تحامق الأذكياء


تحت بابٍ بعُنوان: "أخبار جماعةٍ من العقلاء، صدرتْ عنهم أفعالُ الحمقى" من كتاب "أخبار الحمقى والمغفّلين"؛ ذكر العلامة الحافظ أبن الجوزي عدة أمثلة على أذكياء وعقلاء صدرتْ عنهم أفعال أقلُّ ما يُقال عنها أنها تتسم بالغباء والحماقة.

تصدَّر ترتيب الأذكياء الذين تصرفوا بغباء أبليس عليه لعنة الله، فلقد كان قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام مؤذِّناً للملائكة كما ذكر العلامة في كتابه، وكان كثير التعبد لله والخشية منه.

وما إن أمره الله عز وجل بالسجود لأبي البشر عليه السلام؛ حتى تكبّر وأبى طاعة الله عز وجل، ولم يقفْ تصرفه عند هذا الحد فقط؛ بل تمادى في الخطأ وطلب من الله عز وجل أن يُمهله حتى قيام الساعة ويتمكّن من إغواء ذرية آدم عليه السلام، فكان تصرفه ذاك هو أغبى فعل أتى به عاقل منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها لحين قيام الساعة.

وجدتُ في هذه القصة الرائعة من هذا الكتاب عبرة وعظة؛ في أنه قد يكون الإنسان على قدر كبير من العقل والرشد والإدراك، ولكنه قد يقع أحياناً في الخطأ أو الزلل، وهو أمر لا بد منه، فهو غير معصوم عن الوقوع في الأخطاء، ولكن المهم هو أن يتراجع عن هذا الخطأ في الوقت الصحيح، وألا يتمادى في خطئه تماماً كما فعل أبليس أبعده الله.

والنقطة الثانية؛ في أنّ الأسباب التي تدفع الإنسان الى إرتكاب الأخطاء كلها تتعلق بهوى النفس ورغباتها، فأبليس عصى الله لأنه إعتقد أنه خير من آدم عليه السلام، فكان الكِبَر هو السبب وراء تلك المعصية، وآدم عليه السلام عصى الله عز وجل بأن أكل من الشجرة لأنه كان طامعاً في الخلود بعد أن أغواه الشيطان، فكان الطمع سبباً خلف تلك المعصية، وقابيل حين أقدم على قتل أخيه هابيل، كان الحسد هو الدافع وراء تلك الجريمة.

الكِبَر والطمع والحسد، بالإضافة الى الغضب وعدم القدرة على ضبط النفس هي الأسباب الرئيسة للكثير من الأخطاء التي يرتكبها الناس، حتى لو كانوا من أكثر الناس عقلاً ورُشدا كما ذكر أبن الجوزي، كلها تطلبها النفس وتهواها، فيكون العلاج عادة بضبط النفس وترويضها، وإبعادها عن أسباب الأخطاء تماماً.

الجميل في هذا الموضوع كله هو أن الله قد فتح باب التوبة للعودة عن التجاوزات أو التقصير في حق الله عز وجل، وهو مفتوح الى قيام الساعة. أما فيما يخص حقوق الناس وظلمهم؛ فذاك يلزمه إعادة الحقوق الى أصحابها، والتوبة الى الله عز وجل، والنية الصادقة بعدم العودة الى تلك الأخطاء مرة أخرى.

أحياناً قد يتم التغاضي عن أخطائنا بحق إخواننا بكلمة بسيطة تتمثل في الإعتذار، والاعتذار من شِيَم الكبار كما يُقال، ولكن تأبى الكثير من النفوس الإعتذار عن أخطائها بسبب الكِبَر، والذي هو رفض الحق، وهو أحد الأسباب الرئيسة للأخطاء كما ذكرتْ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات