يوم السّعادة العالميّ ووزارة التربية والتعليم


بقلم: الدكتور عماد زاهي نعامنة
ما من شكٍّ في أنّ السعادة قيمة إنسانيّة عالميّة؛ لذا اعتمدت هيئة الأمم المتحدّة العشرين من آذار من كلّ عام يومًا عالميًّا للسعادة، للفت أنظار العالم وتوجيههم نحو أهميّة السعادة في تعزيز الإنتاج وتعظيم الإبداع ورفْد النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.
ويُعدّ نشدان السعادة مطلبًا أساسًا منذ الأزل، تهفو إليه كلّ نفس إنسانيّة سليمة الفطرة، ومن المحتوم أنّ السعادة نوعًا - وربّما كمًّا- ليست بمتكافئة أو مطلقة لدى بني البشر مستوياتٍ وأشكالًا وأطوارًا ودوافعَ، بَيْدَ أنّهم متساوون جميعًا في مطلبها، فهو هدف إنسانيّ.
وترنو الدول إلى تحقيق السعادة الغامرة في مجتمعاتها ، بدعم حقوق الإنسان وتمكين الفرد بوسائل الرفاه والرفاء والتكافل الاجتماعيّ والقضاء على الفقر والبطالة، وتقديم سُبل العيش الكريم، وتهيئة الخدمات الحياتية المطلوبة بأيسر الطرائق وأوفرها.
وإيمانًا من وزارة التربية والتعليم بأهميّة تعميق أسباب السعادة في النظام التربويّ، واستدامة نهج المدارس السّعيدة في رفع إنتاجيّة العاملين والارتقاء بكفايات الطلبة وصقل شخصيّاتهم من الجوانب كافّة الأكاديميّة والانفعاليّة والاجتماعيّة؛ في ممارساتها ومبادراتها جميعها، وأنشطتها التربويّة والحيويّة (الحياتيّة) قاطبةً- فقد وقد أولتْ وزارة التربية والتعليم بتوجيهات من لدن معالي الوزير الأستاذ الدكتور عزمي محافظة وعطوفة الأمين العامّ للشؤون التعليميّة الدكتور نواف العجارمة الأكْرَمَيْن – تكريس مفهوم السعادة عنايةً بالغة واقعًا ملموسًا في مكوّنات المنظومة التعليميّة ومجالاتها؛ وبثّ روح الإيجابيّة واستنهاض نوازع السعادة وبوعثها، انطلاقًا أنّ اللهّ تعالى أودعها في النفس البشريّة من خلق هذه البسيطة.
وإذا رُحنا نتلمّس مظاهر السعادة وأسبابها في وزارتنا الحبيبة نجدها منغمسةً في الجسم التربويّ بكلّ مفاصله؛ من ذلك حرص الوزارة على ترسيخ مبدأ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وتعظيم النجاحات والأداء المتميّز، والاحتفاء بالممارسات المثلى، والإعلاء من شأن ذوي الخبرات، واستدرار الطاقات الكامنة، وتحفيز ذوي الأداء المنخفض والمتوسّط وتقدير إمكاناتهم وقدراتهم دون الغضّ منها أو التقليل من شأنها؛ فالبشر متفاوتون في قدراتهم مختلفون في فروقاته الفرديّة، ما يستدعي الإيمان المطلق بقدرات العاملين والطلبة على حدّ سواء، وتحويل التحدّيات إلى قصص نجاح وفرص تميُّز، دون تحيّز أو تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدّين أو غير ذلك؛ وكل هذا مدعاة لتقدير الذات واحترام الكفايات، ما يجلب للنفس الانشراح والارتياح، ومن ثمّ الانطلاق بروح مشرئبّة للعمل والانتاج بشغف.
ومنها أيضًا ما تنتهجه الوزارة من استراتيجيّات فاعلة لبناء قدرات العاملين، بهدف رفع كفايات المشرفين التربويين والمعلمين؛ لتمكينهم من طرائق حديثة في التدريس تستند إلى بثّ البهجة في النفس وشعور المتعلّم بالارتياح في أثناء التعليم والتعلّم، كالتعلّم باللّعب، ومسرحة المناهج (الدراما في التعليم)، والنّمذجة، ومَوْسقة الأناشيد والنصوص الأدبيّة، ومجتمعات التعلّم، والرحلات المعرفيّة الرّقميّة، ومحاكاة الواقع الافتراضيّ المعزّز، والممارسات المهاريّة، والتعلّم بالمشروعات، وتنفيذ المواقف الصفّ المهاريّة والنشاطات الفرديّة والجماعيّة والأنشطة المدرسيّة المتنوّعة، وتفعيل المبادرات التي تعزّز حس الانتماء والمسؤوليّة لدى المتعلّم والشعور بالمسؤوليّة، مثل مبادرة مدرستي، وبيئتي الأجمل، ولمدرستي أنتمي، وحقّق، وغيرها.
ومنها أيضًا – أي أسباب السعادة - التحديث والتطوير في المنحى الإداريّ باتّباع طرائق قويمة في إدارة شؤون المؤسّسات التعليميّة، كالإدارة بالحبّ والمرح التي تقوم على مبدأ أنّ الإنسان بالحبّ والمرح يحيا وبالسعادة يتولّد الإبداع والتميُّز، ناهيك عن تفويض الصلاحيّات وانفتاح المؤسسات التربويّة على المجتمع المحليّ وبناء شركات حقيقيّة مع مؤسّسات الدولة جميعها بكلّ شفافيّة ومحبّة من مبدأ اللامركزيّة ومن منظور سياسة الأبواب المفتوحة، فكلّ ذلك وغيره من شأنه أنْ يجلب بواعث السعادة ويطلق نوازع الحيويّة والشعور بالتذويت وتقدير الذات، وتذويب الأنا العليا المسيطرة، ونشر الفضائل وقيم الحق والخير والجمال والمُثل العليا؛ ما يكفل استدامة الطاقة الإيجابيّة الداعمة للسعادة ومراتبها.
ومنها أيضًا ما ينتظم الوزارة من سياسات تربويّة من شأنها تهيئة البيئة التعليمية الجاذبة والمحفزة وتعزيزها بمصادر التعلّم التي تلبّي ميول الطلبة ورغباتهم وتستجيب لحاجاتهم وتحقيق ذات كلّ منهم في الوصول إلى التعلّم الذي يريده هو. كما تعكف وزارة التربية والتعليم على تطبيق استراتيجيّة الدعم النفس – اجتماعيّ منذ جائحة كورونا، لِما لذلك من أثر كبير في دعم تعلّم الطلبة.
وإنّ الناظر في المناهج والكتب المدرسيّة التي يصدرها المركز الوطنيّ لتطوير المناهج بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم يجدها حافلة بأسباب السعادة ومنابع القيم الإيجابيّة التي تُدخِل روح البِشْر والحبور في نفس المتلقّي: قائدًا كان أو مشرفًا تربويًّا أو معلّمًا أو طالبًا أو وليّ أمر وآخرين غيرهم من ذوي الاهتمام والمتابعة لشؤون المناهج، ومنها الكتب المدرسيّة التي بين أيدي الطلبة، من حيث احتواؤها على معارف تتناسب ومستويات الطلبة وتداعب قدراتهم، وتضمّنها مهارات تتواءم وكفايات الطلبة، وأنشطة متنوّعة كمًّا ونوعًا، تراعي الفروقات الفرديّة وتلبّي ميولهم واتّجاهاتهم، فلا شكّ في أنّ المتعلّم حين يتمكّن من تلك الأنشطة ويؤدّي ما تحويه من مهارات سيشعر بنشوة السعادة ويفرح لتمكّنه من استيعابه وتحليلها؛ لذا فإنّ المناهج والكتب المدرسيّة تعدّ من أوسع منابع السعادة ومناهلها لدى مقدّمي الرعاية والخدمة ومتلقّيها والشركاء فيها جميعهم على حدّ سواء: طالبًا ووليّ أمر ومعلّمًا ومديرًا ومشرفًا، وتتعهد المناهج والكتب المدرسيّة هذه المنابع والروافد منذ الطفولة المبكرة، حيث تخاطب الكتب المدرسيّة ولا سيّما المطوّرة قدرات الطلبة وتحترم عقولهم وتقدِّر إنسانيّتهم، وتداعب ميولهم وتنمّي اتّجاهاتهم وتطلق خيالاتهم، وتُفتِّق إبداعاتهم، وتنطلق بهم من حيث بيئاتهم التعليميّة إلى معارف ومهارات عالميّة تربط تعلّمهم بالحياة، وغير ذلك ممّا تكتنزه المناهج والكتب المدرسيّة، الأمر الذي يأخذ بأيديهم إلى تقديرهم لذواتهم وأنّهم أهلٌ لما تحويه كتبهم من معارف ومهارات ومناشط، وسعة الأفق ورحابة التطلُّعات، ولا غروَ في أنّ هذا مجلبة للسعادة والمتعة وللذة والشغف والراحة؛ ما يقودهم إلى الإقبال على التعلّم بنهم وشغف، ولعلّي أتناول جانبًا من روافد السعادة في الكتب المدرسيّة في مقال آخر بمزيد من التفصيل.
ومن أسباب السعادة وبواعثها تلك العلاقات الوطيدة التي تنظم الجسم التربويّ التي لا يعرف التوهين طريقًا لها، فتغدو نسيجًا محكمًا قائمًا على المحبّة والتوادّ والتآزر والتلاحم والعمل بروح الفريق، وغنيّ عن القول إنّ هذه السمات كلّما تجذرت وترسّخت في الوسط التربويّ والإنسانيّ قاطبةً اتّعت منابع البِشر والسرور والحبور. ولعلّ في هذا القدر كفاية، ولو أردتُ لزدت.
ففي يوم السعادة العالميّ – وكلّ يوم – يشرّفني أنْ أزجي للأسرة التربويّة كافة تحايا الإجلال والإكبار والإكرام، كيف لا وهي التي تعكف على نشر أريج الحياة في النفوس، وبثّ عبق السعادة في الصدور، وتكحّل العيون بأسباب السرور، وترسم لوحة الحبور بأهداب العيون... حقًّا سلامًا لأعلام التربية والتعليم في وطن السعادة والجمال ، سلامًا سلامًا....



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات