وساطة إيطالية بين تونس وصندوق النقد


جراسا -

بدعوةٍ من الرئيس قيس سعيد، تبدأ رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، زيارة صداقة وعمل إلى تونس، اليوم الثلاثاء. وتؤكد مصادر سياسية في تونس، أنه سيتم طرح ملفين أساسيين على جدول المباحثات الثنائية: الأول يتعلق بالهجرة غير النظامية «غير الشرعية»، والمجهود المشترك للتصدي لها.. والملف الثاني والأكثر أهمية يتعلق بالدعم الإيطالي للملف التونسي لدى صندوق النقد الدولي في محاولة لحصول تونس على قرض «1.9 مليار دولار» على مدى أربع سنوات.. ومن المرجح أن يستعرض الرئيس سعيد خطة نسف «اقتصاد الريع» وصور الفساد الاقتصادي المتراكمة منذ عقود.

يذكر أن ميلوني تحدثت هاتفيًّا يوم الجمعة الماضي مع رئيس الجمهورية، قيس سعيد مؤكدة خلال المكالمة دعم إيطاليا في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وفي إدارة تدفقات الهجرة.
تفهُّم إيطاليا لأهمية دعم مسار التصحيح الاقتصادي في تونس
وكانت ميلوني دعت صندوق النقد الدولي خلال قمة الدول السبع بهيروشيما «اليابان» أواخر شهر مايو/ أيار الماضي، إلى تبني نهج «عملي» لصرف تمويل لتونس دون شروط مسبقة. ومن جانبه أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار، في كلمة ألقاها في حفل أقيم بمناسبة عيد الجمهورية الإيطالي، أن «تفهُّم إيطاليا الصحيح لأهمية وضرورة دعم مسار التصحيح السياسي والانتعاش الاقتصادي الجاري في تونس مهمّ للغاية بالنسبة لتونس ولعلاقاتها معها».



صندوق النقد الدولي البوابة الرئيسية للاقتراض الخارجي
وتعدّ حاجة الحكومة التونسية إلى الاقتراض الخارجي حيوية في مخطّط مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد، ولذلك رغم الرقم القياسي للاقتراض الداخلي، رغم تداعياته على النظام النقدي، ورغم توسيع دائرة الموارد الضريبية، تعوّل الحكومة، بدرجة أولى، على المانحين الدوليين للاقتراض، والبوابة الرئيسة هي صندوق النقد الدولي، الذي تم الاتفاق معه، على مستوى الخبراء، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 على برنامج اقتراض بقيمة 5.7 مليار دينار «1.9 مليار دولار» على مدى أربع سنوات.

ورغم أن القرض المنتظر من صندوق النقد الدولي لا يكفي لتجاوز أزمة التوازنات المالية في تونس، إلا أن أهمية القرض تظهر كشرط لفتح باب اقتراض تونس من شركائها الدوليين. وتتمازج، في هذا الجانب، الحسابات الاقتصادية الفنية من جهة مع الحسابات السياسية من جهة أخرى.
تونس ترفض شروط و«إملاءات» صندوق النقد
ويربط صندوق النقد الدولي منح القرض ببرنامج «إصلاحات» توصف من معارضيها بأنها «إملاءات» لما يحمله البرنامج من كلفة اجتماعية باهظة «مرتبطة أساسًا بتخفيض مخصّصات الدعم وتجميد الأجور»، ولذلك جاء القرار السياسي رافضًا لإبرام الاتفاق النهائي، إذ أعلن رئيس الدولة قيس سعيد، رفضه ما وصفها بـ «الإملاءات من الخارج»، محذرًا من آثارها على السلم الأهلي.

ويرى خبراء المال والاقتصاد في تونس، أن رفض الرئيس التونسي إبرام الاتفاق النهائي مع الصندوق، يحمل احتمالين: إما هو انعكاس لحالة ارتباكٍ حول مبدأ عقدِ اتفاقِ قرضٍ مشروطٍ ببرنامج «الإصلاحات».. وإما محاولةٌ أخيرةٌ للضغط على إدارة الصندوق للتقليص من حدّة بعض الإجراءات، على الأقل على مستوى الجدول الزمني لتنفيذها، بغاية التخفيض من الآثار الاجتماعية، خاصة في ظل الرفض القاطع من الاتحاد العام للشغل لحزمة الإجراءات.


وتواجه تونس مواقف الدول الغربية بربط الدعم والمنح بالتوقيع على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وأكد المفوّض الأوروبي للاقتصاد، باولو جنتيلوني، خلال زيارة لتونس في شهر مارس/ آذار 2023، على شرط الاتفاق مع صندوق النقد لتقديم مساعدات أوروبية إضافية.. بينما تقدم إيطاليا الجهود لتوفير مساعدات أوروبية دون ربطها بقرض صندوق النقد على الأقل على مستوى الشريحة الأولى، وذلك بعنوان منع تونس من «الانهيار» وما يعنيه ذلك من تدفق المهاجرين إلى سواحل جنوب أوروبا.

فرنسا وألمانيا، القوتان الرئيستان في الاتحاد الأوروبي، يضغطان، على خلاف روما، للدفع نحو توقيع تونس على اتفاق صندوق النقد الدولي. وفرنسا، الشريك الاقتصادي الاستراتيجي مع تونس، تعتبر أن اتفاق الصندوق هو شرط لا مفرّ منه لجعل المقرضين الدوليين يوفّرون حاجيات التمويل المطلوبة.
الرئيس قيس سعيد، يرى أن شروط صندوق النقد الدولي، هي بمثابة عود ثقاب يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار، وذكَّر بالأحداث الدامية التي سقط خلالها مئات الشهداء في 3 يناير/ كانون الثاني 1984 حين تم رفع الدعم عن الحبوب ومشتقاتها. كما نوَّه الرئيس سعيد بأنه يمكن تقديم تصور آخر يقوم على توظيف أداءات لمن لا يستحق الدعم لتمويل صندوق الدعم حتى يكون دعما يحقق العدالة المنشودة.



نسف منظومة الاقتصاد الريعي
شدّد قيس سعيّد، على أهمية التخلّص من الاقتصاد الريعي وعلى الحاجة الماسة إلى محاربة كل مظاهر الفساد التي تشكّل أحد العوائق التي تكبّل الإقلاع الاقتصادي في تونس. وإن كان يُحسَب لرئيس الجمهورية أنّه كان أوّلَ ساكنٍ لقصر قرطاج، ينفض الغبار عن هذا الملف، فإنّه يجب الأخذ بالاعتبار، أنّ قضية المنظومة الريعية تحوّلت خلال السنة الماضية إلى أحد أهمّ محاور النقاش العام. عقب تحوّل قضية الحرب على الفساد إلى شعار سياسي ورافعة انتخابية لعدد من الأحزاب، انتقل مجرى النقاش في الأوساط الاقتصادية والسياسية خلال سنة 2021 نحو الاقتصاد الريعي وتصاعد شيئًا فشيئًا الخطاب الداعي لبدء حرب حقيقية ضد منظومة الاقتصاد الريعي.

وتستعر هذه الحرب باعتبارها «إكسير النجاة» بالنسبة للاقتصاد التونسي، وهو يعيش أحد أشدّ الأزمات التي عرفها منذ الاستقلال على مستوى العجز المالي والمديونية التي تلامس سقف 100%.




البرلمان التونسي يطالب بتفكيك اقتصاد الريع
ويتجه نواب مجلس الشعب التونسي إلى تقديم مقترحات قوانين بهدف المساهمة في معالجة الوضع الاقتصادي من بينها ما يتعلق بتفكيك اقتصاد الريع الذي يتغذى من أرضية قانونية تأسست منذ عقود، والتي تحصر الثروة لدى فئة قليلة من المجتمع يحتكرون سلع معينة، أو خدمات محددة، أو وساطات ونفوذ سياسي ومن مجموعة عائلات نافذة اقتصاديا وسياسيا.

ويرجع اقتصاد الريع ـأيضًاـ إلى وجود تكتلات لكبار المنتجين، وتقاسم السوق، والحفاظ على هامش أرباح مستقر عبر وجود هياكل قانونية، والمجامع المهنية، بعد تحويل وجهتها التي أُحدثت لأجلها.

يذكر أن أول من استعمل هذا المصطلح باعتباره شكلاً من أشكال المردود المالي، هو آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم» ولكن أول من استعمله كنمطٍ اقتصاديٍّ هو كارل ماركس في كتابه «رأس المال» حيث قال: في الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية، أما في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات الإنتاج. ويرى خبراء، أن الاقتصاد الريعي المعاصر يتخذ شكل اقتصاد الخدمات أو ما بات يُعرف بالاقتصاد الافتراضي، وهو النقيض للاقتصاد الإنتاجي. والريع هو الفارق الكبير غيرَ المبرر اقتصاديًّا بين سعر التكلفة وسعر البيع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات