ماذا عن الـ500 يوم المقبلة في أوكرانيا؟


جراسا -

في مناسبة مرور 500 يوم على الحرب الروسية- الأوكرانية، أعلنت الولايات المتحدة، تزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، في نقلة نوعية في السلاح الذي يقدّمه الغرب لكييف منذ بدء الحرب.

الإعلان الأميركي أتى أيضاً بعد شهر من الهجوم الأوكراني المضاد. وكل المعطيات الواردة من الميدان تلاحظ أنّ الهجوم بطيء وأنّ القوات الأوكرانية تتقدّم بصعوبة لم تكن متوقّعة لا في كييف ولا في العواصم الغربية، التي قدّمت للجيش الأوكراني قبل أشهر، مئات الدبابات المتطورة والعربات القتالية ومدافع الهاوتزر ومئات الآلاف من القذائف المدفعية.

القنابل العنقودية التي قال البنتاغون إنّه وافق على تزويد الجيش الأوكراني بها، بعد تعهّد من كييف بعدم استخدامها ضدّ أهداف مدنية، الغاية منها إعطاء دفع للهجوم المضاد. وفي الوقت نفسه لا يزال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يواصل سؤال الغرب عن مقاتلات "إف-16"، من أجل إحداث عنصر توازن مع سلاح الجو الروسي، وتوفير غطاء جوي للقوات المتقدّمة.

وبالتزامن مع القمّة الأطلسية، ستحصل أوكرانيا على مزيد من التعهّدات الغربية بتقديم المزيد من الأسلحة والمساعدات الاقتصادية. ومن غير المستبعد أن يتدرّج الدعم الغربي نحو مقاتلات "إف-16" والصواريخ البعيدة المدى، التي تطالب بها كييف.

لكن السؤال المركزي لا يزال محصوراً في نقطة واحدة. ماذا لو ذهبت الحرب في حال إستمرارها في اتجاهات غير متوقعة؟ إنّ تطوير الدعم العسكري الغربي يبقى حاملاً في طيّاته إمكان الإشتباك الغربي- الروسي المباشر في لحظة معيّنة.

الغرب وروسيا يعدّان العدّة لحرب قد تستمر سنوات. والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تهيئ نفسها لزيادة تفوق الـ 2 في المئة من إجمالي دخلها القومي، كي تواجه الحقائق الجديدة التي فرضتها الحرب. وزيادة الإنفاق على الدفاع سيكون على حساب القطاعات الإنتاجية الأخرى، وعلى حساب الخدمات المقدّمة للمواطنين. وهذه معامل إنتاج الذخائر في أوروبا تعمل من جديد، لتلبية الحاجات الأوكرانية، وفي الوقت نفسه تخطّط الحكومات الأوروبية لإنفاق المزيد من موازناتها على إعادة تأهيل جيوشها، كي تكون قادرة على تمويل قوة من 300 ألف جندي أطلسي، يوضعون على أهبة الإستعداد للتدخّل في حال توسّعت الحرب. وهذا احتمال سيكون أكثر وروداً كلما ألقى الغرب بثقله خلف تحقيق انتصار أوكراني واضح في أرض المعركة.

وكل دبابة وعربة قتالية يخسرهما الجيش الأوكراني، سيتعيّن على دول الأطلسي توفير البديل منهما. لم تعد المسألة مسألة دفاع عن أوكرانيا فحسب، إنّها بحسب تعبير رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة المنتهية ولايته الجنرال مارك ميلي، هي دفاع عن النظام العالمي، الذي أعلن الرئيس الروسي الحرب عليه، لحظة اتخاذه قرار الغزو في 24 شباط (فبراير) 2022. إذن هي حرب أوسع من أوكرانيا في التفكير الأميركي العميق.

لا تتوقف الولايات المتحدة عن تحذير الصين من مغبّة مساعدة روسيا عسكرياً. وتضع الشركات الصينية تحت رقابة، صارمة لمعرفة ما إذا كانت قدّمت أي دعم للجيش الروسي. كما تفرض واشنطن ودول أوروبية عقوبات على إيران، لتزويدها موسكو بمسيّرات "شاهد-136".

لا بدّ أيضاً من الأخذ في الإعتبار، أنّ الولايات المتحدة تفاجأت بقدرة الإقتصاد الروسي على التحمّل، ولم يُصب بالأضرار التي كانت متوقّعة نتيجة العقوبات الغربية الكاسحة. كان الأمل الغربي إنهاك روسيا اقتصادياً فتعجز عن تمويل آلة الحرب، فتقبل عندها بأي تسوية تُعرض عليها.

العامل الاقتصادي لم يؤدِ الدور المتوخّى منه غربياً، وتالياً، وجدت أميركا نفسها أمام واقع يفرض عليها التركيز أكثر على العامل الميداني، فكان التطور في نوعية الأسلحة المقدّمة لأوكرانيا، والتي تدرّجت من صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات وصواريخ "باتريوت" وراجمات "هيمارس" ودبابات "ليوبارد-2" الألمانية، وتشالينجر-2" البريطانية ومدرعات "برادلي" الأميركية و"إم أكس-10" الفرنسية، واليوم القنابل العنقودية، وغداً سيأتي الدور على مقاتلات "إف-16" والصواريخ البعيدة المدى.

بعد كل ذلك، هل ثمة حاجة لأوكرانيا لتكون عضواً رسمياً في حلف شمال الأطلسي؟ بقيت مسألة إرسال قوات غربية للمشاركة في القتال.

لم يعد في الإمكان استبعاد أي إحتمال في حال استمرت الحرب، التي سقط فيها الكثير من الخطوط الحمر في غضون 500 يوم. ماذا تحمل الـ 500 يوم المقبلة؟ هذا السؤال الكبير.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات