فقدنا الثقة


قد تكون كلفة التغيير التي فرضتها موجات الربيع العربي باهظة الثمن، لدرجة ‏أن المجتمعات التي عايشت هذه التجربة لم تستطع استيعاب هول الخراب والقتل ‏والتدمير الذي نجم عن الحراكات الشعبية، واصطدامه بالرغبة الشديدة والمستميتة ‏من الحكام للبقاء بالسلطة، ولو كانت المعادلة فناء الثلث ليبقى الثلثان.‏
‏ فالنظرة السطحية للواقع تقول ماذا جنا الثوار والشعوب الثائرة على حكامها غير ‏خراب العمران وانعدام الأمن، فالفقر لم يرحل مع رحيل الحكام، والمشاكل لم تحل ‏بترك الحكام للسلطة، بل إن الذي يحدث من خراب وتدمير وقتل في بضعة أشهر لم ‏يحدث في عهد الحكام المغضوب عليهم شعبيا في سنين، فلماذا الثورات ولماذا ‏الاعتصامات والمطالبة بالمطالب التي يمكن حلها بالطرق التفاهمية، ومراعاة ‏المصالح للجميع حتى لا تحل مشكلة باختلاق أخرى.‏
‏ والصوت يعلو بضبط النفس، والمحافظة على الممتلكات العامة، واحترام حقوق ‏الآخرين، وعدم اغتيال الشخصيات وتوجيه التهم للناس جزافا، حتى أصبحت ‏الصورة الايجابية عن حماة الأوطان وبُناتها مشوهة وقاتمة، فالسلطة التي كانت ‏مطلقة في أيديهم قبل الربيع العربي استثمروها لخدمة البلاد والعباد، باذلين في ذلك ‏أقصى الجهود ولم تثنهم الصعاب عن تحمل مسؤولياتهم بكل اقتدار وأمانه.‏
‏ فهذه الصورة النرجسية التي رأوا أنفسهم عليها، كنا أيضا مرغمين أن نراها كما ‏رأوها، ولكن أتاهم الربيع العربي من حيث لم يحتسبوا، فذهبت الرهبة وكسر حاجز ‏الخوف واختُرق جدار المحذور، وما عادت الخطوط الحمراء سقفا للتعبير، فبدأت ‏تتكشف الحقائق المدفونة في الصدور، وبدأ المخفي بالظهور إلى العلن، والمصيبة أن ‏الأشخاص الذين كانوا يتقلدون أعلى المناصب بالدولة، تبين أنهم هم تجار وسماسرة ‏بيع الوطن مصدر ذل أهله وهوانهم.‏
‏ فلو لم يكن للربيع العربي غير كشف حقيقة كثير من مسئولي البلاد، وكشف ‏دسائسهم ومكائدهم بحق الشعوب لكان كافيا، فشعوب ترزح تحت الفقر ورؤساء ‏تتكدس في حساباتهم المصرفية المليارات، ومدراء مؤسسات أمنية برعوا بالتزوير ‏وإبرام الصفقات المشبوهة لحسابهم متاجرة بالأوطان والشعوب، ورؤساء وزارات ‏ووزراء وسفراء ونواب واعيان وكبار الموظفين برعوا بالتمثيل على الشعوب فمنوا ‏بواجبهم الرسمي عند تأديته على الشعب الذي كان يرضى بالقليل ولا يستطيع أن ‏يطالب بحقه الذي كان يسرق جهارا نهارا.‏
نعم الربيع العربي طريق للحرية ولكن يجب أن يُعلم بأن الربيع العربي سيكون مطية ‏لمن يمتطي فالدول الكبرى صاحبة المصالح ستزرع من يحافظ على مصالحها ‏والحكام المجتثون وأعوانهم سيزرعون من يسترهم والمتنفذون وأصحاب الأهواء ‏سيزرعون من يخدمهم والمواطن المسكين سيجد نفسه بعد حين انه خرج من الثورة ‏كما دخلها أول مرة.‏
ولكن بنظرة أكثر تفاؤلا بالربيع العربي تجد انه اسقط عروش الطغيان وهزم الفساد ‏وكشف الخونة وأدا إلى تغيير يجعل للشعب إرادة تحترم ويحسب لها حساب ومن ‏الطبيعي جدا أن فساد عقود سيحتاج زمن كافي لتستقيم الأمور وتصلح الأحوال ‏فالصبر عنصر مهم لكسب المعركة ولكن يجب أيضا أن يجاريه إصرار على ‏الإصلاح لا تفتر له همة ولا يتراجع له عن موقف.‏
‏ فعلى الشعوب تفويت الفرص على المتحينين لها، بعقلانية قراراتهم، وتدبير ‏شؤونهم بموضوعية وانسجام، وتقديم الصالح العام على المصالح الفئوية والشخصية.‏
‏ أما تجار الأوطان ومن يدور في فلكهم، من الفاسدين الذين لم تكشف أوراقهم ‏بعد، فعليكم التخلي عن زرع الفتن في صفوف الشعب، والتحريض على التخريب ‏والتدمير لإفساد المجتمع، فكفاية أننا لم تبقى لنا أية ثقة بكل من تقلد مهمة رسمية ‏كبيرة في البلد، فأفضل من نظن به خيرا منكم، نكتشف انه اكتسب أو أكسب غيرة ‏مصلحة ما على حساب وطنه وشعبه عندما كان على رأس عمله فحتما أن يد العدالة ‏ستصل إليكم وما كان اليوم تشهير سيكون غدا إثبات لجرم بالدليل. ‏
‏ ‏

kayedrkibat@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات