كنت فيما مضى إنسان شرس في وطني , أُعشقه عشقي لاولادي, لم يستطع احد شراء ذمتي اوتجيير حبر قلمي لصالح اجندة ضده , فإستعصيت على السفارات الغربية والعربية , ورفضت ان اكون عميل او بائع لكرامه, اردت ان اكون سياسيا مرموقا فيه , فكنت كلما توجهت شرقا او غربا , او كتبت مقالة تناولت فيها حقوقه , يواجهني إعصار ينعتني بالمتملق والمتسلق ومثير الفتن وبائع للعنصرية , فعجزت ان اكون وطنيا بوطني امام المد الفاشل, فإنتبه لقضيتي أحد رؤساء الحكومات مشكورا فقال لي: يا بني انت لا تنفع ان تصبح مسؤولا في هذا الوطن , فغضبت للوهلة الاولى من حديثه , وغادرت مكتبه والحزن يعتصرني , وقررت على الفور كسر قلمي وترك الكتابة لمن يملؤون حبر اقلامهم من ادراج السفارات الغربية والعربية واصحاب الاجندة المحلية التجارية والسياسية.

ولكن قبل ان أَهَمُ بكسره جاءني الفرج من حيث لا ادري , فقد اتصل بي مدير مكتب دولة الرئيس وابلغني بخبر سار , يفيد بأن الرئيس قد قرر مشكورا نفيي لوحدي دون عائلتي الى جزيرة الحمير.

وفعلا غادرت ارض الوطن في اليوم التالي , على نفقة الحكومة بعد أن حجزت لي تذكرة على اول طائرة متجهة لجزيرة الحمير , وغادرت وطني وقلبي يتنهد من شدة الالم على فراقه , ودموعي تنسكب وتجري على مُحياي , فقلت لمن جاء من الحكومة يودعني , اقسم بالله بأنني لم اكن يوما منافسا لابنائكم على منصب, ولن اكون , ولا متحديا ومنافسا لمن جاء الى مناصب وطني بجنسيات ليست اردنية , أو يحملون معها جنسية دولة اجنبية لتنفيذ اجندة خارجية , فأنا ابن ذلك الجندي الذي حارب في الكرامة وفي غير موقعة على ارض الوطن لتكون لمن يتبجح عليّ اليوم كرامة, من الصُلع ابناء الذوات الذين لا يعرفون من تاريخ الاردن غير عام2010 وما بعد, ومن جغرافيته غير مطار الملكة علياء والدوار الرابع.

وعندما حطّت طائرتي بجزيرة الحمير, ذهُلت بعد مشاهدتي لمجتمعي الجديد , الجميع فيه سعداء لا تآمر ولا مسيرات مظاهرات ولا تنديدات , مجتمع لا ينهش بعضهم البعض, ولا يعقون موطنهم الذي يأويهم , ولا يشتكون للمحاكم, ولا يتظاهرون خدمة لغيرهم من اصحاب الاجندة , ولا يحملون جنسية غير جنسية الجزيرة التي يعيشون بها, فأعجبتني الحياة هناك, وسرعان ما تأقلمت على الوضع الجديد , وتعودت عليه شيئا فشيئا , وكنت لا افكر إلا بإلتهام الحشيش الطازج غير الملوث كتلك الاغذية التي كان التجار وكبار السياسيين في وطني يستوردونها لفقراء الوطن , وقلدت مشي الحمير وأصبحت امشي على أربع , وأنهق وأرفس دفاعا عن اهل الجزيرة اذا ما إعتدى غريب عليها , فأصبح ولائي المطلق لها , وخلال فترة قصيرة ظفرت بما أحمل من مواهب وإخلاص ووطنية بإحترام الحمير, وعشت سعيدا بينهم وتخليت عن فكرة العودة الى وطني بعد انقضاء فترة نفي, واعتزلت الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية, وطلبت من عائلتي القدوم للجزيرة , وصرنا بحمد الله من عائلة الحمير في جزيرة الحمير , لا حقد ولا كراهية ولا محاباة ولا تمييز ولا غش , الكل سواسية,إذا ُجعنا ولائنا للجزيرة وإذا شبعنا ولائنا لها .

وتحت ضغط وإلحاح شديدين من ابنائي , قررت العودة الى وطني الام لعلي اجد فيه تغييرا جذريا يريحني على الصعيد الاجتماعي والسياسي, وأحظى به بما كنت احظى به من احترام في جزيرة الحمير, ولدى توجهي الى بيتي من المطار سلكت طريقا قادني الى عمان الغربية , فشتمت الوطن ومزقت أوصاله , وسرعان ما عادت إليّ وطنيتي فتأسفت معتذرا له, وسرت قليلا حتى شاهدت راكبوا السيارات الفارهة فلعنته من جديد , ولعنت ابو اليوم الذي قررت فيه العودة اليه من جزيرة الحمير , وسرعان ما ندمت على شتمه مرة اخرى , فقرر ابني البكر محمد إصطحابي الى طبيب نفسي , لتشخيص حالتي, فسألني الطبيب : مما تشكو ؟ فقلت له اعاني من مرض خطير اسمه الوطن , تارة اشتمه وعندما يشتد الامر عليه اعود لحضنه فالعن من يلعنه , فانا محتار ايها الطبيب من هذا الوضع , ولا ادري هل الوطن يعيش بداخلي؟ ام انا اعيش بداخله؟ , الوطن يفارقني كلما اقتربت منه ولا افارقه, وبعد الفحص قرر الطبيب تشخيص المرض بقوله "" انت مصاب بالشيزوفرينيا " فصام الشخصية " .

وقفة للتأمل :قال الرئيس الامريكي الاسبق لنكولن " عندما ينتزع الراعي عنزة من براثن ذئب متوحش تعده العنزة بطلا , أما الذئب فيُعد دكتاتورا , وهذا يشابه الى حد ما , ما يجري في وطني , إذْ ينظر البعض من كبار الساسة فيه الى الفقير ابن الجندي او الفلاح اذا ما اصبح وزيرا او سفيرا او رئيس للوزراء على انه دكتاتور , لانه اعتدى على حق من حقوق ابنائهم , واذا ما حصل احد ابنائهم على وزارة او منصب بالوراثه فيمثل ذلك قمة العدل والانسانية".

Quraan1964@yahoo.com

*عضو اتحاد الكتاب والادباء الاردنيين