اخلاف الوصية .. !


 

دأبتُ بداية تعييني منذ زهاء (٢٢) عاماً على تفقد عجوز سراً ، حيث أوصت والدتي - رحمها الله - بأن أتفقدها سرًا في كل عيد وزيارة ، لأنّ والدتي تعرفها و ليس لها أبناء وتعيش في بيت صغير ، و كنت كل عيد أزورها وتستقبلني بحفاوة، وعندما تزوجتُ أصبحت أزورها بين الحين والأخر وأجلس عندها برهة من الزمن حتى زوجتي والمقربين لا يعرفون ذلك

 فقد كنت أتكتم على زيارتها ، كنت في تلك الفترة أسكن في بيت مستأجر أدفع مبلغ (٧٥) ديناراً ومشارك في جمعية (١٠٠) دينار ، حيث لا يتبقى من راتبي إلا (٥٥) ديناراً ، شعرت لاحقا بعد فوات الآوان أن الله تعالى يبارك في راتبي فترة ترددي على العجوز و أصبحت أشعر ببركة في راتبي القليل فترة ما بعد زيارتي للعجوز

حتى أنني كنت أعمل الولائم ،وأذهب لكل مناسبة، وأقدم الواجب وكأنني أملك راتباً كبيراً وقتها كانت زوجتي لا تعمل ومع ذلك لا نقصر مع الجميع ، رغم أنهم كانوا ينتقدوننا ويقولون بأنكم ليس عليكم عتب ؛ فأنت مستأجر و عندك ولد وبنت (آنذاك ) ويحتاجون للرعاية والمصروف - وقتها لم أكن معروفاً لا كاتباً ولا إعلامياً فلو كنت هكذا في تلك الفترة لأرجعوا سبب ما كنت أقوم به من سخاء هو حصولي على مبالغ من الإعلام و الكتابة، لأنني لم أكن قبل (١٧) سنة إعلاميا حتى الآن لا أتقاضى فلسا واحد بل أدفع من جيبي الخاص تمويلا للكتابة وأتكلف عناء المشقة بالبحث عن سيرة المقصود .

استمريت بزيارة العجوز وأصبحت أغدقها بالمال وتقوم بالدعاء: "الله يرزقك بيتا وسيارة ويفتحها عليك يا يوسف" .

بعد سنوات من ذهابي للعجوز اشتريت بيتاً وبعدها سيارة ، فاجتهد عليّ الشيطان وأصبح يحدثني في نفسي، ليش تفتح عليك العيون بزيارتك لهذه العجوز ، فغدا يقولوا وضعك ممتاز بعد شراء البيت والسيارة، وزوجتك لا تعمل .

عمدتُ إلى هجران العجوز وعدم زيارتها وكنت فترة شرائي البيت أمرُّ بضائقة مالية كبيرة حتى أنني كنت ألبس ملابس الأصدقاء وأحرم أبنائي من الألعاب والملابس بسبب ضيق الحال والغريب العجيب أن راتبي تحسن بعد سداد قرض شراء البيت فازداد الأمر سوءاً ، حتى أنني أوقفت العزائم وحضور المناسبات منذ سنوات ، باستثناء حضور الجنائز وأصبحنا نمتنع عن دعوة المقربين لبيتنا بسبب ضيق الحال 

فلما حدثت أحد المشايخ أصحاب الحكمة والبصيرة قال لي :" أخرج من أمامي سريعاً ، فقد تملكني الغضب منك، كيف تخل بوصية والدتك و كيف تهجر تلك العجوز التي والله أعلم ربنا رزقك بحكم ما تقدمه لها من أعطيات،؟؟!! عليك فورا بمعاودة زيارة العجوز حتى يتغير الأمر ويطرح الله تعالى البركة في مالك وأهلك " فأجبته على استحياء:" إن العجوز التي كنت أتردد عليها توفيت بعد أشهر من هجراني لها بعدما اشتريت البيت والسيارة، و كنت أحاول الرجوع لزيارتها بعدما اكتشفت أن البركة كانت تحل علينا عندما كنا نزورها 

وقتها قام الشيخ وتركني في مجلسي وهو يتمتم بكلمات لم أفهمها لدرجة أنني أصبحت عندما أشاهده في مجلس أخفي وجهي عنه خجلا منه ، كما أنني في غاية الخجل بعد أن أقوم بسرد هذه الواقعة للناس من أجل أن يتعضوا حتى لو كان على حسابي ، فأنا كنت باراً وفيا لوالدتي- رحمها الله -أثناء حياتها وبعد مماتها والله تعالى يعلم ذلك ولكن تقاعسي وخجلي وشكوكي منعتني من الاستمرار في زيارة العجوز التي والله أعلم كانت تدعو لنا في كل زيارة ، فلم توقفنا عن زيارتها رفعت البركة في أحوالنا ، أتمنى ألا تتغير نظرة المقربين تجاهي فأنا أسرد هذه المواقف الصعبة من باب الموعظة، فهذه عجوز غريبة أكرمنا الله بفضل دعائها، فكيف من يهتم بوالدته ووالده والمقربين .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات