رواية حب و حرب و دماء .. الجزء الثاني


اجابت سامية و بنبرة صادقة "انا اعلم مدى حبك لي يا منسي، كل لحظة امضيتها برفقتك هي الأجمل في حياتي،"

اجاب بنبرة حنونة "انا اتولدت من جديد يوم رأيتك في محل والدك، اتذكري حينما نده لي رحمه الله و طلب مني ان أُوْصِلَ الملابس الى سيارتك، اتكذري؟"

احمرت وجنتيها خجلا و اكملت "حينها نظرت إليً لفترة طويلة و قلت يا ارض احفظي ما عليكِ،" ضَحِكَتْ ضحكة رقيقة و اكملت "قلت لي لم ارى بجمالك من قبل،"

"افقدتيني صوابي، فعليا جمالك دخل قلبي من اللحظة الأولى،"

"اتعلم يا منسي، لم ارى إنسان في جرأتك، لم اتوقع ان تطلب يدي من والدي، لم اتوقع ان يوافق والدي حتى، حينما فاتحني بالموضوع صُدِمْت حينها،"

اجاب المنسي و هو يتأمل وجهها "والدك كان قلق عليكِ، قال لي اكثر من مرة ان ثروتي كلها ملك لإبنتي الوحيدة، لذلك اقلق من ان يأتيها ابن حرام ليستغلها و تكون عينه على ثروتها، الحمدلله انني في السنة التي عملت فيها عند والدك استطعت ان اكسب ثقته بالعمل، و برهنت له انني بقدر المسؤلية،"

اجابت ساميه و العطف لحنين الماضي يشع من عينيه "تقدم لي الكثيرون من الشباب من اقربائنا، و لكن كان والدي يرفضهم، كل شيئ قسمة و نصيب،"

نهض منسي و اتجه الى حوض للورود كان بجانبهما على الارض، قطف وردة و عاد الى الطاولة و اعطاها لزوجته، فاحت رائحتها الجميلة من حولهم و هو يكمل برومنسية "الورد جميل...جميل الورد، الورد جميل و له اوراق، عليه دليل من الأشواق...

ضحكت سامية ضحكة رقيقة قال اثرها "الله، الله، الله، منذ زمن لم تضحكي هكذا يا ساميه، صباحنا مع هذه الضحكات عسل و قشطه،"

اخذت سامية الورده و ثبتتها بطرف حجابها، نظرت الى وجه منسي لبرهة من الزمن ثم اكمل "هل تعلمي انك و انت مسروره بريق الف نجمة تشع من عنينكِ، سماء الرحمن الصافية بساكانتها الوضاءه تخجل من ضياء عينيك المبهر و انت تضحكين،"

اجابت بخجل "كفى غزل يا منسي، سيقترب اذان الفجر و نحن لم نتسحر،

"قولي بسم الله و مد يدك، هيا،"

اخذت ساميه لقمة من السلطة بينما اختار منسي ان يبدأ سحوره ببعض من العجة، فأخذ قرص منها و وضعه بصحنه، سأل ساميه "هل الخدم يتسحرون؟ لا اريد شيئ ان ينقصهم،"

اجابت "نعم يا حبيبي، اوصيتهم ان يأكلوا،" نظرت اليه و هي تمضغ الطعام، فسألها"هل هنالك شيئ؟"

اجابته بتردد "موعد فتح الباب لإنتخابات مجلس الشعب اقترب، الا تفكر بالترشح؟"

نظر اليها و علامات التعحب مرسومة على وجهه، قال "أذكر انك سألتيني نفس السؤال من قبل، بصراحة لا افكر بالأمر"
"منسي نحن ميسوري الأحوال، و انت في آخر فترة اشتهر اسمك كثيرا بالسوق، و اصَبَحْت من اكبر تجار الملابس الجاهزة المستوردة بالمنطقة، لما لا تفكر بالأمر، انت لك وضعك بالسوق؟"

صمت منسي قليلا، فكان يعلم انها مسؤلية كبيرة، اجاب "المجلس له اهله و انا لست الا تاجر ملابس، انا لا اعلم اذا كانت هذه الخطوة مناسبة لي،"

اجابت و هي تحاول اقناعه "انت إنسان تخاف الله و سمعتك ممتازة، و لك علاقاتك مع مسؤلين و وزراء في الحكومة الحالية، سامحني و لكن انا سمحت لنفسي ان أسأل بعض من معارفنا عن امكانية دعمك بحملة انتخابية..."

نظر اليها المنسي مصدوما، قاطعها "الا يجدر بي ان اوافق اولا؟ و ما الفائدة من سؤالك ان لم اقتنع بهذه الخطوة؟"
"منسي انا احبك و اريد هذا المنصب لك كبرستيج و لكي يدعمك بعملك، كما ان علاقاتك ستزيد بالبلد،"

اخذ لقمة طعام من الطبق امامه و اكمل "البلد فيها مشاكل كثيرة، الم تري ماذا حصل بالسنة الماضية حينما قررت الحكومة رفع اسعار السلع الأساسية؟ الثورات اشتعلت و ثار الشعب بالشوارع،" تنهد بعمق و ارتسم القلق على وجهه قليلا، قال بعد برهة من الزمن "على العموم اعدك انني سأفكر بالأمر،"

ابتسمت له و قالت "انا اريد دائما ان اراك انجح المستثمرين، اريد ما به خير لك دائما،"

***********************
في الصباح التالي...معرض البيت الجديد للإثاث المنزلي – مصر الجديدة

وقف عصام قنديل في وسط معرض الأثاث الكبير الذي يمتلكه يتأمل الزبائن و هم يتفقدون الأثاث المعروض به، كانت الحركة قوية عليه بسبب حملة الدعايات في التلفزيون، فاعلن عن تخفيضات كبيرة للأثاث المنزلي و المكاتب بسبب الأزمة المالية الحالية التي تمر بالبلاد، فبعد شهر فقط من الإعلانات التجارية ارتفعت نسبة المبيعات لديه بشكل ملحوظ مما اجبره على رفع انتاجية مصنعه، كان الإرتفاع الأكبر من نصيب الاثاث المنزلي الذي كان يعرض في خمسة افرع له بالقاهرة، فالصيف اساسا كان موسم لحفلات الزفاف فشعر انه بث الدعايات لمنتوجات مصنعه بالوقت المناسب، ابتسم و هو ينظر الى الحركة بمعرضه بمصر الجديدة و راقب الموظفين و هم يساعدون الزبائن في طلباتهم و استفساراتهم، فاض المعرض بالحركة و بضجيج الناس الذين تفحصوا الأثاث بالاونه الزاهية المختلفة فكانت الوان الأسود و الكحلي و البيج و ألابيض و الأزرق و الأحمر تنتشر في كل مكان،

نظر الى إلهام و هي تتحدث مع ما بدى له انهم عروسين، اقترب منهم بضعة خطوات ليستمع الى الحديث فكانوا يتفاصلون على سعر غرفة نوم فاخرة من خشب البلوط كانت تتألف من خزانة و سرير فاخر و منضدة طولها مترا يعلوها تلفزيون صغير، و كان مع التلفزيون لاقط شبكي صغير و زرار تحكم عند السرير لحركته حيث يمكن توجيهه الى اليمين و اليسار، كانت هذه الغرفة من تصميم شاب مصري موهوب وظفه منذ مدة ليُحَسِن تصميم الاثاث المنزلي لديه، كان سعر الغرفة مرتفع فكانت الهام عبدالناصر تحاول اقناعهم بسعرها، كان احد العروسين شاب صغير قَدًرَ عمره بأنه في اواخر العشرينيات من العمر، و كانت عروسه شابه اصغر منه سنا و جميله ذات شعر اسود مفرود على كتفيها، نظر الى جمالها الفتان فكانت ذات بشرة بيضاء و عينين سوداء و شفتين تشع جمالا و حمرةً كحُمْرَة التوت البري الأحمر، كانت ترتدي كعب عالِ فارتفعت طقطت نعليها و هي تسير بين اثاث الغرفة بينما اكمل خطيبها الحديث مع الهام،

كانت الهام عبدالناصر ترتدي هندام انيق يستر جسدها، فكانت ترتدي قميص طويل الأكمام و تنورة طويلة تستر ساقيها بالمكامل، و كانت تضع حجابا ابيض انيق على رأسها، كان جمالها يشع حتى و هي محجبة فكانت بالأربعين من العمر ضعيفة الخصر و ذات وجه جميل و جذاب، كانت ذات بشرة سمراء و عينين عسلتين و شفتين جميلتين تشع حمارا من بعض احمر الشفاه الذي وضعته، كانت رائحة عطرها الوردي تفوح بالمكان كلما سارت مع العروس تُريهْ بعض من مزايا غرفة النوم، شعر عصام برغبة بالإقتراب من الجماعة حيث جذبه الجمال النسائي بالمكان، سار نحو الهام و العروس و قدم نفسه قائلا "صباح الخير،"

ابتسم الشاب و اجاب "صباح النور،"

اجابت الهام مبتسمة "صباح النور يا باشا، اقدم لك عصام باشا مالك معارضنا،"

سلم الشاب عليه قائلا "انا مالك عبدالمنعم،"

اجاب عصام "اهلا و سهلا بك، ارى ان غرفة النوم اعجبتك،"

اجابت الهام "يريد شرائها، و لكن السعر مرتفع،"

"هذه الغرفة سعرها ثابت نظرا للإضافات التي بها، و لكن ربما هنالك بمعارضنا الآخرى ما يناسبك، او تستطيع مشاهدة بعض من الكتالوجات التي لدينا لتختار ما يناسبك، فهنالك تصاميم كثيرة،" قال الى الهام آمرا "اذهبي الى مكتبي و احضري الكتالوجات من فوق خزانة الملفات،"

اجابت الهام"المكتب مقفول منذ الأمس،"

"انتظرنا هنا سيد مالك لدقيقتين، سأصعد انا و مساعدتي الى مكتبي لِنُحْضِرْ الكتالوجات،"

سار مع الهام في المعرض بينما اقتربت خطيبة مالك منه و تحدثا بأمر، سارا عصام و الهام نحو ادراج في آخر المعرض الكبير و صعداها و هو يقول "ربما سيجد هذا الشاب ما يناسبه عندنا، لا اريد اضاعت فرصة مبيع من يداي، "

قالت الهام "اسعارنا غالية عليه، فأرشدته الى اكثر من غرفة و لكن المشكلة ان امكانياته ضعيفة بعض الشيئ،" وصلا الى الطاق العلوي حيث كانت تتوزع بممر طويل مكاتب ادارية على يمين و يسار الممر، سارا في الممر الذي بلغ طوله عشرة امتار ثم توقف عصام عند باب مكتبه المقفول، قال لإلهام و هو يفتح الباب، انا ظهري يؤلمني، هل لك بمساعدتي؟

قالت له و هما يدخلان المكتب "بماذا؟"

كان مكتب عصام فاخرا فكان هنالك طقم كنب من الجلد الأسود يقابل من يدخل اليه، و كانت طاولة كبيرة سوداء تتوسطه يعلوها منافض للدخان من الكريستال على اطرافها، و كان مكتبه الكبير في آخر العرفة، كان هنالك كرسيين للإنتظار على اطرافه و كانت تحيط بالمكان بعض من تباتات الجدار المتسلقة، كانت الأوراق و الملفات منثورة على مكتبه بصورة عشوائية و لكن اناقة المكان كانت تطغى على اية فوضى به، لفت انتباه الهام لباس حريمي على الكنب، فتسائلت في ذاتها عن لمن يكون، لم يكن بعلمها ان احد من زميلاتها يُغَيِرْ ثيابه بالمعرض و بمكتب مديرها، فهذه الجرئة لم تحصل بتاتا في معرضهم من قبل، كانت تصلها من حين لآخر بعض الشائعات عن زميله لها كان يقال انها على علاقة بمديرها و لكن لم يثبت لديها اية ادلة تؤكد الكلام،

نظر عصام اليها و قال و هو يبتسم "خذي كرسي و ضعيه بالقرب من خزانة الملفات، اصعدي فوقه و احضري من فوق الخزانة الكتالوجات، استغربت الهام في بادئ الأمر من هذا الطلب و ترددت كثيرا قبل تنفيذه، فكانت تنورتها الطويلة لا تسمح لها بالتحرك بحرية، و لكنها بلحظة ارتباك تقدمت ببطئ نحو كرسي من كراسي الإنتظار عند مكتبه، سحبته ببطئ نحو الخزانة، قال لها "اخعلي نعليك،" و هو يتجه نحو الخزانة "فهذه الكراسي غالية الثمن،" نظرت اليه بتساؤل، فكانت المرة الأولى التي يطلب منها امر كهذا، قال لها "هيا فالزبائن ينتظرون،"

خلعت نعليها وسط عدم ارتياحها للأمر، نظرت اليه و هو يتأمل قدميها، حاولت رفع ساقها و لكن تنورتها الطولية منعت حركتها، احمرت وجنتيها و هي ترفع تنورتها لمستوى ركبتيها لتنكشف ساقيها، صعدت على الكرسي و مدت يديها نحو الكتالوجات، امسكتهم و نظرت اليه، فكان يتأمل ساقيها ففهمت ما كان يهدف اليه، نزلت من على الكرسي و سارت حافية القدمين و وضعت الملفات عند طاولة الكنب، عادت الى الخزانة و ارتدت نعليها، امسك عصام الملفات و قال لها "هيا لنسرع الى الزبون بالأسفل،"

**********************
السيدة نفيسة – شقة بثينه زينهم جارة الهام في بناية مجاورة في الحي – في نفس اليوم مساءا

جلست الهام على كرسي من كراسي الصالة في شقة جارتها بثينه تروي لها ما حدث بينها و بين عصام قنديل، كانت بثينه تجلس مقابلها تستمع الى الحوار بتعجب شديد، سألتها "الم يكن هنالك زميل لك على مقربة منك ليلتقط هذه الملفات عوض عنكِ؟"

"كان الطابق يخلو من الموظفين بالكامل يا بثينه فكانوا في الطابق السفلي مشغولين مع الزبائن، كنت اسمع اشاعات من زميله لي عن تحرشات هذا الرجل بالموظفات و لكن كنت اقول في بعض الأحيان انها تبالغ، و كنت اقول احيانا ان الدور لن يصلني، كنت مرعوبة يا بثينه فكنا فعلياً بمفردنا بالطابق،"

وضعت بثينه يدها على يد الهام و قالت مواسية "سترك الله يا اختي، كان من الممكن ان يستقوي عليك و ان يغتصبك او يأخذ شيئا رغما عنكِ، لما لا تبحثي عن عمل آخر اذا كانت اخلاق هذا الرجل رديئة الى هذا الحد،"

"اين سأجد عملا بهذا المرتب؟ قولي لي؟ المرتبات الذي يدفعها مجزية جدا، انا آخذ مرتب ضعف ما يأخذه باقي زملائي بالمعارض الآخرى، ثم حتى لو استقلت سيلزمني اشهر لأجد وظيفة آخرى، اولادي بالجامعات، كيف سأصرف عليهم، انت تعلمي الأزمة التي تمر بها البلاد،" اكملت بغضب "السافل، تَأَمًلَ ساقي و قدمي بعينيه و كانه يرى إمرأة لأول مرة،"
"يا الهام الم تقولي لي ان هذا الرجل متنزوج بإمرأتين؟"

"الظاهر انه جوعان جنس، نعم هذا صحيح و كان فرحه من الإمرأة الثانية في الصيف الماضي،"

ضحكت بثينه و قالت "الظاهر انه سيتزوج الثالثه، مبروك يا الهام،"

نظرت اليها الهام نظرة ساخرة و عاتبت "ماذا تقصدي؟ انا لا افكر بالزواج بعد الشهيد زوجي، لم يملأ عيناي رجل آخر، فكيف برجل عينه غير محترمة و يتحرش بالنساء،"

ضحكت بثينه ضحكات قوية دخل على اثرها ابنها محمود الى الصالة، اقترب منهم و قال "على ماذا تضحكون، كيف حالك يا ست الهام؟"

وقفت لتسلم عليه فقال لها "أسف، انا على وضوء، ما هي اخبارك؟"

اعادت يدها مستغربة من الأمر و اجابت "انا بخير يا بني، كيف حالك و كيف الدروس معك؟"

اجاب مبتسما "كل شيئ على ما يرام،" نظر الى امه متسائلا "ضحكاتك صاخبه و عالية،"

جلس بالقرب منهم و قالت بثينه "تعال و انظر الى ما فعل مديرها،"

قاطعتها الهام "استري علي يا بثينه.."

قالت بثينه "ما ذنبك ان كان مديرك نصف كم..."

قاطعهم محمود "نصف كم؟" ارتسم على وجهه تعابير الإستغراب و قال "هل قام بالتحرش بأحد،"

قالت بثينه "قام بالتحرس بإلهام، جعلها و هي ترتدي التنورة الطويلة ان تكشف ساقيها لتصعد على كرسي و تخلع نعليها و تأخذ من فوق الخزانه ملفات، كان ينظر الى ساقيها..."

قال محمود بغضب "إنسان فاجر، لو الحكم في بلادنا اسلاميا لما تجرء و فعل ما فعل، كان سيعلم ان هنالك جزاء قاصي ينتظره،"

كان محمود طالبا بالجامعة بتخصص شريعة، و كان طويل القامة ذو بشرة سمراء و لحية طويلة تغطي فكيه و ذقنه، و كان يصلي الفروض في مواعيدها بالجامع، كان ملتزما دينيا و كان من الأوائل بتخصصه حافظا لأحاديث الرسول عليه الصلاة و السلام، و كان يتبع السنة النبوية بما يفعل في حياته، فنظر الى لباس الهام و قال بنبرة صارمة "انت لست محجبة بالمكامل فالتنورة التي ترتديها تبرز خصرك، كما ان الحجاب الذي تضعينه يغطي جزاء من شعرك فلا يغطي شعر رأسك بالكامل، كما انك تضعين العطور و حمرة الشفاه التي تلفت الأنظار، كلها من شأنها اغراء الرجال..."

قاطعته بثينه قائلة بصدمة "ما هذا الذي تقوله يا محمود، السيدة الهام مستورة اللباس و سلوكها حسن و تصوم صيام رمضان كله،"

اجاب محمود مناقشا "قال الرسول لأسماء بنت ابي اكر رضي الله عنه في الحديث الشريف يا أسماءُ إنَّ المَرأةَ إذا بلغتِ المَحيضَ لم يَصلُحْ أن يُرى منها إلَّا هذا وَهَذا، وأشارَ إلى وجهِهِ وَكَفَّيهِ،"

قالت الهام مجادلة "الحر خانق بالصيف، سأختنق ان ارتديت الحجاب كاملا، ثم انني اعرف احاديث الرسول بالكامل و لا احتاج الى وعظ، انا اريد كسب الرزق لأطعام اولادي و الحجاب الكامل غير مرغوب بسوق العمل، هل اذا جلست من دون عمل ستصرف علي و على اولادي يا محمود،"

صرخ محمود في وجهها "اخرسي! هذا هو ديننا! من اين سأجلب لكم دين على ذوق كل واحد!"

اجابت الهام مصدومة "هل هذا الكلام لي! لي انا يا محمود! اليس عيب ان تصرخ بوجهي و انا في سن والدتك! هيا انهض و اصفعني على وجهي، هيا!"

اجابت بثينه "هل هذه تربيتي لك يا محمود! ان تصرخ بوجه من هم اكبر منك بالسن،"

اجاب محمود بصلابة "اليس احسن من التحرشات يا ست الهام، انت مازلت جميلة و تلفتين النظر، انا نصحتك و لك الله ليهديكِ الى الإيمان و الخير،"

اجابت بثينه "لا ضرورة لهذا الحوار، الهام ربتك معي منذ ان سَكَنَتْ بالحي، منذ ان كنت طفلا صغيرا تلعب بشوارع الحي، و هي في مقام والدتك..."

قالت الهام "انت تغيرت كثيرا يا بني،" التفتت الى بيثنه و قالت "انا لست غاضبة منه، سامحه الله، الحق على علماء الدين الذين يجعلون شباننا متعصبين هكذا،"

قام محمود بغضب و اتجه نحو باب الشقة، فتح الباب ليلاقي نادية على وشك طرقه، فابتسم لثانية من الزمن ثم نظر الى الأرض و قال "استغفر الله العلي العظيم، اين حجابك يا ناديه،"

قالت ناديه مستغربة "مرحب يا محمود، لم ادخل بيتكم بعد، ثم منذ متى تسألني عن الحجاب؟ لطالما كنت غير محجبة فما الذي جد على الأمر؟"

مدت يدها لتسلم عليه فاعتذر قائلا "انا على وضوء و ذاهب الى المسجد،"

خرج محمود لتدخل ناديه قائله "سلام يا ام محمود، كيف حالك يا امي، قال لي طارق انك هنا، ماذا حل بمحمود، ما كلمني يوم بهذه الصرامة،"

****************************
حي المرجان - السيدة زينب – فجراً

وقف محمود في ممر من الممرات التي تؤدي الى حي المرجان في السيدة زينب، كان ملثما هو و خمسة من رفاقه الشباب منتظرين اشارة التحرك من منظم لحركتهم في الحي، كان السكون يخيم على المكان ما عدا وقع اقدام بعض من المارة من حين لآخر، فاقترب موعد السحور و كان معظم اهل الحي في منازلهم يعدوم طعامهم قبل آذان الفجر، كانت ملصقات آخر افلام السينما تملأ الجدران من حولهم، فكانت افلام شفيقة و متولى و شباب يرقص فوق النار و اذكريني آخر ما انتجته شركات الإنتاج في مصر، نظر اليهم بعض المارة في الحي نظرات استغراب و لكنهم كانوا يسيرون بجانبهم غير مدركين للحراك الذي كان سيبتدأ للتو في الأحياء المختلفة من السيدة زينب، وقف محمود ينظر الى عبدالجبار الذي كان يبعد عنه مسافة بضعة امتار فقط يترقب اشارة البداية، فكان عليهم تنفيذ ما خططوا اليه منذ اسبوعين في تنظيمهم الذي كان يتزعمه، فالفشل لم يكن اختيار لهم بل ممنوع كردة فعل لما يحدث اجتماعيا و سايسيا في بلادهم، فكان لا بد لهم ان يتركوا بصمات قوية بالأحياء التي يسكنوا فيها ليتحقق هدفهم الديني و السياسي، كانت الأوامر واضحة من بعض من الشيوخ الذين رأوا ان الفرصة سانحة لحراك واسع النطاق بالبلاد بالتزامن مع اخبار من الحكومة لتضيق الخناق عليهم،

كانت قهوة صغيرة على مقربة منهم فارغة يعد مالكيها لطعام السحور، و كان هنالك مَحَلًيْن لتأجير اشرطة افلام البيتامكس يعملان رغم اقتراب ساعات الفجر، و كانت افيشات آخر الافلام الأجنبية و العربية تملأ واجهات تلك المحلات ايضا، فجأة رفع عبدالجبار يده بإشارة لمحمود لبدأ تحركهم...يتبع



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات