الملكية الدستورية و الاصلاح في الاردن


لقد بدأت مسيرة الدولة الاردنية منذ الثورة العربية الكبرى فكانت امارة شرقي الاردن ثم المملكة الاردنية الهاشمية ، ثم كتابة الدستور الاردني عام 1952 في زمن الملك طلال ، فكان الدستور عقدا يجمع اركان الدولة ؛ الشعب و الملك و الحكومة و البرلمان و القضاء . لكن الذي حدث بعد ذلك من تغيير لفقرات الدستور و من تفريغه من مضمونه الذي كتب لأجله بواسطة مجالس برلمان غير منتخبة و من قوانين مؤقتة جعل السلطات تتداخل و تتماهى و تتضارب فيما بينها فلا سيطرة على مقدرات الوطن و لا محاسبة للفاسدين و كلٌ يعمل من وحي عقله لا يردعه رادع و لا يخاف من الحساب .ـ
كان الامل كبيرا في عام 1989 عندما رفعت حالة الطوارىء و اتجهنا نحو الديمقراطية ، لكن هذا الامل تبخر بفعل السلطة التنفيذية المطلقة التي استحدثت تعديلات على قانون الانتخاب لينتج مجالس نواب هزيلة لا تقوى على شيء . وعاث الفاسدون بأموال الاردنيين فنهبوا و سرقواو باعوا و لم يتركوا ركنا من بلدنا الغالي الا ووضعوا لهم فيه بصمة فمن بيع شركات الاسمنت و البوتاس و الفوسفات باسعار زهيدة الى بيع الميناء الوحيد وبيع اراضي الدولة ثم بيع شركات الاتصالات و الكهرباء و المياه ثم فضائح مالية في شركة موارد بكل مشاريعها الضخمة و سرقة اموال الديسي و فساد في الضمان الاجتماعي و سكن كريم و مصفاة البترول و تهريب خالد شاهين من السجن ، كل هذه القضايا الضخمة و غيرها الكثير لم تجد من يقاومها او من يوقفها او من يحاسب المسؤولين عنها . ـ
ولا يقف الموضوع على الاقتصاد فقط بل ايضا انتشار الواسطة و المحسوبية و المشاكل بين العشائر الكبيرة و غياب وعي الشباب الذين راحوا يحطمون مباني جامعاتهم وبمباركة الاجهزة الامنية دون ان يحاسبوا على ذلك . و انخفاض في مستوى الانتاجية و غياب روح المواطنة و كثرة حالات الانتحار و الضيق الاقتصادي و المالي على المواطن وزيادة الجريمة و انخفاض مستوى التعليم وزيادة حالات الاعتداءات على الاطباء و الممرضين و غير ذلك الكثير الكثير .ـ
و لعل المواطن يتسائل لماذا لا يتم الاصلاح بالرغم ان الجميع يطالب به من سنوات طويلة ؟؟ لماذا لا يحاسب الفاسدون ؟؟لماذا ؟ لماذا ؟؟ و الجواب على ذلك : ان نظام الحكم في الاردن فعليا هو الملكية المطلقة حيث يختبيء المسؤولون خلف عباءة الملك في كل قضية ، بل انهم قالوها بكل صراحة " انهم تأتيهم الاوامر من فوق " ، في المقابل رأينا ان الملك قد ابعد نفسه عن هذه التهمة فيصدر اوامره بأن كل واحد يتحمل مسؤوليته ، لكن لا احد يستجيب و لا احد يوقف الفساد ، ومجلس االنواب غير قادر على فعل شيء لأنه مسلوب الارادة فهو جاء بفعل الصوت الواحد حيث انه يمثل اقل من 15 بالمئة من الاردنيين . كما ان تدخل الاجهزة الامنية و منها المخابرات بالحكومة جعل الحكومات ـ فوق الفساد الذي يأكل بها ـ جعلها ضعيفة لا تقوى على اي قرار . كما ان القضاء الاردني اعتراه الكثير من الفساد و قد تكلم الملك عن الاصلاح به لكن لم يلمس الاردنيون شيئا كثيرا من ذلك . فضاع الاردنيون بين السلطات حيث الحكومة فاسدة و النواب ضعيفون و القضاء فيه فساد . و الجميع يختيء خلف الملك . و لم يحاسب اي فاسد على فساده حتى ان مدير المخابرات الاسبق سميح البطيخي الذي كان سببا في سحب اموال ضخمة من البنوك الاردنية لم يحاسب بأكثرمن اربع سنوات سجن و لم يسجن بشكل فعلي . ـ
كما ان الكلام عن تدخل بعض أفراد العائلة المالكة بشؤون الحكم اثار الكثير من الاردنيين سيما و ان الدستور الاردني لا يخول لغير الملك وولي العهد من العائلة المالكة التدخل في ادارة البلاد .ـ
ان وضع جميع السلطات بيد الملك ثم تخويل هذه السلطات للآخرين يجعل لهم غطاء شرعيا بأن ينهبوا كما يشاؤون ، وهم محميون كل الحماية حيث يتمتعون بصلاحيات مطلقة ناتجة عن صلاحيات الملك المطلقة ، لا احد يحاسبهم و لا احد يقدمهم للمحاكمة فهم محصنون من الناحية الفعلية ، لينتج عن ذلك طبقة من المسؤولين الفاسدين الذين احكموا سيطرتهم على مقابض الدولة الاردنية ، قبضة فساد قوية جعلت من الاردن مرتعا لهم و مرعا خصبا لا ينضب من الخيرات لهم و لابنائهم . فلا الملك قادر عليهم و لا الشعب قادر على محاسبتهم لأنهم يختبؤون خلف الملك تارة و خلف الوطنية احيانا . ـ
ان السلطات التي يمكن ان تحاسبهم موجودة بيد الملك ، و الملك كفرد لا يستطيع ضمن الدولة الحديثة ان يحاسبهم . ففي هذا القرن نرى الانفتاح الاقتصادي و الاجتماعي و المعلوماتي ووسائل الاعلام و الاتصالات التي تجعل من المستحيل سيطرة فرد او حتى جهة واحدة على كل مفاصل الدولة . و الملك حينما يكون ملكا مطلقا فانه يتعرض لضغوط خارجية و داخلية كونه يمسك بكل السلطات . كما ان الملك لا يمكن محاسبته بحسب الدستور الاردني باي وسيلة من القوانين ، و هذا ينطبق على الحكومة ايضا حيث لا احد يحاسبها بالرغم من وجود قوانين تنظم محاسبتها الا أنها تستمد قوتها من تعيين الملك لها و رضى الملك بها .ـ
اذا ما الحل ؟؟؟؟

لابد من توزيع السلطات ومن وضع المسؤولين اما مسؤولياتهم فالجميع تحت المسؤولية و تحت القانون ، و المخطيء يجب ان يحاسب ، و لأن الملك في الاردن له مكانة و احترام عند كل الاردنيين فلا يليق ان نطلب منه ان نحاسبه على كل صغيرة و كبيرة . بل نطلب ان نحاسب رئيس الحكومة و وزرائه على اخطائهم ، فكيف يحاسب الشعب حكومة لم ينتخبها او على الاقل لم تأتي ضمن عملية ديمقراطية صحيحة سواء بانتخابها من الشعب مباشرة او بتكوينها من كتل برلمانية من برلمان يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا كما يبعدها عن التدخل الامني و تلقي الاوامر من الاجهزة الامنية او من حكومة الظل فتكون بذلك حكومة حقيقية لا حكومة صورية . فالحل يكمن في فصل السلطات الثلاثة التنفيذية و التشريعية و القضائية عن بعضها البعض و ان يكون الملك هو رأس الدولة التي تحوي هذه السلطات و الموجه لها و الراعي لمسيرتها . و يجب على هذه السلطات ان تتحمل كامل مسؤوليتها و ان تقبل بالمحاسبة من الشعب و ان تحاكم عند وقوعها بالخطأ . بهذا الشكل تكون الملكية في الاردن دستورية و ليس مطلقة . فالملكية الدستورية هي نظام ملكي يفصل بين السلطات يكون فيه الملك رأسا للدولة راعيا و ساهرا على مسيرة البلاد . ـ
هذا يعني ان الملكية الدستورية هي الحل لجميع مشاكلنا و هي ضمان بأن المسيرة ستستمر و ان مكانة الملك ستحفظ و يكون لها كل الاحترام و الطاعة ، و يصبح للشعب سلطة قادرة على مراقبة و محاسبة من يحكمه . و بالتالي يكون الاردن قادرا على الخروج من ازماته التي عصفت به و قادرا على امكانية توفير فرص العمل و انقاذ الاقتصاد من الانهيار و انقاذ المجتمع من المشاكل الاجتماعية التي تعصف به . ـ
و للذين يتسائلون : بأن الشعب الاردني غير جاهز للملكية الدستورية لأن الاحزاب غير مؤهلة لقيادة البلاد و كذلك انه غير جاهز لأن المجتمع الاردني عشائري ، نقول : اولا ان هذا القول يؤكد ان الملكية الدستورية مطلوبة ايضا عندهم و لكن ما يمنع ذلك عندهم هو الخوف على العشائرية او الخوف منها و كذلك عدم وجود احزاب . ثانيا : اننا لو انتظرنا حتى تتشكل احزاب قوية فلن نحصل عليها ابدا ذلك ان عدم وجود حياة ديمقراطية و نفوذ الفاسدين و القبضة الامنية سيمنع قيام احزاب قوية و الحل هو في الملكية الدستورية حيث ستحقق الديمقراطية و تضعف الفاسدين و تنهي القبضة الامنية على المجتمع المدني وبالتالي سيكون متاحا للجميع الدخول للاحزاب دون خوف . اما بالنسبة للعشائرية فالمجتمع الاردني ليس متمسكا بالعشائرية بشكل كامل ذلك ان التطور الذي حصل للمجتمع خلال العقود الاخيرة لم يبقي الاردني متمسكا بالعشيرة او بشيخ العشيرة كما كان في الماضي او كما في الدول الاخرى مثل العراق و اليمن مثلا ، اذا تفكير الاردني ليس عشائريا بشكل مطلق . و هنا يحضرني مقولة المدافعين عن الاحتفاظ بالعشائرية في الاردن بأن العشيرة هي داعم للوطن و ليس متعارضا معه و اعتقد ان قولهم صحيح الى حد ما و بالتالي نقول ايضا ان العشائرية هي داعمة للملكية الدستورية مثلما هي داعمة للوطن او للملكية المطلقة و ان قالوا بان هناك تعارضا بين العشائرية و الحزبية فنقول على الدنيا السلام اذا لن تقوم عندنا احزاب ابدا ، وهذا غير صحيح ، فلا يوجد تعارض بين العشائرية و الحزبية بشكل كامل بل من الممكن ان تدعم العشائرية الحزبية بشكل ايجابي ، فما الفرق بين اردني منتمي لعشيرة معينة و في نفس الوقت ينتمي الى حزب معين و اردني آخر ينتمي الى نادي رياضي او اتحاد ما و في نفس الوقت ينتمي الى حزب ما ، اعتقد انه لا يوجد فرق . فهناك اولويات فالوطن له اولوية على الحزب و على العشيرة . كما ان الاردني عندما يصوت في الانتخابات لحزب معين فهذا لا يعني انه غير منتمي لعشيرته ، فالعشيرة لها ادوار اخرى مثل الحفاظ على النسيج الاجتماعي و التعاون و الدفاع عن الوطن و غير ذلك الكثير .ـ
و للذين يقولون دعونا نؤجل الاصلاحات الى ما بعد حل القضية الفلسطينية او دسترة فك الارتباط . نقول لهم ان الذي يقول هذا الكلام فهو لا يريد الاصلاح . فهو يضع العصي في الدواليب ، حيث ان حل القضية الفلسطينية لا يبدوا قريبا من الناحية المنطقية . كما ان دسترة فك الارتباط لا يخدم القضية الفلسطينية و المواطنة على الارض الاردنية . و بالتالي ان يطلب تاجيل الاصلاح و تطبيق الديمقراطية حتى تحل هذه الاشكاليات تبدو انها تعجيزية و مقصود منها التهرب و عدم تطبيق الاصلاح . فالذي يريد تأجيل الاصلاح انما يريد استمرار الفساد لأنه مستفيد منه سواء ماديا او معنويا . و الاولى بالذين يقولون هذا الكلام هو ان يبحثوا عن طريقة لحل هذه الاشكالية و ليس الاستمرار بالفساد .ـ
أما الذين يقولون ان التغيير سيقود الى الى الوطن البديل . فنقول لهم بل ان الاصلاح هو الذي سينقذ البلد من الوطن البديل ، فالاجراءات الحكومية المتتابعة منذ النكبة لا توضح ان الحكومات جادة فعلا بمقاومة الوطن البديل . فالمانع من الوطن البديل هو رفض الشعب الفلسطيني اي محاولة لتضييع حقوقه في فلسطين بينما الاجراءات الحكومية و اتفاقية وادي عربة تقودان حتما الى الوطن البديل من ناحية التخلي عن حق اللاجئين في العودة . بل ان اتفاقية وادي عربة تشير الى توطين الشعب الفلسطيني في الاردن و هذا ما رفضه الفلسطينيون و الاردنيون . ففكرة الوطن البديل هي احدى الشماعات التي تضعها الحكومات حتى تتخلص من الاصلاح و التغيير . و الشعب الفلسطيني اثبت انه لا يرغب بغير فلسطين لاقامة دولته . و هو لا يطلب ان يتسلم سلطة او ارضا خارج ارضه . و يمكن ان تسن القوانين و الاجراءات في الانتخابات و التصويت بحيث تراعي هذه الاشكالية بشكل يضمن للجميع حقوقهم و لا يغالب طرف على الآخر و يضمن حقوق الشعب الفلسطيني بحق العودة الى ارضه . و الاردنيون من اصل فلسطيني لم يعارضوا فكرة حصولهم على عدد مقاعد اقل في الانتخابات في الدولة الاردنية و ذلك لتفهمهم للواقع السياسي و الديموغرافي على الارض الاردنية . لهذا لا يوجد مبرر لعدم المضي بالاصلاح لهذا السبب . و هذه النقطة استغلتها الحكومات المتعاقبة و الفاسدون و اصحاب المصالح و النفوذ في السيطرة على الحالة السياسية و الاقتصادية في الاردن من اجل المصالح الخاصة و حرموا الشعب الاردني من الديمقراطية و الحرية و عاثوا فسادا و افسادا في البلاد . ـ
اما الذين يستشيطون غضبا عندما يسمعون بالملكية الدستورية و يقولون لا للحد من صلاحيات الملك ، نقول لهم بل ان الملكية الدستورية هي التي تحفظ مكانة الملك و تجعله بعيدا عن اولئك الفاسدين الذين يختبئون خلفه ، فهي تحفظ هيبة العرش و مكانته عند الشعب ، كما ان الاردنيين بمحبتهم للهاشميين متمسكون بكل كلام يقوله الملك . و الملك هو رأس الدولة اي انه لا يوجد حد من صلاحياته بالمفهوم الذي يعنونه بل هذا هو الوضع الطبيعي لصلاحيات الملك في النظم الديمقراطية ، هذا يجعله يتفرغ للعلاقات الدولية و لمساعدة الاردن على الخروج من الازمات الاقتصادية كما انه يتابع و يراقب سير العمل بين السلطات في الدولة مما يجعل النظام قويا ويمكّن الاردن من تخطي العقبات و الازمات . ـ
حمى الله الاردن ملكا و ارضا و شعبا
Abdullah Allawama
abdullah_allawama@hotmail.com



تعليقات القراء

متابعه
كلام منطقي ومقنع لكل من يريد لهذا البلد خيرا وازدهارا
12-12-2011 10:19 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات