ متحركٍ غيرِ ساكنٍ وميت ، فحريّةُ التعبيرِ وإبداءِ الرأيِّ ، هي الأساسُ القويُّ لحصول الحرية بتجلياتها العامة والخاصة . بمعنى أن حريّة التعبير داخل المجتمع من ضروريات البقاء ، والاستمرارية.
فحريةُ التعبير تتجلى في عدم إبداءِ الصمتِ ، والبحث عن منطقةٍ يَدفنُ فيها المرءُ نفسَه حيًا، فالتعبيرُ مادةُ الحياةِ والبقاءِ ، مادام المرءُ موجودًا في هذه الدنيا الفانية . وأشهدُ أنَّ الصحفَ الالكترونية التي وُشِىَ لك بها ، قامت بهذا الواجب ، فحيث دخلنا في الشقوق لسبب أو لآخر ، وجدنا في الصحفِ الالكترونية ميدانا ينافحُ عن الوطن ومقدراته .
وإنني أدعو الله - عز وجل - أن يبقيَها لتظلَ نبراسًا على مدى الأيام للمصلحين والمجاهدين ، وكيف و كلمةٌ الحق لم تعْدَمْكَ نصيرًا لها ، يتحدَّى الطاغية في ذروةِ جبروتِه غيرَ هيَّابٍ ولا وجِل .
ولم أدرِ أنَّ اللهَ - سبحانه وتعالى - قد أذِن بتحقيق أمنيتي ، بوجود صحافةٍ جريئةٍ ، تنقل الحق لا تأخذها في الله لومة لائم ، بعد أن كنا أسرى الصحفِ الورقيةِ الصفراءِ القائمةِ أساسٍا على تكريس الرؤيةِ السياسيةِ الواحدةِ بالقوة ، والسيطرة ، والتي لم تصمدْ في وجهِ الصحافةِ الالكترونيةِ التي تبدو أكثرَ قدرةٍ على التعبيرِ عن متطلباتِ المستقبلِ وإمكانياتهِ ، فكلُ ما نعيشُه في وطننا اليومَ من كوارثَ سياسيةٍ ، واقتصاديةٍ ، واجتماعيةٍ مدمرةٍ ، سبَبُهُ التفكيرُ، والرؤيةُ السياسيةُ الأحاديةُ التي تمنحُ القويَّ السيطرةَ على وسائلِ التعبيرِ وأشكالهِ ، وبالتالي فرضُ النموذجِ الأوحدِ للموقفِ ، والفكرةِ ، والتنفيذِ .
في هذا الوقتِ بالذاتِ فتحتْ الصحفُ الالكترونيةُ صدرَها للمجاهدين ، والمُصلِحين من أبناءِ هذا الوطنِ ، لكي يتعقَّبوا كلَّ ما كان الشعبُ يراهُ ضارًا بكيانِه ومُقدراتِه .
وقادتْ الصحفُ الالكترونيةُ الحملةَ ، وكتبتْ كتاباتٍ مِنْ نارٍ ، أحرقتْ الفاسِدين ، والعابثين والمُستهترين ، والخونةِ فلمْ تجامل ، ولم تُلاين أحدًا على حسابِ الوطنِ ، والمواطن .
ومما لا شكَّ فيهِ أننا جميعًا مطالبون اليومَ كأردنيين أكثرَ مِنْ أيِّ وقتٍ مضى ، بالإسهام بالرأيِّ في وضعِ الأسسِ الكفيلةِ بوضعِ وطنِنَا العزيزِ في المكانِ الذي نحبُه ونرجوه ، إزاء المتغيرات الجذريِّة التي شملت الكثيرَ مِن الدُّول .
إنَّ مِن حقِّ الفردِ في مُجْتمَعِنَا إبداءِ الرأيِّ ، والتعبيرِ عن مواقفِهِ ، وقناعاتِه الفكريِّةِ ، والسياسيِّةِ ، والدينيَة ، وهو حقّ عينيّ ماديّ محسوسٌ ، وليسَ حقًا غائبًا متجاوزًا ، ذلك أنَّ علاقةَ الفردَّ بالمجتمعِ ،علاقةً مباشرةً محسوسةً ، تفرضُ فيهِ المساهمةُ بالرأيِّ ، والنصيحةِ لكلِ الأفرادِ الآخرين حاكمين ومحكومين ، وهذا ما يعكسُ تلكَ النظرةِ الإيجابيِّة لهذا الفردِ داخلِ مجتمعِه.
إنَّ محاولةَ استبعادِ مفهومِ حريةِّ التعبيرِ، والحظرِ على كلِّ الوسائلِ المتاحةِ ، وأخصُّ الصحفَ الالكترونيةَ لتمريرِ الرأيِّ ، والموقفِ ، هي محاولة فاشلة ، ولنا في الذي حدثَ ويحدثُ في عالمنا العربيِّ عظةً وعبرةً ، نظرًا لتعددِ الوسائلِ المتاحةِ وسلاسةِ الاتصالِ بين أفرادِ المجتمعِ الواحدِ ، وبالتالي أصبحَ اليومَ بإمكانِ أيِّ فردٍ أينما كانَ في العالمِ أنْ يُبدِيَ رأيَهُ ، ويعلنَ موقفَهُ السياسيِّ والفكريِّ والدينيِّ ، في العديدِ من القضايا الوطنيةِ والعالميةِ .
إنَّ قولَ الحقِّ مبدأٌ من مبادئ الإصلاحِ ، والتقويمِ ، وركنٌ من أركانِ الهدايةِ ، والخلُقِ الكريمِ الذي يأبى الضيمَ ، ويرفضُ الذلَّ والتسيبَ .
فدينُنا وَفَّرَ لنا معانيَ الكرامةِ والحريَّةِ ،ِ وقد ربَّى أتبَاعَهُ على الجرأةِ ، والصراحة ، والشجاعة الأدبيةِ ، التي هي قولُ الحقِّ لوجهِ الحقِّ بلا خوف .
عنْ سيدِنا عُبادةَ بن الصامتِ – رضي اللهُ عنه قال : ( بايَعْنَا رسولَ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – على أنْ نقولَ الحقَّ أينما كنَّا ، لا نَخَافُ فِيْ اللهِ لَوْمَةَ لائمٍ ) .
وهنا يَطيبُ لِيَ أنْ أقفَ معكَ يا مولايَ المفدَّى وَقْفَةً قصيرةً ، ومن حقِّي أنْ أقفَ معك ، فأنتَ الإنسانُ وأنتَ ألآبُ ، وأنتَ الآخُ ، وأنتَ الصديقُ ، وأنتَ الراعي ، فقد حدَّثَنَا التاريخُ أنَّ امرأةً استوقفتْ سيدنَا عمرَ بنَ الخطابِ – رضي الله عنه – الذي كان الرسولُ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – يقولُ فيه : ( إنَّهُ ما لقَيهُ شيطانٌ قطُّ سالكًا فجًّا – أي طريقًا – إلا سلكَ فجًّا غيرَ فَجِّهِ ) وأطالت المرأةُ الحديثَ معه ، وكان مما قالتْ : ( لقد كنت من قبلُ عُميرًا ، ثم صِرتَ عمرَ ، ثمَّ أصبحتَ أميرَ المؤمنين فاتق اللهَ ، وانهجْ سبيلَ الحقِّ ) فبكى عُمَرُ – رضي الله عنْه – حتى اخضلَّتْ لحيتُه فقالَ رفيقه : كفى يا أمةَ اللهِ ، فقدْ أبكيتِ أميرَ المؤمنين ، فنهرَه عمرُ وقالَ : ( لا خيرَ فِيكُمْ إنْ لَمْ تَقُولُوها ولا خيرَ فينا إذا لمْ نَتَقَبَّلَهَا )
فأنتَ وحدكَ يا مولاي ، الذي تتلمسُ همومَ شعبِكَ ، وأنتَ الضَّامنُ لأصحابِ الآراءِ الحرةِ ، والوقوفِ بوجهِ الإرهابِ الفكريِّ الذي يرمي لإخافةِ الناس عن إبداء آرائهم بحرية .
دمتَ يا مولايَ عزاً وفخرًا ونصيرًا، تَحفُّكَ عِنَايةُ الرَّحمنِ ، والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه .

Montaser1956@hotmail.com



تعليقات القراء

ابو بركات
اوجزت فأبدعت ...لك كل الشكر...
03-01-2012 02:01 AM
هذلول
الكاتب الكريم

( لقدْ أضحى العالمُ كلُه قريةً صغيرةً، )

جراسا العزيزه على قلبي

ارجو النشر

حفاظا على حريه الرأي الاخر

لماذا لا تدعون بالهدايه و البركه و طول العمر لمن جعل لكم العالم قريه صغيره و قد افنيتم عمركم بالدعوة لاناس اخر لم يعملوا نصف ما انجزوا

مع عظيم مودتي و احترامي

ملاحظه

اذا قررتم التواصل و الاجابه

ارجوا التقيد بمضمون السؤال
03-01-2012 11:22 AM
هذلول
في تعليق2

( بالدعوة لاناس )

المقصود:(بالدعاء لاناس)

مع الشكر
04-01-2012 09:41 AM
هذلول
من اخلاق المصطفى(صلوات الله عليه) في الجاهليه انه وعد احدهم للقائه في مكان ما,و لما لم يأت ذلك الرجل,بقي الرسول (ص)3 أيام في انتظاره حتى تحلل من وعده
04-01-2012 11:26 AM
هذلول
اول كلمه نزلت من القران الكريم
هي كلمة"اقرأ"
04-01-2012 01:58 PM
عدي منتصر الزعبي-السعوديه
أرجو من الله العلي القدير أن تصل رسالتك الى قائد الأمه لأنه لا يرضى بالضيم وهو خير من نصف شعبه
04-01-2012 11:54 PM
انصف واعدل
لم لم تعط لابناءك ولزوجك حرية التعبير في البيت فكتمت انفاسهم وها انت تطلب لك وحدك حرية التعبير
07-01-2012 11:17 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات