كيف يمكن فهم شي جينبينغ؟


جراسا -

مقالة جون بومفريت ومات بوتينغر الأخيرة التي حملت عنوان ("شي جينبينغ يقول إنه يعد الصين للحرب") المنشورة في التاسع والعشرين من آذار (مارس)، هي مقالة جديرة بالاهتمام، وذلك لتسليطها الضوء على خطر آخذ في التزايد يتمثل في أحتمال وقوع حرب بين الصين والولايات المتحدة. فالعلاقات بين البلدين، اللذين يمتلكان أكبر اقتصادين وأقوى جيشين في العالم، مشحونة لدرجة أن الخبراء يجهدون لإجراء مقارنة بينهما قبل وقوع الصراع الفعلي. فكل منهما يعد العدّة لخوض منافسة استراتيجية وإعداد القوات العسكرية وحشد الشركاء في سبيل المنافسة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية المحتملة في المستقبل. غير أن الدوافع آجلة في الوقت الراهن، كما أنها آخذة في التشكل هيكلياً على نحو متصاعد. لم تكن تلك المنافسة وليدة الخطب القليلة التي ألقاها الزعيم الصيني شي جينبينغ منذ شباط (فبراير)، والتي ركز عليها بومفريت وبوتينغر في مقالتهما. والحقيقة هي أن الأمر سيكون مستغرباً لو لم تعكس توجيهات شي الرسمية واقع الحال هذه.



وكما لاحظ المؤلفان، فإنه "من السابق لأوانه أن نقول على وجه اليقين ما تعنيه هذه التطورات. فالصراع ليس مؤكداً أو وشيكاً". لكن المقالة قد تترك لدى العديد من القراء انطباعاً بأن شي قد اتخذ بالفعل قراراً بخوض الحرب (يكاد يكون من المؤكد أنه لم يتخذ هذا القرار)، وأنه واثق من أن جيشه (جيش التحرير الشعبي) مستعد للقتال في هذه الحرب والانتصار فيها (ومن المحتمل أن جيشه غير مستعد)؛ وأن سكان بلاده واقتصادها مهيؤون لسنوات من التقشف والخسائر القتالية والأضرار التي ستلحق بالبنية التحتية جراء الصواريخ أو الهجمات الإلكترونية أو نقص الموارد (وهم ليسوا مهيئين لهذا).



قتال أم كفاح؟

جاء في مقالة بومفريت وبوتينغر أن شي طلب من جنرالاته "الاستعداد على القتال". يبدو أن تلك العبارة كانت جزءاً من توجيه شامل خلال افتتاح المجلس التشريعي الصيني في السادس آذار، دون أن تكون تلك العبارة توجيهاً لجيش التحرير الشعبي الصيني وحده. (علاوة على ذلك، وفقاً لخبراء اللغة الصينية الذين استشرتهم، فإن الترجمة الأكثر شيوعاً للعبارة هي "الاستعداد للكفاح"؛ حيث إن الحرف الصيني المكتوب والمستخدم للدلالة إلى "القتال" ليس هو الحرف المستخدم عادة للإشارة إلى الصراع العسكري)، علاوة على ذلك، فقد كانت لغة شي ذات طابع قتالي في خطاباته أمام تجمعات القيادة العسكرية منذ عام 2012 على أقل تقدير. عادة ما تترجم العبارة الرئيسية هكذا "إن السبيل إلى كونك ذا جيش قوي هو أن تكون قادراً على القتال والانتصار في المعارك"، مع إشارة خفية إلى أن "جيش التحرير الشعبي غير قادر في الوقت الحاضر".



لم تأخذ مناقشة بومفريت وبوتينغر بعين الاعتبار تفاعل شي مع الجيش منذ توليه القيادة عام 2012، إذ قام شي بسجن أكبر ضابطين، كما حاكم الآلاف من الضباط بتهمة الفساد، وقاد جيش التحرير الشعبي إلى إعادة تنظيم كانت مؤلمة وبقيت مستمرة. قد يخال المرء أن شي لا يثق بالجيش الذي لم يخض غمار صراع كبير منذ عام 1979، وأن شي لا يزال يشك في قدرة الجيش على "القتال والانتصار" على خصم عسكري قوي.


والأمر الذي يحمل دلالة أكثر من توجيهات شي للجيش، كما كتب دينيس بلاسكو، هو أن "التقييمات العامة لقدرات الجيش التحرير الشعبي قد غدت أكثر حدة خلال فترة ولاية شي كرئيس للجنة العسكرية المركزية، وخاصة في ما يتعلق بحالة القيادة على مستوى وحدة العمليات. ينطوي مجمل هذه الانتقادات على عدم الثقة في قدرات جيش التحرير الشعبي، وفشل أنظمة التعليم والتدريب لجيش التحرير الشعبي في إعداد القادة وضباط الأركان للحرب المستقبلية ".


إلى ذلك، فقد أشار بومفريت وبوتينغر إلى أن حكومة شي "أعلنت عن زيادة بنسبة 7.2 في المئة في ميزانية الدفاع الصينية، والتي كانت قد تضاعفت خلال العقد الماضي". بنى جيش التحرير الشعبي بالفعل جيشاً هائلاً وحديثاً من حيث المعدات والمرافق والقاعدة الصناعية الدفاعية، وبحسب بعض المقاييس، فقد أصبح لدى شي حالياً أكبر أو ثاني أكبر تشكيلات بحرية في العالم. لكن ذلك تحقق على مدى عشرين عاماً، وقد بلغ متوسط الزيادات السنوية في ميزانية الدفاع حوالي 15 في المئة قبل الأزمة المالية العالمية، وتتضاعف هذه الميزانية كل خمس سنوات. هذا وقد انخفض النمو الحقيقي في ميزانية جيش التحرير الشعبي إلى النصف منذ عام 2009 إثر تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني. كانت الموارد المتاحة للجيش كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للصين ثابتة منذ تسعينات القرن العشرين، لتنخفض ميزانية جيش التحرير الشعبي كنسبة مئوية من إجمالي إنفاق الحكومة المركزية. إن إنفاق الصين على الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى أكبر من إنفاقها العسكري. صحيح أن هذا لا ينفي التهديد الذي يشكله جيش التحرير الشعبي، لكن النمو في قدراته كان عملية طويلة، ولم يكن استعداداً للحرب.


يتطرق بومفريت وبوتينغر إلى وصف القوانين التي تمت الموافقة عليها مؤخراً، أو القوانين المقترحة التي تحكم الشؤون العسكرية والتعبئة، بما في ذلك تنظيم قوات الاحتياط وإدارة القانون الجنائي من قبل الجيش أثناء الحرب، وهما يستشهدان في ذلك بافتتاح مراكز تعبئة وتجنيد جديدة، بما فيها المراكز الموجودة في مدن على الساحل الشرقي للصين قبالة تايوان. لكن المؤلفين أغفلا ذكر ثمانية قوانين على الأقل سُنّت منذ عام 1997 لتقنين الحقوق والمسؤوليات والخدمة العسكرية، والعلاقات المدنية-العسكرية. ويبدو أن العديد من تلك الحقوق مصمم لتحسين قدرة الصين على شن حرب طويلة الأمد أو التعامل مع تحديات رئيسية أخرى، والتكيف مع جيش التحرير الشعبي الذي أعيدت هيكلته، فضلاً عن تعزيز تبني الجيش للابتكارات التكنولوجية المدنية. لكن لا يبدو أن القوانين تلك تشير إلى قرار بخوض حرب على المدى القريب (وهو ما سيتضح في مجموعة متنوعة من التحركات نحو التعبئة، التي ذكرتها موجزةً في ورقة بحثية حديثة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي).


ويشير بومفريت وبوتينغر إلى التعليقات الختامية العدوانية، الموجهة إلى الولايات المتحدة، والتي أدلى بها شي في مارس خلال المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، حيث قال: "لقد طبقت الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، الاحتواء بحقنا من كل الاتجاهات، وقامت أيضاً بتطويقنا وقمعنا، الأمر الذي جلب تحديات خطيرة غير مسبوقة لتنمية بلادنا". لكن بومفريت وبوتينغر لم يذكرا السبب الأكثر ترجيحاً والذي جعل شي "يمتنع عن ممارسة" تتمثل في عدم وصف الولايات المتحدة بالخصم: فقبل شهر، كان خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس جو بايدن قد ذكر شي باسمه مرتين، ليكسر بذلك امتناعاً أشد ويحذر من أن "الفوز في المنافسة [ضد الصين] يجب أن يوحدنا جميعاً". اختتم بايدن بسؤاله: "سموا لي زعيماً عالمياً سيتبادل المواقع مع شي جينبينغ؟ اذكروا لي واحداً، أعطوني اسماً واحداً"، كان هذا السؤال تهكماً شخصياً اختار شي عدم الإشارة إليه.


يد وحدها لا تصفق

أتفق مع تحذير بومفريت وبوتينغر من أننا يجب أن نأخذ شي على محمل الجد عندما يتعلق الأمر بتايوان والحرب المحتملة مع الولايات المتحدة. لكن الصين لم تتخذ بعد قرار خوض الحرب، لتبقى تايوان بالنسبة لشي أزمة يجب تجنبها، وليست فرصة يجب أن يغتنمها.



من المؤكد أن شي والمسؤولين الصينيين الآخرين يأخذون بايدن والأصوات الأكثر تطرفاً في الولايات المتحدة على محمل الجد. أدلى كبير مسؤولي البنتاغون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إيلي راتنر، بشهادته أمام مجلس الشيوخ في كانون الأول (ديسمبر) 2021 قائلاً:

"بالإضافة إلى توفير الأسلحة والخدمات الدفاعية لتايوان، لا تزال وزارة [الدفاع] ملتزمة بالحفاظ على قدرة الولايات المتحدة على مقاومة اللجوء إلى القوة أو غيرها من أشكال الإكراه التي قد تعرّض أمن الشعب في تايوان للخطر. اسمحوا لي أن أكون واضحاً في أن هذه أولوية مطلقة: إن جمهورية الصين الشعبية هي التحدي الذي تواجهه الإدارة والطوارئ في تايوان، في سيناريو متسارع الوتيرة. إننا نعمل على تحديث قدراتنا وتحديث وضع القوات الأميركية، وتطوير مفاهيم عملياتية جديدة وفقاً لذلك".


يبدو هذا شبيهاً بما صدر عن بكين واستشهد به بومفريت وبوتينغر في الأشهر الأخيرة.


إذا تجاهلت تايوان أو الولايات المتحدة الخطوط الحمراء للصين، فستتحرك بكين بسرعة لإجراء أعمال عدائية من أجل إعادة الأمور إلى الوضع الراهن، فإذا فشل ذلك، فإنها ستفرض الوحدة بين تايوان والبر الرئيسي بالقوة. يجب على صناع السياسة في الولايات المتحدة أن يأخذوا هذا الخطر على محمل الجد، لكن هذا ما كانت الحال عليه منذ عقود، وسيظل الأمر هكذا في المستقبل المنظور.



واليوم باتت الصين وتايوان والولايات المتحدة على شفا الصراع أكثر من أي وقت مضى على الأقل منذ سبعينات القرن العشرين. وقد يؤدي التأهب المتزايد لجيش التحرير الشعبي الصيني، سواء بحلول عام 2027 أو بعده، إلى جعل بكين أكثر عرضة للمخاطر. لكن الدخول في حرب مع الولايات المتحدة بسبب تايوان سيظل محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني كما للصين، فالحرب خطوة لن يتخذها شي إلا إذا استنفدت الخيارات الأخرى.



*جون كولفر هو زميل أقدم غير مقيم في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي. خدم لمدة 35 عاماً كضابط في وكالة الاستخبارات المركزية، شمل هذا العمل كضابط المخابرات الوطنية لشرق آسيا من 2015 إلى 2018.

*******

رد بومفريت وبوتينغر

جون بومفريت ومات بوتينغر



قرأنا باهتمام مقالة محلل الاستخبارات السابق جون كولفر رداً على مقالتنا "شي جينبينغ يقول إنه يعد الصين للحرب: على العالم أن يأخذه على محمل الجد".

يشير كولفر إلى أن القدرة القتالية الهائلة للحزب الشيوعي الصيني هي نتيجة لجهود استمرت لعقود بدأت قبل وصول شي جينبينغ إلى سدة الحكم. وهذا صحيح.


كتب كولفر أن محركات التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين "الدوافع آجلة في الوقت الراهن، كما أنها آخذة في التشكل هيكلياً على نحو متصاعد"، وإننا لنتفق معه تماماً. يجادل كولفر بشأن الترجمة الرسمية الشائعة في بكين لعبارة "الاستعداد للقتال". هنا أيضاً، نتفق مع كولفر على أن الترجمة الأفضل ستكون "الاستعداد للكفاح" - على الرغم من أن معنى (الكفاح) غالباً ما يشمل العنف والحرب، بما في ذلك في السياق الذي اقتبسناه في مقالتنا.


النقطة الأساسية التي طرحها كولفر هي أنه على الرغم من أن بكين قد بنت - ولا تزال تبني - آلة حرب مخيفة، وعلى الرغم من أن شي قد ألقى خطابات مؤخراً تؤكد أهمية الاستعداد للحرب، وأن للصين قوانين متقدمة من شأنها تسهيل التعبئة في زمن الحرب، لكن لا شيء من هذا يعني أن شي قد اتخذ بالفعل قراراً بالذهاب إلى الحرب على المدى القريب. من الصعب الجدال في هذه النقطة أيضاً. في الواقع، لقد كتبنا (كما يلاحظ كولفر) أنه من السابق لأوانه أن نقول على وجه اليقين ما تعنيه هذه التطورات. فالصراع ليس مؤكداً أو وشيكاً".


ولكن من منظور صنع السياسات، نعتقد أنه سيكون من الحكمة أن تفترض تايبه وطوكيو وواشنطن وعواصم أخرى أن هناك احتمالاً جدياً بأن يقرر شي شن حرب خلال فترة حكمه كزعيم أعلى للصين. يرتكب الدكتاتوريون أحياناً عدواناً تماماً في الوقت الذي يعتقد فيه المراقبون الخارجيون أنهم لا يستطيعون أو لا يريدون شن عدوان. والشاهد على ذلك الكارثة التي فتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بابها على أوكرانيا، هو بوتين الرجل الذي يصفه شي بأنه "صديقه الأفضل والأقرب إليه". لقد دمر بوتين الكثير من جيشه وجعل روسيا تابعة فعلياً للصين، وهذا ما توقع البعض حدوثه إذا شن بوتين حرباً كبرى على أوكرانيا. ومع ذلك فقد شن بوتين تلك الحرب.


ونظراً للفشل الجماعي لأوروبا والولايات المتحدة في ردع حرب بوتين، فإنه يجب على واشنطن وحلفائها الإسراع في تعزيز الردع في غرب المحيط الهادئ لكي يفكر شي ثلاث مرات - على رأي المثل الصيني - قبل ارتكاب عدوان ضد تايوان أو ضد أي شخص آخر. هنا قد نختلف تمام الاختلاف مع تفكير كولفر. ففي مقالته، يقتبس من مسؤول في إدارة بايدن قوله إن وزارة الدفاع الأميركية جعلت من أولوياتها الحفاظ على قدرة واشنطن على مقاومة هجوم صيني أو أي شكل آخر من أشكال الإكراه ضد تايوان. ويبدو أن كولفر، الذي تناهى إلى أسماعنا أنه مسؤول له باع طويل عبر عقود قضاها في أروقة السياسة الأميركية، يعتبر هذا التصريح استفزازياً للغاية بقوله "يبدو هذا شبيهاً بما صدر عن بكين واستشهد به بومفريت وبوتينغر في الأشهر الأخيرة". إننا نرى أن هذا تصريح لا بأس به، بالنظر إلى أننا استشهدنا باقتراح في بكين من قبل مندوب إلى المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني يوصي فيه باغتيال نائب رئيس تايوان والمسؤولين المنتخبين الآخرين بسبب ميولهم "المؤيدة للاستقلال".


كما ينتقد كولفر بايدن لذكره شي جينبينغ بالاسم في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد. لكن كولفر قد يربك واشنطن حول من هو المستفز، وقد يربك بكين أيضاً لجهة حفاظها على الوضع الراهن في مضيق تايوان، على الرغم من أن التزام واشنطن طويل الأمد بالدفاع عن الوضع الراهن ذاك وجهود شي الأخيرة لتقويضه، يجب أن توضحا أن العكس هو الصحيح.


جون كولفر وجون بومفريت ومات بوتينغر

"فورين أفيرز"



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات