السّعودية و"عرب إسرائيل" قادران على إنقاذ إسرائيل


جراسا -

إنه لأمر رائع أن نرى الرئيس جو بايدن يزور الشرق الأوسط، فلطالما أدت أميركا دوراً حيوياً في دفع عملية السلام هناك. لكن بصفتي شخصاً يتابع تلك المنطقة منذ عقود من الزمن، يمكنني القول إنني أرى شيئاً جديداً، يمثل مفارقة مفاجئة: وحدها السعودية مع عرب إسرائيل يمكنهما إنقاذ إسرائيل اليوم كدولة ديموقراطية يهودية، وليس أميركا.

هذا لأنه، لأسباب مختلفة، تتمتع السعودية والناخبون من عرب إسرائيل اليوم بسلطة أكبر من أي وقت مضى لإجبار الإسرائيليين على الاختيار: إما أن يكون لهم دولة ديموقراطية في إسرائيل والضفة الغربية، ولكن مع مرور الوقت، وبسبب ارتفاع معدلات المواليد العرب، يمكن ألا تكون يهودية، أو أن تكون لهم دولة يهودية في إسرائيل والضفة الغربية، لكنها لن تكون ديموقراطية، أو يمكن أن تكون لهم دولة يهودية وديموقراطية، لكن لا يمكنها احتلال الضفة الغربية احتلالاً دائماً.

كانت هذه الخيارات الوجودية أمام إسرائيل منذ أن احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية في حرب عام 1967. لكن إسرائيل رفضت الاختيار، لدرجة أنه في الانتخابات الإسرائيلية الأربعة الأخيرة التي جرت خلال عامين، تجاهلت أحزابها السياسية - اليمينية واليسارية على حد سواء القضية الفلسطينية برمّتها، الأمر الذي كان مثيراً للقلق.

يجب ألا يكون هذا صحيحاً عندما تذهب إسرائيل في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل إلى صناديق الاقتراع للمرة الخامسة في أقل من أربع سنوات. ففيما أميركا قد سئمت من العملية المريرة والمُحبطة المتمثلة في إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بحل الدولتين، يمكن الآن أن تتولى السعودية وعرب إسرائيل هذا الدور، بل إنني آمل أن يفعلا ذلك، فربما كان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية يعتمد عليه.

إلى أي منطق يستند هذا؟ دعونا نبدأ بالحقيقة الأكثر وضوحاً: لن تكون إسرائيل ديموقراطية قابلة للاستمرار إذا واصلت احتلالها للضفة الغربية، التي يعيش فيها نحو 2.7 مليون فلسطيني، إلى أجل غير مسمى. إذ يتضمن هذا الاحتلال توسيع القانون الإسرائيلي ليشمل اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية، بينما يُحكم الفلسطينيون بموجب قانون عسكري منفصل، مع حقوق وفرص أقل بكثير لامتلاك الأراضي، وبناء المنازل والشركات، والتواصل، والسفر، والتنظيم السياسي.

ربما لا يكون هذا الاحتلال مماثلاً لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لكنه شبيه قبيح به، ويدمّر إسرائيل أخلاقياً كدولة ديموقراطية يهودية. وقد أصبح منفراً للغاية بالنسبة لأصدقاء إسرائيل الليبراليين، بمن في ذلك الأجيال الشابة من اليهود الأميركيين، لدرجة أنه إذا استمر، فربما سيكون جو بايدن آخر رئيس ديموقراطي مؤيد لإسرائيل.

من المؤكد أن إسرائيل ليست وحدها المسؤولة عن هذا المأزق، فالتقدميون وأصحاب الدعاية الفلسطينية الذين يروجون لهذه الفكرة في حرم الجامعات ليسوا صادقين. الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 فعلت الكثير لتدمير صدقية معسكر السلام في إسرائيل، إذ أطلقت تلك الانتفاضة العنان لموجة من التفجيرات الانتحارية ضد اليهود الإسرائيليين، وذلك بعدما قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون مبادرات سلام إلى ياسر عرفات لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في معظم أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما رفضه عرفات. كما أن هجمات حماس الصاروخية المتكررة من قطاع غزة أدت إلى تفاقم انعدام الأمن في إسرائيل.

لكن الكثير من أنصار إسرائيل في أميركا لم يحركوا ساكناً طوال 12 عاماً من حكم بنيامين نتنياهو. إذ بذل نتنياهو كل ما في وسعه لتشويه سمعة السلطة الفلسطينية كشريك للسلام من خلال عدم منحها الفضل أبداً على جهودها المهمة للحد من عنف الفلسطينيين تجاه الإسرائيليين، ومن خلال العمل على جعل الدولتين مستحيلاً عن طريق توطين المستوطنين اليهود في عمق الضفة الغربية، خلف الجدار الفاصل الإسرائيلي، أي في المناطق اللازمة لقيام أي دولة فلسطينية في المستقبل.

من جانبهم، ألحق الفلسطينيون الأذى بأنفسهم من خلال الانقسام إلى مجموعتين: السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة "حماس" الإسلامية الأصولية في غزة. يضاف إلى ذلك التخلص من رئيس وزراء السلطة الفلسطينية الأكثر فاعلية وصدقاً وصدقية على الإطلاق، سلام فياض، الذي تولى مسؤولياته من عام 2007 حتى 2013.

عند النظر إلى كل ذلك، يمكنك أن ترى لماذا تجاهلت الانتخابات الإسرائيلية الأربع الأخيرة التهديد الوجودي للدولة اليهودية من خلال مواصلة احتلالها للضفة الغربية. فقد كان الأمر بالنسبة للكثيرين بعيداً من النظر والفكر. ولا عجب أن انسحبت الولايات المتحدة من المشاركة النشطة في المنطقة، إلى أن أعطى الرئيس دونالد ترامب لصهره جاريد كوشنر حرية التصرف في تنفيذ خطته.

إنها قصة طويلة، لكن الرواية المختصرة هي أن نتنياهو والفلسطينيين رفضا اقتراح كوشنر لحل الدولتين. لكن بدلاً من السماح بانهيار العملية برمّتها، اقترح حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، مستوحياً من سفيره في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، سلاماً شاملاً وإقامة علاقات تجارية وسياحية مع إسرائيل إذا وافقت الأخيرة على عدم اتخاذ قرار أحادي بضم مناطق في الضفة منحتها خطة ترامب لها. ومن هنا وُلدت اتفاقات إبراهيم لعام 2020، التي أقامت بموجبها كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

لعبت الإمارات دوراً مهماً في تحفيز هذه الصفقة، فكلما أصبح الشرق الأوسط مثل الاتحاد الأوروبي، وأقل شبهاً بالحرب الأهلية في سوريا، كان أفضل.

لكن الإمارات والدول التي وقعت اتفاقات إبراهيم ترددت كثيراً في إقحام نفسها في القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية، فهم لديهم فكرة سيّئة عن القيادة الفلسطينية، ولا يريدون الخوض في كل هذه الفوضى. وكل ما يريدونه هو التجارة والاستثمار مع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية وتقوية أنفسهم. وعندما أقنعوا إسرائيل بالموافقة على عدم ضم الضفة الغربية، اعتقدوا أن مهمتهم انتهت.

يقودني ذلك إلى دور السعوديين. فالسلام مع السعودية يُعد الجائزة الكبرى بالنسبة لإسرائيل، وسيفتح الباب أمام السلام مع كل العالم الإسلامي السنّي، ويكون منفذاً إلى كم هائل من الاستثمارات.
لكن مسؤولين سعوديين بارزين أخبروني أن دعمهم لن يأتي بثمن بخس، فالملك سلمان بن عبد العزيز مرتبط عاطفياً بالقضية الفلسطينية، وابنه محمد بن سلمان، ولي العهد، يعرف أنه إذا عقدت السعودية صفقة رخيصة مع إسرائيل، فستفتح المجال أمام عدوتها إيران لشن حرب جهادية إعلامية ضد السعودية في العالم الإسلامي، وستكون حرباً قبيحة.

ورغم هذه المخاوف، إلا أن إسرائيل والسعودية ناقشتا سراً شروط تطبيع العلاقات. وأعتقد أن السعوديين يريدون أن تأتي هذه العملية التي من شأنها تغيير قواعد اللعبة على مرحلتين.

فقد أخبرني المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط دنيس روس أن السعوديين ربما عرضوا، كبداية، فتح مكتب تجاري في تل أبيب يتولى المصالح الاقتصادية السعودية، إضافة إلى كونه "تحركاً نفسياً كبيراً باتجاه إسرائيل".

ومقابل ذلك، يمكن أن تطالب السعودية بأمر أكبر: يجب على إسرائيل وقف كل عمليات بناء المستوطنات في شرق الجدار الأمني الإسرائيلي في الضفة الغربية، والموافقة على أن تكون خطة السلام السعودية - العربية لحل الدولتين أساساً للمفاوضات مع الفلسطينيين.

ويقول روس إن التزام إسرائيل في مجال المستوطنات يعني أن الإسرائيليين سيتوقفون عن البناء "على 92% من الضفة الغربية، بصورة تحافظ على خيار حل الدولتين"، مشيراً إلى أن 80% من المستوطنين يعيشون غرب الجدار.

وتأتي المرحلة الثانية مع نهاية الاحتلال الإسرائيلي وعقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين: ويمكن أن يعد السعوديون بفتح سفارة في تل أبيب لإسرائيل وأخرى في رام الله للفلسطينيين؛ أو سفارة لإسرائيل في القدس الغربية، وأخرى للفلسطينيين في القدس الشرقية. سيكون الخيار لإسرائيل، ولكن يجب أن تكون هناك سفارات للطرفين. ويجب على إسرائيل أيضاً أن تعد بالحفاظ على الوضع القائم في جبل الهيكل، الذي يُعدّ من مقدسات جميع المسلمين.

ولمساعدة بايدن على العودة بنتيجة من زيارته للسعودية، وأيضاً لكي يُظهر السعوديون جديتهم لإسرائيل، أعلنت الرياض عن فتح مجالها الجوي لشركات الطيران الإسرائيلية، وعن السماح برحلات مباشرة من إسرائيل للمسلمين الذاهبين لأداء الحج. (وقد أعلنت وكالة "رويترز" يوم الخميس الماضي عن هذه المزايا).

لا أتوقع أن تقفز إسرائيل فرحاً على أي من هذه المقترحات، خاصة في ظل حكومة تصريف الأعمال الحالية. لكن يمكنني أن أضمن تماماً أن الإعلان السعودي، سيؤدي دوراً مركزياً في الانتخابات الإسرائيلية في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ويسهم في إثارة النقاش والأفكار اللازمة للحفاظ على إسرائيل كدولة ديموقراطية.
وهنا يأتي دور العرب في إسرائيل، فدفعة من السعودية قد تطلقهم للمشاركة في الانتخابات.

إليكم حسبة بسيطة في الانتخابات الإسرائيلية: لا يسار الوسط في إسرائيل قادر على تحقيق الأغلبية، ولا الائتلاف القومي الديني اليميني يملك ما يكفي من الأصوات لتشكيل أغلبية حاكمة مستقرة. لهذا السبب تستمر إسرائيل في إجراء الانتخابات. ونتيجة لذلك، حلّ عرب إسرائيل، الذين يشكلون 21 في المئة من سكان البلاد ويحوزون عادة نحو 12 مقعداً في الكنيست، محل الأحزاب الدينية اليهودية الأرثوذكسية ككتلة مرجحة. ولم يكن نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق، قادراً على تشكيل ائتلاف حكومي بدون دعوة الحزب العربي "راعم".

إذا أعلن كل حزب عربي - إسرائيلي أنه لن يدخل حكومة يقودها اليهود إلا إذا وافقت على التفاوض مع الفلسطينيين على أساس المبادرات السعودية، فإنني أؤكد مرة أخرى أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية الذي يعد أكبر مشكلة وجودية تواجه إسرائيل، سيكون في مقدمة انتخابات الخريف.

وبهذه الطريقة، ولهذا السبب، أزعم أن المملكة العربية السعودية وعرب إسرائيل وحدهما قادران على إنقاذ إسرائيل كديموقراطية يهودية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات