هل تطبيع العلاقات ممكن بين السعودية وإسرائيل؟


جراسا -

علّق كثيرون على الزيارة الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى جدة، حيث أشارت تقارير صحافية أميركية إلى أنّ المواضيع التي تمّت مناقشتها خلال الزيارة تضمّنت إمكان التوصّل إلى اتفاق، بوساطة أميركية، لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. وفي حين، لم تُصدر المملكة أي تأكيد رسمي بهذا الخصوص، يكفي أن يتأمّل المرء ويأخذ بالاعتبار السياق والتطورات الأخيرة، ليستنتج أنّ التوصّل إلى هكذا اتفاق قد يكون ممكناً.

واسمحوا لي، قبل أن أضيف أي شيء آخر، أن استبق عشاق نظريات المؤامرة الذين سيُسرعون لاتّهام السعودية بأنّها "باعت" القضية الفلسطينية، إذ سيزعم هؤلاء أنّ ما يؤكّد صحّة نظريّتهم هو أنّ المحادثات السعودية- الأميركية – إذا ما حصلت – قد أُجريت بشكل سرّي، الأمر الذي سيجعلهم يعتقدون أنّه كان يتمّ تحضير خدعة ما. ولكن، مع احترامي لذكاء الذين يروّجون لمثل هذه الأفكار– أو بالأحرى، لذكائهم المحدود جداً – فإنّ العُرف هو أن تُعقد مثل هذه المحادثات اصلاً بشكل سرّي ولا يتمّ الإعلان عنها إلّا عند نجاحها. وما عليكم إلّا أن تسألوا الفلسطينيين عن محادثاتهم السرّية، أو أن تشاهدوا فيلم "أوسلو".

ثانياً، إنّ السعودية هي واحدة من الدول القليلة التي تُطبّق ما تنادي به. فخلافًا لطهران، لم تستند الرياض أبداً إلى مبادئ إيديولوجية، أي أنّها لم تدعُ أبداً– أو بالأحرى، لم تتظاهر بالدعوة – إلى رمي اليهود في البحر مثلما فعلت إيران (بينما كانت تحصل على الأسلحة من إسرائيل بشكل سرّي، كما فعلت خلال حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي). وفي الواقع، وجدت السعودية نفسها، منذ انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991، في طليعة الساعين للتوصّل إلى اتفاق سلام يُعطي الأولويّة لحقوق الشعب الفلسطيني ويعترف، في الوقت نفسه، بدولة إسرائيل ويقدّم لها الضمانات التي تحتاجها.

وللتذكير فقط، إنّ الملك الراحل عبد الله هو من قدّم لإسرائيل مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها جامعة الدول العربية في العام 2002، كما أجرى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مقابلةً مع مجلة "ذي أتلانتيك" العام الماضي، أشار فيها إلى أنّ المملكة تعتبر إسرائيل "حليفاً محتملاً".

ووفق التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية، قال ولي العهد "إننا لا ننظر إلى إسرائيل على أنّها عدو، بل حليف محتمل ويوجد الكثير من المصالح التي يمكننا أن نسعى لتحقيقها معاً". واعتبر أنّه "يجب أن نحلّ بعض المسائل قبل الوصول إلى تلك المرحلة"، معرباً عن أمله في حلّ النزاعات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ثالثًاً، يجب النظر إلى الجانب المرتبط بالمطالب السعودية الإضافية التي يتمّ التحدّث عنها منذ أواخر عام 2022. فكما قلت في المقال الذي كتبتُه في شهر آذار (مارس) الماضي، لطالما كان التوصّل إلى حلّ عادل للفلسطينيين على رأس قائمة أولويات المملكة. ولكن، فلنفترض أنّ إسرائيل اتّخذت خطوات جادّة ومرضية نحو التوصّل إلى حلّ، وأصبحت فجأةً معاهدة تطبيع العلاقات والسلام بين السعودية وإسرائيل حقيقةً ممكنةً، فما التبعات التي ستترتّب على ذلك؟

إذا ما تمّ توقيع مثل هذه المعاهدة، لا يجب أن يبقى لدى الولايات المتحدة أية مخاوف بشأن البرنامج النووي السعودي (الذي لطالما كان سلمياً على أي حال)، كما أنّه لا يجب أن يكون لديها أي تحفّظات بشأن تحويل التزاماتها الشفهية بحماية المملكة إلى معاهدة مكتوبة. ففعلياً، لم تشكّل إسرائيل أبداً تهديداً أمنياً للسعودية، إلّا أنّ توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل سيعني أنّ التهديد الحقيقي الوحيد للمملكة سيتمثّل بإيران والحوثيين. وهذا بالطبع، على افتراض أنّ إيران لن تلتزم اتفاق السلام الذي وقّعته مع الرياض بوساطة صينية. ونظراً إلى أنّ إيران تنعت الولايات المتحدة بـ"الشيطان الأكبر" فيما ينادي الشعار الرسمي للحوثيين بـ"الموت لأميركا"، فلا يجب أن يكون لدى إدارة بايدن أي تحفّظات حيال الالتزام بمعاهدة موقّعة مع المملكة، سواء كان ذلك على شكل "حليف رئيسي من خارج الناتو" أو أي شكلٍ آخر.

وفي الواقع، إلى جانب العلاقات الراسخة والمتعددة الأوجه التي تجمع البلدين منذ 80 سنة، يُعتبر من المنطقي تماماً أن تحمي الولايات المتحدة آبار النفط من أي هجوم قد يتسّبب في نقص في الإمدادات، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة هائلة في الأسعار – وهو أمر يستطيع أي خبير اقتصادي مبتدئ أن يشرحه للمشكّكين.

إضافة إلى ذلك، سيُشكّل هكذا قرار خطوةً رابحةً ملحوظةً بالنسبة للسياسة الخارجية لإدارة بايدن التي تعرّضت لانتقادات كثيرة، خصوصاً أنّ هذا يأتي قُبيل عام انتخابي حاسم. علماً أنّ تشجيع الكونغرس للموافقة على مثل هذا القرار سيتطلّب من البيت الأبيض بذل جهد هائل على الرغم من إعلان بعض أعضاء الحزبين عن موافقتهم عليه، كما فعل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي أيّده علناً في شهر نيسان (أبريل) الماضي.

أخيراً وليس آخراً، قد تكون هذه أداة ذات حدّين نحن في أمسّ الحاجة إليها، حيث ستتمكّن، في الوقت نفسه، من لجم اليمينيين المتطرّفين في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحالية من جهة، وضمان قيام دولة للفلسطينيين بشكل قاطع من جهة ثانية.

ولعلّ أفضل من وضّح الأمر، هو زميلنا الموقّر توماس فريدمان في مقال له نُشر في صحيفة "نيويورك تايمز" وجاء فيه: "سيتعيّن على ائتلاف نتنياهو الحاكم، والمكوّن من اليهود المتعصبين والمتطرّفين، الإجابة عن هذا السؤال: يمكنكم ضمّ الضفة الغربية أو إقامة سلام مع السعودية والعالم الإسلامي بأسره، إلّا أنّه لا يمكنكم الحصول على كلا الأمرين. ما الذي ستختارونه إذًا؟".

أُعيد وأكرّر، أن لا شيء مما قيل أعلاه هو رسمي، ولكن حتّى إمكان حصول ذلك يشكّل خطوةً كبيرةً إلى الأمام بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، كما للسعودية التي اعتمدت سياسةً خارجيةً جديدةً ومميّزةً لا تصون الازدهار الهائل الذي حقّقته رؤية 2030 فحسب، بل تطمح أيضاً إلى أن تكون قوةً تُناصر الخير في كل أنحاء المنطقة والعالم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات