هكذا خدعت حماس الاحتلال


جراسا -

أدت حملة خداع دقيقة إلى أن تفاجأت إسرائيل عندما شنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، هجومها المدمر، مما مكن قوة تستخدم الجرافات والطائرات الشراعية والدراجات النارية من التغلب على جيش الاحتلال.

وجاء هجوم يوم السبت، وهو أسوأ اختراق لدفاعات إسرائيل منذ أن شنت الجيوش العربية الحرب عام 1973، بعد عامين من الحيل التي قامت بها حماس شملت إبقاء خططها العسكرية طي الكتمان وإقناع إسرائيل بأنها لا تريد القتال.

ونجحت حماس من خلال عملية طوفان الأقصى في دفع جميع الأطراف لإعادة حساباتها، ووجهت صفعة كبيرة لإسرائيل، وكسرت صورتها في تصورات صناع القرار الدوليين والإقليميين.

ومن المتوقع أن يكون لذلك تداعيات داخل إسرائيل نفسها وفي المنطقة وعلى مسارات التطبيع، ولا تزال المعركة في غزة وما حولها في بدايتها ولم تأخذ شكلها النهائي المفتوح على احتمالات عديدة.

ولم تظهر حتى الآن أي علامات على تراجع حماس، مما يشير إلى أنها استعدت للبقاء على المدى الطويل، وربما لديها إمدادات وافرة وترسانة قوية من الصواريخ، ويمكن أن تخطط لنصب مزيد من الكمائن.

واستخدمت حماس تكتيكًا استخباراتيًا غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر الماضية، من خلال إعطاء انطباع عام بأنها غير مستعدة للدخول في قتال أو مواجهة مع إسرائيل أثناء التحضير لهذه العملية الضخمة.

وفيما كانت إسرائيل تعتقد أنها تحتوي على حماس التي أنهكتها الحرب من خلال توفير حوافز اقتصادية للعمال في غزة كان مقاتلو الجماعة يتم تدريبهم، وغالبا على مرأى من الجميع، ومن المؤكد أن إسرائيل رأتهم.

وفي حين أعطت حماس إسرائيل انطباعا بأنها غير مستعدة للقتال، شنت هجوما غير مسبوق يعد الأكثر رعبا منذ حرب السادس من أكتوبر قبل 50 عاما عندما فاجأت مصر وسوريا إسرائيل وجعلتها تقاتل من أجل سيادتها.

وتعترف إسرائيل -على لسان المتحدث باسم قوات دفاعها الرائد نير دينار- أنها تفاجأت بالهجوم الذي تزامن مع يوم السبت اليهودي وعطلة دينية.

واقتحم مقاتلو حماس البلدات الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 700 إسرائيلي وأسر العشرات، وقتلت إسرائيل أكثر من 400 فلسطيني في ردها على غزة منذ ذلك الحين.

وأظهر الهجوم غير المسبوق داخل العمق الإسرائيلي أن الفلسطينيين لديهم الإرادة لتحقيق أهدافهم بغض النظر عن قوة إسرائيل وقدراتها العسكرية.

وفي أحد العناصر الأكثر لفتًا للانتباه في استعدادات حماس لهذا الهجوم قامت ببناء مستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة حيث تدربت على الإنزال العسكري وتدربت على اقتحامها، وقاموا بتصوير مقاطع فيديو لهذه المناورات.

وفي الوقت نفسه، سعت حماس إلى إقناع إسرائيل بأنها مهتمة أكثر بضمان حصول العمال في غزة -هو شريط ضيق من الأرض يضم أكثر من مليوني نسمة- على فرص عمل عبر الحدود وليس لديهم مصلحة في بدء حرب جديدة.

وتمكنت حماس من بناء صورة كاملة بأنها غير مستعدة لمغامرة عسكرية ضد إسرائيل.

وتشير كل الدلائل إلى أن إسرائيل كانت مقتنعة تماما بأن حماس لم تكن حريصة على الدخول في مواجهة.

ومنذ حرب عام 2021 مع حماس، سعت إسرائيل إلى توفير مستوى أساسي من الاستقرار الاقتصادي في غزة من خلال تقديم حوافز تشمل آلاف التصاريح حتى يتمكن سكان غزة من العمل في إسرائيل أو الضفة الغربية، حيث يمكن أن تصل الرواتب في وظائف البناء أو الزراعة أو الخدمات إلى 10 أجور (أضعاف مستوى الأجور في غزة).

واعترفت إسرائيل بأن حماس خدعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على لسان متحدث باسم جيش الاحتلال الذي قال: اعتقدنا أن حقيقة مجيئهم للعمل وجلب الأموال إلى غزة ستخلق مستوى معين من الهدوء، كنا مخطئين، لقد جعلونا نعتقد أنهم يريدون المال، وطوال الوقت كانوا يشاركون في التدريبات حتى قاموا بأعمال شغب.

وكجزء من حيلتها في العامين الماضيين، امتنعت حماس عن القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل، حتى عندما شنت جماعة الجهاد الإسلامي المتمركزة في غزة سلسلة من الهجمات أو الهجمات الصاروخية الخاصة بها.

ضبط النفس الذي أبدته حماس أثار انتقادات علنية من بعض المؤيدين بهدف خلق انطباع بأن حماس لديها مخاوف اقتصادية وليست حربا جديدة في ذهنها.

وفي الضفة الغربية، التي يسيطر عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح، كان هناك من سخروا من حماس بسبب التزامها الصمت.

وفي بيان لحركة فتح نُشر في يونيو 2022، اتهمت الحركة قادة حماس بالفرار إلى العواصم العربية للعيش في فنادق وفيلات فاخرة تاركين شعبهم للفقر في غزة.

وفي الوقت نفسه، حولت إسرائيل تركيزها بعيدًا عن حماس في الوقت الذي دفعت فيه للتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

ولطالما تفاخرت إسرائيل بقدرتها على اختراق الجماعات الإسلامية ومراقبتها، ونتيجة لذلك، كان جزءا حاسما من الخطة هو عنصر المباغتة والمفاجأة في الهجوم.

وعندما جاء اليوم، أمطرت كتائب القسام إسرائيل بثلاثة آلاف صاروخ من غزة تزامنت مع توغلات قام بها مقاتلون طاروا بطائرات شراعية أو طائرات شراعية عبر الحدود، فيما قالت إسرائيل في وقت سابق إنه تم إطلاق 2500 صاروخ في البداية.

وبمجرد وصول المقاتلين على الطائرات الشراعية إلى الأرض، قاموا بتأمين التضاريس حتى تتمكن وحدة كوماندوز من النخبة من اقتحام الجدار الإلكتروني والإسمنتي المحصن الذي بنته إسرائيل لمنع التسلل.

واستخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق الحواجز ثم عبروها مسرعين على دراجات نارية، ووسعت الجرافات الفجوات ودخل المزيد من المقاتلين بسيارات رباعية الدفع، وهي المشاهد التي وصفت بـ"فشل فادح" لإسرائيل.

وهاجمت وحدة كوماندوز مقر قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب غزة وشوشت على اتصالاته ومنعت الأفراد من الاتصال بالقادة أو ببعضهم البعض.

وبعد انطلاق عملية طوفان الأقصى بساعات، أعلنت إسرائيل حدوث إخفاق هائل في استخباراتها، وأعقب ذلك اعترافها بوقوع عدد كبير من المستوطنات تحت سيطرة مقاتلي القسام.

وانتشرت صور مدرعات إسرائيلية يقودها فلسطينيون بعد استحواذهم عليها، فضلًا عن مقاطع فيديو لسيارات دفع رباعي يقودها مقاتلون فلسطينيون تجوب شوارع بلدات ومدن إسرائيلية، فضلًا عن عشرات الأسرى الإسرائيليين رفقة مقاتلين فلسطينيين تم نقلهم إلى غزة، وهو ما تم تحقيقه في الغالب في وقت مبكر من الهجوم.

وفي إحدى عمليات احتجاز الرهائن، اختطف المقاتلون رواد حفل أثناء فرارهم من حفلة بالقرب من كيبوتس رعيم بالقرب من غزة.

وأظهرت لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الأشخاص يركضون في الحقول وعلى الطريق مع سماع أصوات أعيرة نارية.

واستغلت حماس إعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضفة الغربية لحماية المستوطنين في أعقاب تصاعد أعمال العنف هناك، ولم تصل إلى كامل قوتها في الجنوب قرب غزة.

وقال ياكوف عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن الهجوم يمثل فشلا كبيرا لنظام المخابرات والجهاز العسكري في الجنوب.

وتابع عميدرور في مؤتمر صحفي يوم الأحد، أن بعض حلفاء إسرائيل كانوا يقولون إن حماس اكتسبت المزيد من المسؤولية، ولقد بدأنا بغباء نعتقد أن هذا صحيح، لذلك ارتكبنا خطأ، لن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى وسندمر حماس ببطء ولكن بثبات.

وبينما انشغلت إسرائيل بالعنف في الضفة الغربية، مما أدى إلى وجود ضعيف وغير مستعد في الجنوب، نجحت حماس بما يتجاوز توقعاتها، والآن سيتعين عليها التعامل مع إسرائيل المصممة على القضاء عليهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات