هل يكره اليمنيّون "آل البيت"؟


جراسا -

لا تزال غالبية الشباب اليمني في حالة من الحيرة والتعثر بين قتال من أجل الدفاع عن الانتماء العقائدي والفكري، أو القتال لمحاربة المشروع السياسي الهاشمي الذي رفعت رايته جماعة "أنصار الله"أو "الحوثيون"، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014، ومنها إلى مختلف المحافظات والمدن اليمنية.

رغم أن اليمن يعيش نوعاً من الانقسام والحرب الأهلية، فإنه يشهد كذلك حالة من التمييز الطبقى والطائفي بين فئات المجتمع، في ظل تمدد النظرة الاستعلائية للسادة الهاشمية، واستغلال جماعة "الحوثيين" للمشروع السياسي لـ"آل البيت"، في شرعنة السيطرة على السلطة، وزعمها الأحقية الإلهية في الحكم.

يرفض السواد الأعظم من الشارع اليمني ما يفعله أنصار جماعة "الحوثيين" الموالية للنظام الإيراني، من فرض سطوتهم، وتغلغلهم في مفاصل الدولة اليمنية، سعياً إلى إعادة "نظام الإمامة"، وتدشين "دولة الأئمة اليمنية" التي سقطت على يد "الضباط الأحرار" عام 1962.

عمدت جماعة "الحوثيين" في سبيل تحقيق مصالحها وأهدافها، إلى تغيير "هوية الدولة اليمنية"، وعدلت بنيتها السياسية والاجتماعية، مستوحية منطلقاتها الحركية والفكرية من الأطر النظرية للثورة الخمينية، لا سيما في ظل إعجاب قياداتها بالنموذج الإيراني، وإيمانهم بأن آية الله الخميني قائد صالح يجب الاقتداء به.

في نهاية عام 2020، نشرت السفارة اليمنية في الولايات المتحدة الأميركية، تقريراً حول مسارات الغزو الإيراني للدولة اليمنية عن طريق جماعة "الحوثيين"، التي عملت على ترسيخ "الثقافة الفارسية"، عن طريق استهداف اللغة العربية وغلق أقسامها في الجامعات، واستبدال أقسام اللغة الفارسية بها، وفرضها مناهج تعليمية ودينية وعقائدية تدعم الفكر الشيعي الإثني عشري، وإطلاق أسماء رموزها على دفعات التخرج في الكليات والمدارس المختلفة، بهدف صناعة حالة من التبعية الفكرية والسياسية لـ"الأجندة الإيرانية التخريبية"، في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

هيمنة السياسة الإيرانية على الدولة اليمنية تدور في فلك موقعها الاستراتيجي وتحكمها بأهم ممرات الطاقة والتجارة العالمية، واعتبارها نقطة انطلاق رئيسية في إطار سياساتها لتوسيع علاقتها ونفوذها عربياً وأفريقياً، فضلاً عن سعيها إلى مد دائرة مذهبها الفكري، وصناعة ولاءات شيعية في عمق دول الخليج العربي، واستنساخ نموذج "حزب الله" اللبناني في الداخل اليمني من خلال جماعة "الحوثيين".

يتبع رموز جماعة "الحوثيين" التي تنتمي إلى طائفة الشيعة الزيدية، المعتقد "الجارودي"، المتقارب مع "الشيعة الإثني عشرية"، (رغم الاختلافات الفكرية)، القائم على التشبث بالإطار السياسي الثوري كمفهوم لـ"نظرية الحكم"، ويرى أن القتال يمثل الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة، اتفاقاً مع استراتيجية "التغيير من أعلى"، أو المواجهة المسلحة المباشرة مع رأس الدولة، وفقاً لأدبيات الجماعات الأصولية المتطرفة.

لم تترك جماعة "الحوثيين"، فرصة إلا واستغلتها في صبغ مفاصل الدولة بالأدبيات الفكرية للمذهب "الجارودي"، الذي يرسخ أحقية "الهاشميين" في الحكم اصطفاءً واختياراً دون غيرهم، فضلاً عن تمييزهم عن بقية مكونات المجتمع اليمني، واستئثارهم بمقدرات الدولة ومؤسساتها، سعياً إلى بناء نظام يلبي طموحاتهم السياسية في محاكاة النظام الثوري الإيراني.

تدمير الميليشيات "الحوثية" مخلتف الجوانب الحياتية، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خلق حالة تمردية على المد السلالي الطائفي، وعلى النزعة "الهاشمية" التي يلتحف بها "الحوثيون"، لمنح أنفسهم غطاء القداسة وتبرير جرائمهم ضد اليمنيين.

ويسود المجتمع اليمني انقسام بين أتباع "النزعة الهاشمية"، وأنصار "الحركات القومية المدنية" التي خرجت من رحم الأوضاع الراهنة، وتنادي بإعادة إحياء مفهوم الهوية القومية اليمنية، في إطار انبعاثي قائم على ثوابت الدولة الوطنية، ومن أشهرها "منتدى معد القومي"، وحركة "أقيال"، و"نادي الأكليل"، وتنضوي تحت مناقشات واجتهادات لمجموعة من النخب الفكرية والثقافية، من خلال صوغ سردية شاملة للذات اليمنية قائمة على المكاشفة السياسية والفكرية للمأساة اليمنية والحلول المرحلية والاستراتيجية، وعبر ثلاثة محاور متمثلة في "أهمية القومية اليمنية"، و"الهويات القومية الدخيلة على القومية اليمنية"، و"الهوية القومية وعلاقتها بالدين والثقافة".

وتعتبر حركة "أقيال" من أنشط الحركات المدنية الحالية التي تعمل على وقف تمدد المشروع السياسي الهاشمي، وتعني "أبناء الملوك وأحفادهم من الممالك اليمنية التاريخية المذكورة في القرآن"، أمثال "مملكة سبأ"، و"قوم تبع"، وقد تم تدشينها مطلع عام 2017، على أيدي عدد من المفكرين والسياسيين والإعلاميين المقيمين خارج صنعاء.

ترى حركة "أقيال" أن "الهاشميين" دخلاء على المجتمع اليمني، وقدموا من طبرستان إلى منطقة الرس في الحجاز ثم إلى اليمن، بقيادة الهادي يحيى بن القاسم الرسي، عام 284 هـ، وقد استولوا على الحكم نحو ألف عام، قبل إنهاء حكمهم في ثورة 1962 التي أسست للجمهورية اليمنية.

تضع حركة "الأقيال"، ضمن أهدافها، إعادة إحياء مفهوم الهوية اليمنية، والمجابهة الفكرية والثقافية للمشروع السياسي الهاشمي، وتعمل على تأسيس الدولة القومية الوطنية بمضامينها الحديثة، ومن أبرز أعضائها محمد المقبلي، وهمدان العليي، ووسام الغباري، وكامل الخوداني وضحى مرشد وغيرهم.

رغم انتفاض "الحركة المدنية" في مقابل تمدد الهاشمية السياسية، فإنها لم تلق قبولاً كاملاً من مختلف أطياف المجتمع اليمني في ظل ارتباطها بجذور السلالة "الحميرية"، وتعزيز الانتماء إليها، ومن ثم دورانها في نطاق مساحة التمييز الطائفي والحراك العرقي من جديد.

ويرى بعض اليمنين، أن هذه الحركات تعمل على مواجهة العنصرية بعنصرية، وتساهم في إنتاج فرز طبقي وسلالي يهدد قيم التعايش في المجتمع اليمني ويزيد من قوة الشرخ في النسيج الاجتماعي، وأن مجمل خطابها يخالف مخالفةً واضحة وصريحة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

في نهاية المطاف، لا يكره اليمنيون سلالة آل البيت الممتدة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لكنهم يكرهون إخضاعهم وإذلالهم واحتقارهم باسم "آل البيت"، أو إقصاءهم أو حرمانهم من حقوقهم الإنسانية والاجتماعية والسياسية في إطار مشروع سياسي قمعي مغلف بعباءة "آل البيت".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات