توقعات بنهاية الهيمنة الغربية


جراسا -

يبدو واضحا ـ بحسب الدوائر السياسية الدولية ـ أن النظام العالمي قد استنفذ مخزون صلاحيته على جميع المستويات، وفي جميع أجزائه.. وأن شواهد عملية تفكيك النظام الدولي الراهن، أصبحت واضحة للجميع بلا أدنى شك.. مع توقعات بنهاية الهيمنة العالمية للحضارة الغربية.

ويرى المحلل السياسي الروسي البارز، ألكسندر نازاروف، أن بداية التضخم العالمي المفرط هي بالضبط اللحظة التي يمكن فيها الجزم على وجه اليقين، أن خمس قرون من الهيمنة العالمية للحضارة الغربية قد انتهت.. وقد وقع حدثان خلال العام 2022 على الطريق نحو هذه اللحظة:

أولا.. قام الغرب بتدمير المبدأ الأساسي الذي ضمن ريادته الاقتصادي على مدى المئة عام الماضية، وهو «حق الملكية الخاصة حق مقدس»، ومن هذا المنطلق كانت المصادرة غير القانونية ليس فقط لأصول الدولة الروسية، ولكن أيضا لممتلكات «الأوليغارشية الروسية»، أي مجرد أفراد.. وهي ليست مجرد «سرقة مبتذلة» فحسب، وإنما تدمير للثقة في الغرب باعتباره «ملاذا آمنا» لرؤوس الأموال، وذلك تدمير لآلية تداول رأس المال العالمي.
مجازا، يشبه ذلك متسلق يعاني من الربو، يتدلى من حافة الهاوية، ويلجأ إلى دق مسمار في الصخرة التي قد تنقذه بجهاز التنفس الاصطناعي الخاص به. ربما يحتاج المتسلق فعليا إلى دق هذا المسمار حتى لا يسقط، إلا أنه حتما سيموت غدا بسبب نقص الأكسجين. وهذا تحديدا ما فعله الغرب، حينما ضحى بجزء لا يقدر بثمن من النظام لغرض محدود هو قمع روسيا.

ثانيا.. وهو الحدث الرئيسي لهذا العام، فقد استنفد الغرب في عام 2022 وسائل منع أو بالأحرى تأجيل الكارثة الاقتصادية. ليستنفذ الدفعة الأخيرة من الرصاص في الكلاشينكوف برفع سعر الفائدة، محاولا بذلك وقف ارتفاع التضخم بسرعة، والذي وصل إلى رقم من خانتين لأول مرة منذ 40 عاما.
فالزيادة في سعر الفائدة تعني ببساطة الركود الذي بدأ بالفعل وإفلاس المدينين المثقلين بالديون في جميع أنحاء العالم..وخفض سعر الفائدة واستئناف طباعة النقود الورقية غير المغطاة يعني استئناف التضخم.

ثالثا.. وعلى عكس المخاطر الاقتصادية، تتركز المخاطر السياسية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2024، كلما اقتربنا من الانتخابات الرئاسية، أما عام 2023، فسوف تميزه تحديات السياسة الخارجية أكثر من السياسة الداخلية الأمريكية.
رابعا.. وبينما كانت الجدارة الائتمانية للبلدان النامية هي المورد الأخير الذي ظل يؤخر انهيار النظام الاقتصادي العالمي، شهدت الأزمة المالية لعام 2008 استنفاد إمكانية تحفيز اقتصادات الغرب من خلال زيادة القروض. حيث كانت الدول الغربية، قبل ذلك، تراكم الديون، ثم تخفض البنوك المركزية في الغرب سعر الفائدة وتبدأ في طباعة النقود، ما يجعل الائتمان في متناول البلدان خارج الغرب. أما بعد عام 2008، تجاوز نمو ديون البلدان النامية للبنوك الغربية بشكل ملحوظ نمو ديون الغرب.
أي أن واشنطن كانت تمتص الجدارة الائتمانية، «مورد الاستقرار المالي» من بقية العالم، ما أخّر انهيار هرم ديون الغرب من خلال نمو هرم ديون البلدان النامية.

إفلاس عشرات الدول في العام الجديد 2023
وبفضل توفر الائتمان الرخيص، بعد عام 2008، أصبحت أكثر من نصف دول العالم الآن تعاني من عجز في التجارة و/أو الحساب الجاري، أي أنها تستهلك أكثر مما تنتج، وتغطي العجز بمساعدة نمو الديون.. الآن، وبعد أن بدأت الدول الغربية في رفع أسعار الفائدة بشكل حاد، أصبح الحصول على القروض أقل سهولة. وإفلاس سريلانكا في عام 2022 هو الأول، ويمكن أن تتبعه عشرات الدول الفقيرة في عام 2023، حيث فقد النظام العالمي قابليته للبقاء حيا في هذا أيضا.

خامسا.. واجهت أوروبا أيضا عدم القدرة على الحفاظ على مكانتها في النظام، حيث جاءت الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية لأوروبا بدلا من الأمن والتنمية الاقتصادية، بالحرب والإجراءات الانتحارية في قطاع الطاقة ونقل الصناعة الأوروبية إلى الولايات المتحدة.
وسوف تستمر هذه العمليات في عام 2023، وسيزداد حجمها. ومع وجود مؤشرات على اقتراب إفلاس بنكي «دويتشه بنك» و«كريديه سويس»، وقد يواجه النظام المصرفي الأوروبي في عام 2023 الصدمة والشلل، على الرغم من أن ذلك ليس سوى أحد السيناريوهات المحتملة. على أية حال، فإن انهيار الاتحاد الأوروبي ليس سوى مسألة وقت.

ويقول «نزاروف»: على الرغم من حقيقة أن العملية العسكرية الروسية في عام 2022، للوهلة الأولى، قلبت العالم رأسا على عقب، إلا أن هذا العام لم يكن نقطة التغيير بين الحقب التاريخية، لكن العام المقبل لديه كل الفرص كي يصبح كذلك. لهذا أعتقد أنه سيكون أكثر صعوبة، وتوترا بالنسبة للجميع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات