"الذكاء الاصطناعي" الحدث الأكبر في تاريخ البشرية!


جراسا -

يناقش خبراء الأخلاق والأديان والسياسة والذكاء الاصطناعي بشكل روتيني، ما إذا كانت الآلات الذكية في المستقبل سوف تَستخدم إمكاناتها في الخير أم الشر، بكل ما لذلك من نتائج وانعكاسات على وجود الجنس البشري؛ بغية البحث عن أرضية مشتركة بين البشر والروبوتات، وهل يتمكّن الإنسان من مواجهة تحدّيات بيئته الجديدة؟ المشهد غائم ومقلق؛ فالخوف والرجاء ما زالا يتصارعان!

التقدّم الواثب
يذهب خبير الدراسات المستقبلية المفكر الأميركي راي كورزويل وآخرون، إلى أنّ الناس يجدون صعوبة بالغة في هضم التغيّرات السريعة؛ لأنّ الطبيعة البشرية يمكنها استيعاب معدّلات التقدّم الخَطِّي الثابتة، لا الواثبة، مثلما ينظر شخص إلى صورة مكبّرة لجزء صغير من دائرة، فيبدو له كأنّه خط مستقيم.

يتحسّب كثيرون لهذه اللحظة الحرجة؛ يخشون ما قد تثيره من هلع وخوف تجاه المستقبل، وربما ردود فعل هستيرية وتزايد الدعوات لرفض التكنولوجيات الجديدة التي لم يتمّ اختبارها، والتأكّد من عدم تعارضها مع مقوّمات الوجود الإنساني.

في عام 2013، شارك رئيس الجمعية الملكية السابق، مارتن ريس في تأسيس مركز دراسات المخاطر الوجودية، في جامعة كامبريدج البريطانية؛ لدراسة أخطار الذكاء الاصطناعي على الوجود البشري. وفي أيار (مايو) 2014 حذَّر الفيزيائيون ستيفن هوكينغ، وفرانك ويلكزيك، وماكس تيجمارك، وعالم الحواسب ستيوارت راسل، في صحيفة "الإندبندنت" من تفوّق الذكاء الاصطناعي والروبوتات على قدرات الإنسان، وقالوا إنّ "النجاح في خلق ذكاء اصطناعي سيكون الحدث الأكبر في تاريخ البشرية. وللأسف ربما يكون الحدث الأخير كذلك".

وبالمثل تُنبّه الكاتبة الأميركية المهتمة بالخيال العلمي برندا كوبر، إلى أنّ التطور التكنولوجي المتواصل ستكون له، عند نقطة ما، آثار وخيمة في اختلال مقومات مفهوم "الإنسانية"، وشبّهت الحال عندئذ، بجدار سميك يقف إلى ناحية منه البشر "الحاليون"، وفي الناحية الأخرى أنواع وأشكال غريبة ممن تسمّيهم "ما بعد البشر" أو "ما وراء البشر"، وهم كائنات مختلفة في قدراتها الذهنية الرهيبة التي ترقى إلى ما لا نهاية عن الإمكانات البشرية المعروفة الآن، وسوف يكون لها أسلوبها المتفرّد في الحياة والنظرة إلى الأشياء.

هزمت "الآلاتُ الذكية" الإنسانَ، في ألعاب رقمية وغيرها، مثل لعبة "غو" وفي الشطرنج. حقّقت الآلات قفزة في استراتيجيات التعلّم الآلي، بطريقة تبدو حدسية، هذه القدرات دخلت مجالات كثيرة مدنية وعسكرية، من تحليل المعاملات المالية إلى الطائرات المسيّرة من دون طيار، وغيرها، وبرز مفهوم مثير للاهتمام عن علاقة البشر بالآلات؛ بحيث تبدو الآلة "عرّافة"، ينبغي تصديق أحكامها.

الإنسان المرقمن
نشر الكاتبان كريس فلازكو وتاتوم هانتر مقالاً في صحيفة "واشنطن بوست"، قالا فيه: "إنّ عام 2022 كان غريباً للغاية بالنسبة للتكنولوجيا؛ استحواذ إيلون ماسك على "تويتر"، وانهيار شركة العملات الرقمية "إف تي إكس"، واحتمالية امتلاك الذكاء الاصطناعي للمشاعر. وإذا كان 2022 غريباً في عالم التكنولوجيا، فإنّ 2023 ربما يشهد تحوّلات أغرب: تنامي الطلب على إنترنت الفضاء - لتعويض غياب الاتصالات جزئياً أو كلياً وحجب مواقع التواصل، خلال الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الاحتجاجات في إيران، مثلاً - في انعكاس لأهمية وتأثير "الإعلام الإلكتروني" أو "الرقمي" في مسارات الأحداث، كبيرها وصغيرها على السواء".

طالت الثورة التكنولوجية وعملية الرقمنة كل مناحي الحياة، وأضحت المعلومات المنتج الأكثر استهلاكاً والاتصالات الخدمة الأكثر طلباً؛ نتج من هذا التعامل الكثيف في العالم الرقمي ظهور فوائد جمّة وأخطار مؤرقة أحاطت بحياة الناس والمجتمعات والدول. فرض الإعلام المنقول عبر حوامل رقمية واقعاً إعلامياً جديداً بكل المقاييس، اخترق الحواجز المكانية والزمنية، اتّسم بالتنوع اللامتناهي في الرسائل والمحتوى، لما يملكه من مقومات الوصول للجميع، بلا حدود أو حواجز أو فوارق.

لقد تطور الاتصال - عبر الزمن - من المشافهة إلى الواقع الافتراضي، الإعلام التقليدي إعلام مؤسسي، تحكمه قواعد ونظم وقوانين والتفاعلية معه محدودة، أما الإعلام الرقمي، فهو شبكي ومتحرّر من القيود ويتّسم بالفردية، والتفاعلية معه سريعة ومطلقة؛ الإعلام الرقمي ليس معطى ساكناً ومنهي البناء، إنّه يتجدّد ويتطوّر، يخضع لديناميكية التغيير الذي تصنعه الابتكارات التكنولوجية والاستخدامات الاجتماعية التي يؤطّرها السوق.

يسهم ذلك - مع عوامل أخرى - في"تثوير التفاعل الإنساني من كونه بشرياً طبيعياً، إلى كونه اندفع بالإنسان إلى الأمام، وتمثله إلكترونياً، رقمياً، رمزياً، وافتراضياً، على شاشات آلات اخترعها وطورها الإنسان نفسه، فأخذت بيده إلى كون جديد، واسع عريض من أكوان حياته وفضاءاته المجهولة"، بحسب الدكتور محمد علي رحومة، في كتابه "علم الاجتماع الآلي"، حيث أشار إلى أنّ الحاسوب بات الشريك المتحد معنا، فرض علينا تكنولوجيا ما، ثقافة ما، اقتصاداً ما، وعولمة ما؛ ومن ثمّ رؤية ما للعالم. إنّه مجتمع الحاسوب حيث "الإنسان المرقمن"، "إنّه تغيّر جديد كلياً، جذري، جوهري، في حياة الإنسان، فهو تحوّل أو بالأحرى قفزة هذه المرّة إلى أرض أخرى ومناخ آخر. قفزة إلى كوكب آخر من الاجتماعية بفضاء آخر تماماً ومناخ آخر، هو الفضاء الإلكتروني والمناخ الرقمي الآلي"، مجتمع مثير غير معهود؛ "صديقنا الحاسوب هو الذي لعب اللعبة، قلب المجتمع الإنساني، وأحدث انقلاباً لم يخطر على بال أحد، ولم يحدث هذا منه بدافع الثورة طبعاً أو بدافع الاستفزاز، أو الاستمرار، أو التغيير، أو البقاء، أو ما شابه، بل حدث بلا دافع أصلاً، فالحاسوب حتى الآن - آلة صماء بلا وعي".

زمام القيادة
وها نحن بالتدريج نعطيه زمام القيادة في كل مجالات حياتنا. "إنّ اتحادنا مع كائن آخر جديد، له القدرة على الاتحاد معنا، في صميم تركيبنا الاجتماعي والعضوي معاً، فهذا من طبيعة التحوّل نحو الانفتاح الحقيقي والخروج الحقيقي من العزلة. إذ إنّ خروجنا السابق عبر التاريخ البشري، لم يكن في حقيقة الأمر، إلاّ خروجاً من مكان إلى آخر مشابه، من جغرافيا بشرية إلى جغرافيا بشرية أخرى، من ثقافة إنسانية إلى ثقافة إنسانية أخرى، أما المجتمع الرقمي الجديد، فهو خارج بنا إلى مجتمع إنساني- آلي"؛ يشهد كل يوم جديداً غير متوقع، مثلاً، تتسع قاعدة المشاركين الناشطين في "الميتافيرس"، وتتزايد الاستثمارات الدولية في هذه التقنية بوصفها مستقبل الإنترنت، تتخطّى 150 مليار دولار العام الجاري؛ ويصل حجم التجارة الإلكترونية في "الميتافيرس" إلى 2.6 تريليوني دولار بحلول عام 2030.

في إمكان الموجات اللاحقة من الذكاء الاصطناعي أن تغيِّر طبيعة الاتصالات والمعلوماتية والعلوم والحروب وقطاعات الاقتصاد والمجتمع. تنتشر كاميرات المراقبة وبرامج التعرف على الوجوه والتجسس وجمع البيانات والقرصنة الإلكترونية، بعض هذه التقنيات تأتي ضمن مساعٍ حكومية للحدّ من الجريمة، وحماية الأمن القومي في مواجهة الإرهاب. وتتمثل المشكلة في غياب التشريعات وآليات المحاسبة، للحيلولة دون انتهاك خصوصية المواطنين. ثغرات يتقاطع فيها غياب العدالة، مع الجريمة، مع ضعف الحوكمة، مع العنصرية، وربما الفساد، وانحراف الممارسات الأمنية، بخاصة في دول تملك تاريخاً في انتهاكات حقوق الإنسان.

كما أفضى التحوّل إلى أنظمة أوتوماتيكية وطغيان استخدام أجهزة الذكاء الاصطناعي والروبوتات في وظائف تتطلّب مهارة، إلى تغيّرات مجتمعية؛ تُشعر الخبراء بالقلق من أنّ شبح البطالة وعدم المساواة يخيّمان على قطاعات ليست هينة. معظم الثروات الناجمة عن استثمار الذكاء الاصطناعي تصبّ في جيوب الشركات المنتجة له وحاملي أسهمها، وهم عدد محدود؛ لذلك ينبغي أن تقابِل حركةَ التقدّم التكنولوجي إصلاحاتٌ سياسية واقتصادية تسمح للمتضرّرين من تلك التحوّلات بحماية مصالحهم وحيواتهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات