وداعاً جيزيل خوري!


جراسا -

في وداع الكبار يقف القلم عاجزاً عن التعبير ويتجمد الحبر في عروقه وتتعطل لغة الكلام، هكذا هي الحال تماماً وأنا أحاول ترتيب الحروف لكتابة رثاء يليق برحيل القامة الإعلامية الكبيرة جيزيل خوري التي رحلت عن دنيانا بعد معركة أليمة وصراع طويل مع المرض الخبيث.

رحلت جيزيل خوري بعد حياة ثرية مليئة بالأفراح والمسرات، وكذلك بالمآسي والأحزان، وبعد مسيرة إعلامية غنية عرفت فيها النجاحات والإخفاقات والإنجازات والتحديات.
كان أول تعرّفي على الراحلة في مدينة دبي لمناسبة إطلاق قناة "العربية" الإخبارية، والتي تزاملنا فيها ببرنامجينا وقت بداياتها، كانت بصحبة حب عمرها الكاتب المغدور سمير قصير، كانا في أوج حالة العشق بينهما وفي أوج التألق المهني، جيزيل جاءت إلى "العربية" بعد مشوار مبهر في الفضائية اللبنانية وسمير قصير كان يصدح بمقالاته الثورية في "النهار" في مواجهة الطغاة والظلم. تألقت جيزيل خوري في "العربية" كما تألقت بعدها في محطات "بي بي سي عربي" و"سكاي نيوز عربية"، تطور أداؤها وبقي حسها الراقي ومهنيتها الصارمة.

كانت دوماً صاحبة الحضور الأنثوي الطاغي والأناقة السهلة والأسئلة الصعبة والإعداد المحترم، ما مكّنها من أن تستضيف أهم وأصعب الضيوف وتحصل منهم على الإجابات الغائبة.
وأصبحت نجمة تضاهي نجومية ضيوفها ليتابع المشاهد أسئلتها بالشغف نفسه الذي يتابع فيه إجابات الضيوف في حلقات برامجها.
كانت صدمة عمرها عندما انفجرت سيارة سمير قصير بالقرب من بيتها بعد زرع لغم فيها أودى بحياته على الفور، وأصبح الحزن توأماً لها لا يفارقها، تفضحها دوماً الدمعة المجمدة في عينيها، سخّرت حياتها بعد وفاته للعمل على تخليد ذكراه في المجال الذي أحب، فأسست منظمة سمير قصير للصحافة الشجاعة، يتم من خلالها تكريم الصحافيين المميزين في لبنان.

في مشوار الحياة التقيت جيزيل خوري مرات عديدة في مناسبات مهنية، نتبادل فيها التحية والأخبار والطرف والاقتراحات. كانت على ثقة وأمل بأنها قادرة على هزيمة السرطان، وأنها كما انتصرت على حزن فقدان سمير قصير ستنتصر على السرطان وألمه، إلا أن الجميع يعلم أنها لم تستطع يوماً الانتصار على حزن فقدان سمير، وقد يكون ذلك سبباً لعدم قدرتها على هزيمة المرض.

ظلت جيزيل خوري شامخة في مشوارها ومرضها حتى في رحيلها، رحلت "بكير كتير" كما يقول محبوها، تركت قلمها الأحمر رفيق كل إطلالاتها ليبقى ذكرى ورحلت، وصدى شكرها الدائم والمتواصل لوفاء مشاهديها يُسمع في السماء.

ستبقى أعمال جيزيل خوري ومقابلاتها شاهدة على إبداعها وتميزها وتفوقها، ستبقى تلك الأعمال شاهدة على بصمتها المهنية وأدائها الاحترافي المختلف.
رحلت جيزيل خوري عن دنيانا والحزن يعصف بقلوب محبيها على فراقها، رحلت سيدة الشاشة الإخبارية وأحبابها يرددون: "كل ياللي عرفوك حبوك وكل ياللي سمعوا عنك راح يشتاقوا لك".

أتذكر آخر كلام تبادلته معها في ختام حفل "العربية" في دبي قبل أن نغادره، وجهت حديثي لها ولسمير "ما رأيكما في أن تقبلا دعوتي إلى الغداء بكره؟"، فابتسمت جيزيل ونظرت إلى عيني سمير قصير مطولاً وقالت لي وكأنها تحدث نفسها "مين بيعرف شو مخبيلنا بكره". وداعاً جيزيل خوري.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات