ميليشيا تتشكل .. تديرها حكومات ظل وأمراء حرب!!


ميليشيا مشتقة من كلمة "militia" باللاتينية والتي تعني حسب المعاجم خدمة عسكرية , حملة , حرب , وتتكون من رجال ونساء هدفها مناصرة الدولة في حال وقوع حرب أو أزمة ، وعندما يهزم جيش نظامي تنظم عصابات مسلحة ضمن ميليشيات لمحاربة الغزاة ، وهي تقوم مكان الجيش أو تحل بمحله في حالات الطوارئ أو محاولة استقلال إقليم ما عن الدولة .
وتتدخل الميلشيات في الأزمات الداخلية لترجيح كفة احد الطرفين و الاستقواء على الخصوم السياسية والمعارضة . من غير أن يكون لها مبدأ أو فكر.
تختلف عن المرتزقة ولكنها تتشابه معها في أن أهداف الميليشيا مادية بحتة فالأزمات والحروب عندها وسيلة للعيش والكسب ، فهي تكره السلم وتسعى دائما للدخول في المناطق المشتعلة لتمويل مواردها المادية .
لذا فهي تلعب دورا في إفشال أي مشروع وطني لأنها غالبا ما تكون عرضة للمساومات السياسية وتنفيذ أجندات ومصالح خارجية.

"تصنيف الميليشيات "

مجاميع ،فتوة ،شقاوات ،مطاريد وجرادين مسميات في عصور خلت , وبعد الحروب والأزمات الحديثة تناولت الموسوعات العلمية ووسائل الإعلام والانترنت تصنيفات متعددة ، مليشيات حكومية وغير حكومية و تنظيم فرق الموت ومغاوير الداخلية والقوات الخاصة والدرك والأمن المركزي والأمن الوقائي منها معلن وآخر سري ، مليشيات مزدوجة تعمل في الاتجاهين ، وهذه جميعها مليشيات سلبية منها الزعران والبلطجية والشبيحة مسميات رافقت الربيع العربي، أما المليشيات الايجابية فهي المليشيات القانونية التي تعمل في النطاق الوطني المقاوم للمحتل تنتهي وتنحل بانتهاء الاحتلال .

"حالة الأردن – حكومات الظل"

من المعروف أن حكومة الظل هي حكومة غير رسمية وتتشكل من مجموعة من المعارضين تناظر في العدد والتشكيل الحكومة الأصلية، وتكون متواجدة بالدول الديمقراطية وتتمثل بالحزب المعارض، وحكومة الظل يكون لها انتقادات موضوعية ومنطقية، تطالب وترشد الحكومة الرسمية بالعمل بها وإلا كان لها الحق بتشكيل الحكومة خلفا لها.
في الأردن حكومات الظل هي صانع القرار الحقيقي و تدير البلاد بشكل موازي وبديل للحكومة الفعلية التي تعتبر هي ظل لحكومة الظل ، ولأن المعارضة لا تحكم وبحسب الكثير من النقاد والمحللين للشأن الأردني فإن حكومات الظل هي الدوائر الأمنية والديوان الملكي والقصر والجهات الثلاث هي التي تعين الحكومة والأعيان وباقي موظفي الموقع المهمة ،وأصبحت المعادلة مقلوبة كون أن الحكومة هي صاحبة الولاية وتأتي صلاحيات رئيسها بعد الملك دستوريا فقد جرد من هذه الصلاحيات فعليا ،وتخدم الجهات الثلاث الطبقة البرجوازية والنيوليبراليه وتتحد معها،
حكومات الظل أفرغت الدولة من مضمونها بعد أن حولتها إلى دولة أمنيه.

"مليشيا تتشكل :"

هناك سؤال إجابته تفتح المجال على التعرف على ما يجري من تجييش واستقطاب وتأسيس ميليشيا في دولة ذات سيادة ومؤسسات قانونية فمن يمول ويدير البلطجة وهل هناك مليشيا تتشكل ؟!!
تصريح الأمير حسن بن طلال لمحطة رؤيا الفضائية بأن حافلات البلطجة من الجنوب إلى عمان جاءت بكبسة زر ، وأن ما حدث على دوار الداخلية أمر محزن ومخزي.. وللتعليق على ذلك فإن الحافلات وركابها يلزمها دعم مادي كما أن كبسة الزر تعني امتثال مجموعة لأوامر شخص قيادي متنفذ .

ونورد أيضاً تصريح زكي بني رشيد رئيس الدائرة السياسية لجبهة العمل الإسلامي الذي أفاد بأن
" هناك أموالاً أنفقت نحو إنشاء جناح إرهابي للحكومة الأردنية وهو ما يسمى " البلطجة " هذا الجناح هو عبارة عن مليشيا جديدة يمكن ان تؤثر على مستقبل البنية والكيان السياسي الأردني وهي فكرة رهيبة وخطيرة ... لا يوجد عاقل يدير دولة بمثل هذه الأدوات قوى الفساد صنعت معركة تدار بمليشيات داخل المجتمع الأردني "



كما نورد تصريح وزير الإعلام السابق المستقيل طاهر العدوان " بأن قوة ونفوذ الفساد المتمثلة في قوى الشد العكسي وأنصار الفساد والمفسدين والمضللين لهم الصوت العالي والقدرة على إجهاض كل إرادة وطنية مخلصة وصادقة وهو ما احذر منه ، وان وقوع أخطاء من وسائل الإعلام مهما بلغت لا يقدم الشرعية لأي كان أن يستخدم العنف ضد صحفييها ومكاتبها بمزاعم الولاء للوطن "
وهذه إشارة إلى الاعتداءات على الصحفيين والمسيرات السلمية من قبل بلطجية النظام ومليشياته وتدار من قبل حكومات ظل تمولها مؤسسات ودوائر رسمية .


"الإقطاع السياسي :"

يرتبط الإقطاع السياسي العائلي الحديث بامتلاك الأرض وما عليها وبنفوذ مطلق مقابل إضفاء الشرعية على نظام الحكم ومده بأسباب البقاء . ففي الوقت الذي تخلص الغرب من الإقطاع بكل صوره نراه قد تجذر في الوطن العربي وبأبشع صوره مع ادعاء الأنظمة العربية بأنها تطبق ديمقراطية الغرب وترعى حقوق الإنسان فما هي ديمقراطية العرب التي يدعون ؟!!
وهل ديمقراطية الشرق تختلف عن ديمقراطية الغرب، في الغرب اختفى الإقطاع منذ عصر النهضة الأوروبية وظهرت أنماط فكرية وفلسفية قادها مفكرون أمثال فولتير وروسو ومونتسكيو الذي أعلن " انه لا يجوز قتل احد إلا بالقانون ولا يجوز استيلاء احد على أملاك أحد إلا بقانون ولا يجوز سن قانون إلا بحضور ممثلي الشعب " وهذه الأنماط أطلقوا عليها الديمقراطية و أبطلوا مقولة ملك انجلترا "الفريد" الشهيرة في القرن التاسع عشر "لقد خلق الله البشر على شكل مثلث ضلع يحكم وضلع يصلي وضلع يخدم الضلعين" أما في الشرق واعني عند العرب فإن مثلث الفريد لازال يحكم ، ضلعان وثلاث أرباع الضلع تخدم ربع الضلع المتبقي والذي لا تتجاوز نسبته 8% ويستحوذ على 85% من ثروات وموارد البلاد التي حولوها إلى ثروات خاصة وتحتمي هذه القلة بسطوة الدولة الأمنية والعسكرية وبقوة القانون الذي فُصّل لهذه الغاية لتتحصل على المناعة القانونية التي تحمي هذه الثروة والنفوذ العائلي وإضفاء الشرعية على التزاوج الحاصل مع السلطة لاستمرار الاستحواذ على الثروة والتوريث السياسي وتحصينه ليستمر على مدى أجيال قادمة وتستعين هذه القلة على ما يشبه المليشيات لتخويف المعارضين وترويع الشعب وإخماد صوته ، في المقابل تعمل على برامج انتخابات بلدية وأخرى برلمانية وتنتج صورة ديمقراطية تخفي خلفها صوراً قاتمة من الاستبداد والظلم كما تعطي مصوّغاً شرعياً وقانونياً للدولة كمضمون وللنظام كإطار و هذه الظاهرة سائدة في الأردن وعموم الدول العربية، وجاء الربيع العربي ليقلب هذه المعادلة ويضرب يميناً وشمالاً فمن هذه الدول من تتلكأ في الإصلاح كما هو حال الأردن وبقية ممالك العرب وبين دول جمهورية أسقطت أنظمتها والأخرى على وشك السقوط وقد حول الزعماء العرب هذه الثورات من سلمية إلى ثورات دموية متشبثين بعروشهم حتى آخر لحظة قال تعالى " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب اليم"
(42)الشورى.

يتفق الأردنيين على أن الحكم الهاشمي الذي ارتضوه يجب أن يكون محايداً سياسياً واجتماعياً كما هو معلن وهذا المبدأ تقوم عليه الخيارات الإستراتيجية والإيديولوجية وفلسفة الحكم في بناء الدولة المتماسكة, لكن التداعيات التي رافقت هبة نيسان عام 89 والتي أدت إلى إلغاء الأحكام العرفية وعودة الإنتخابات البرلمانية لكن مطالب الهبة السياسية قد تم إجهاضها, كما أن التداعيات التي أعقبت معاهدة السلام عام 1994 أفرزت حاشية حراس الوادي من محافظين وليبراليين الذين عمدوا إلى تفكيك القوى الاجتماعية لصالحهم وسيطرتهم على مفاصل الدولة وتفكيكها .

نظام الحكم في الأردن ملكي وراثي للأسرة الهاشمية وهناك أسر ترث الحكومة والوزارة منذ تأسيس الدولة وكأنها من الأسرة الحاكمة وحسب المؤرخ و الكاتب السياسي زياد أبو غنمية فإنه وبالرجوع إلى تشكيل الحكومات الأردنية منذ تأسيس الدولة تداول على المنصب الوزاري بين آباء وأبناء شغلوا منصب رئيس حكومة ووزراء وقد تناوب 36 أبا بينما بلغ عدد الأبناء الذين شغلوا المنصب الوزاري كرؤساء حكومة أو كوزراء 40 ابناً أو بنتاً وتناوب 62 شقيقا على المنصب الوزاري وتناوب 11 خالاً مع 11 من أبناء شقيقاتهم المنصب الوزاري وتناوب ما يقرب من هذا العدد من الأعمام وأبناء أشقائهم والأصهار والانسباء والأجداد والأحفاد والعدايل على المنصب الوزاري كما تناوب زوجان وزوجتان على المنصب الوزاري.


ومن هذه التناقضات ولد الحراك الشعبي مطالبا بإعادة تعريف للروابط السياسية التقليدية وتغيير النظم التي جعلت المتنفذين يسيطرون على ثروات ومفاصل الدولة والعمل على الإطاحة بالطبقة النيوليبرالية والبرجوازية والإقطاع والتوريث السياسي العائلي التي تعمل على إفشال أي تغيير يصيب مصالحهم واعتمدوا على تأسيس خلايا من البلطجة والزعران وتؤسس لمليشيا تعمد على توريط النظام بقمع حركات المجتمع المطالبة بالإصلاح والتشكيك في العلاقة الدستورية بين الطرفين، لقد جعلت من الأردن بلداً يعيش مرحلة استقطاب يمر العمل السياسي من خلالها بمليشيات تعمل لصالح قوى الشد العكسي مع التخلي عن الأحزاب والقوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني .

وزير الإعلام الأردني الحالي راكان المجالي أدان البلطجة التي ظهرت في ساكب وسلحوب وعلى دوار الداخلية وتعهد بحماية الصحفيين .
مليشيات البلطجة تضرب بقوة في كل مكان ولا يكاد يسلم اعتصام أو مسيرة أو مقر إلا وتعرض للاعتداء نورد منها تحطيم مكتب الصحافة الفرنسية وتهديد مديرتها بالقتل ، و احتجاز دولة احمد عبيدات على طريق القطرانة ومنعه من الوصول لإلقاء محاضرة في معان ، و الاعتداء على مكتبي الجزيرة والعربية والصحفيين بهما ، و اعتداء على المصليين في قرية قميم في اربد وكما في سحاب والطفيلة والكرك وغيرها وأهم هذه الاعتداءات هو ما قامت به مليشيا البلطجة من اعتداء على مقر صحيفة الغد واحتجاز موظفيها لعدة ساعات ومحاولتهم منع توزيع الجريدة وإجبار محررها على شطب خبر يتعلق بهروب الباخرة " سور " من مرساها في خليج العقبة وعلى متنها 18 ألف طن من الذرة الفاسدة ،هذه الميلشيا تأتمر بأوامر احد المتنفذين وتعد هذه ظاهرة مقلقة اذ يمكن تعميمها على كل متنفذ يجند بلطجة ومليشيا خاصة به وكأننا نعود بالدولة للوراء لتصبح دولة فاشلة يقودها أمراء حرب من نوع آخر، إذ ليس بالضرورة قيام قتال ولكن السيطرة على الموارد الاقتصادية ومشاريع البنى التحية والسيطرة على المستوردات الغذائية والصحية وكثيرا ما دارت الشكوك حول صلاحيتها .

يحدث كل هذا الذي ذكر في ظل تسامح رسمي مع البلاطجة ومليشيا الفساد وأمراؤها بينما نرى غِلظة من الدولة فيما يخص الأحكام الصادرة بحق التيار السلفي وأعضاءه وكما في قوانين الصحافة ومكافحة الفساد الصادرة مؤخرا التي تحصن الفاسدين وتعرض من يتطرق لهم بأقسى العقوبات ، ما أحوج الدولة أن تستعيد توازنها وتحترم دستورها وقوانينها وتسترجع ولايتها العامة من حكومات الظل وأن لا يكون احد فوق القانون أياً كان، ولا يكون ذلك إلا بتداول للسلطة من خلال حكومات منتخبة تحاسب على أدائها .

Dr.roud@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات