هل تقلب واشنطن كنز بوتين في أميركا ضدّه؟


جراسا -

في وقت يتعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمواصلة غزو تحول إبادة جماعية في أوكرانيا، يتدافع المحققون في وزارتي الخزانة والعدل الأميركيتين للاستيلاء على اليخوت والقصور الروسية وغنائم نظامه. وفي واشنطن، قدم النائبان توم مالينوفسكي عن ولاية نيوجيرسي وجو ويلسون عن ولاية كارولينا الجنوبية إجراء من الحزبين لتوضيح صلاحيات السلطة التنفيذية في تصفية تلك الأصول.

وتبقى هذه الجهود هامة وجديرة بالثناء، إلا أنها لا تتمتع بالقوة الكافية ولا بالسرعة الكافية لتوفير ما تحتاج إليه أوكرانيا.

وحتى إن تمكنت وزارة العدل من بيع كل يخت وقصر تستولي عليه في الأشهر المقبلة، وتخصيص الأرباح للمساعدات العسكرية والإنسانية، ستكون العملية بطيئة للغاية، والعائدات ضئيلة للغاية، لتلبية احتياجات أوكرانيا المتزايدة والملحة، التي تتمثل في تأمين دبابات وصواريخ مضادة للطائرات وغذاء ودواء. ومع دخول الحرب أسبوعها الثامن وتضخم تكلفتها، قد لا يكون الشعب الأميركي على استعداد لتحمل ثمنها الباهظ لفترة أطول.

وثمة حل واحد: يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن تصفية عشرات المليارات من الدولارات التي وضعها المصرف المركزي الروسي في الولايات المتحدة كجزء من احتياطاته من العملات الأجنبية، وقد تصل هذه الأموال إلى 100 مليار دولار، وفقاً لبعض التقديرات. وهذه الأصول مجمدة في الاحتياطي الفيدرالي والمصارف الأخرى بفضل عقوبات وزارة الخزانة التي تحظر المعاملات مع المصرف المركزي الروسي.

وفي ظل ظهور تفاصيل جديدة عن الفظائع الروسية تستبعد على نحو متزايد احتمال رفع العقوبات، تمت مصادرة هذه الأموال إلى أجل غير محدد. ولن تكون تصفيتها الوسيلة الأسرع لزيادة المساعدات الأميركية لأوكرانيا من دون إرهاق "دافعي الضرائب" الأميركيين فحسب، إنما إشارة قوية مفادها أن الولايات المتحدة ملتزمة بأن تكبّد حتى أقوى دول العالم ثمن جرائم الحرب التي ترتكبها.

ويفسر الطابع الراديكالي لهذه الخطوة سبب عدم اتخاذها، ولكن، على عكس سوء الفهم الأخير، فهي ليست "غير مسبوقة". واستخدمت الولايات المتحدة من حين إلى آخر أموال حكومات لأغراض إنسانية وعلاجية مختلفة.

وعام 2003، استولى الرئيس الأميركي في حينه جورج دبليو بوش على حوالي 1.7 مليار دولار من الأموال العراقية المودعة في المصارف الأميركية، وخصص عائداتها لمساعدة الشعب العراقي وتعويض ضحايا الإرهاب. وعام 2012، أتاح الكونغرس أصول المصرف المركزي الإيراني المجمدة لتسوية الدعاوى القضائية مع عائلات ضحايا الهجمات الإرهابية الإيرانية. وعام 2019، أتاحت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعض أصول المصرف المركزي الفنزويلي المجمدة لزعيم المعارضة المنفي خوان غوايدو.

وفي شباط (فبراير)، بدأت إدارة بايدن تصفية حوالي 7 مليارات دولار من أصول المصرف المركزي الأفغاني. وبدلاً من تسليمها لحركة "طالبان"، خصصت نصف المبلغ للجهود الإنسانية الأفغانية والنصف الآخر للالتزام بقرارات المحكمة في دعاوى قدمها أقارب القتلى أو الجرحى في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية. وكانت هذه الخطوة مثيرة للجدل، بسبب المسائل غير المحسومة حول استيلاء المحكمة على الأصول وتوزيعها بين المدعين، إلا أن هذه المشكلة لن تظهر إذا نقلت الأصول مباشرة لمساعدة المنظمات الإنسانية والحكومة الأوكرانية.

وفي وقت يجب أن ينظر الكونغرس في تشريع جديد لتحسين الأدوات التي منحها للسلطة التنفيذية، يتمتع بايدن بصلاحيات واسعة لتصفية الأصول الروسية بموجب قسم من قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية، الذي تم سنه عام 1977. وكما أكدت المحكمة العليا في قضية تاريخية حول أزمة الرهائن في إيران، يمنح هذا القانون الرئيس "صلاحيات واسعة" للتصرف في أوقات الطوارئ الوطنية تشمل "إلغاء أو إبطال تمتع دولة أجنبية بحق أو سلطة أو امتياز على ممتلكات يكون لها فيها أي مصلحة أو منعها أو حظرها عن القيام بذلك. ويخول الرئيس أيضاً "إدارة الأصول أو التحكم بها أو تحويلها أو سحبها أو حتى تصديرها".

ونظراً إلى أن الاحتياطات المعنية تعود ملكيتها إلى الدولة الروسية، على عكس أصول الأوليغارشيين، فلا تشملها الحماية المعتادة التي يوفرها القانون الأميركي للملكية الخاصة. وينطبق الضمان ضد مصادرة الحكومة للممتلكات "من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة" الذي ينص عليه التعديل الخامس، فقط على الأشخاص، كما اقترحت المحكمة العليا عام 1992 ومحاكم فيدرالية عدة. وتنطبق الحماية ضد الاستيلاء على الممتلكات من دون "تعويض عادل" فقط على "الملكية الخاصة"، وهي فئة تستبعد بوضوح الاحتياطيات السيادية لروسيا، حتى لو كانت مودعة داخل الولايات المتحدة وبالدولار الأميركي.

ولا شك في أن الحكومة الروسية ستشتكي بمرارة من أن تصفية احتياطياتها من العملات كانت "سرقة"، تماماً كما تعاملت مع العقوبات الحالية. لكن انتهاكات روسيا المستمرة لأبسط مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان من جهة، واحتياجات الشعب الأوكراني الملحة من جهة أخرى، يجب أن تؤخذ في الحسبان أكثر من خطابها الذي يخدم مصالحها الخاصة.

ولتحدي مصادرة أصولها وتصفيتها، سيتعين على الحكومة الروسية ألا تلجأ إلى الدستور بل إلى مجموعة أكثر غموضاً من القوانين التي تحمي الحكومات من المسؤولية في ظروف معينة: الحصانة السيادية. لكن هذه الحصانة تحمي الأصول فقط من الإجراءات القضائية، وليس من تصفية نتيجة عمل مشترك للكونغرس والسلطة التنفيذية. وباعتبارها من انشاء الكونغرس، كما أكدت المحكمة العليا عام 2016، لا تصمد هذه الحصانة أمام تشريع في الكونغرس مثل قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية.

وقد يعارض الجمهوريون في الكونغرس هذه الخطوة، زاعمين أن أي استيلاء مماثل سيشكل توسعاً كبيراً في السلطة الرئاسية بناءً على طلب بايدن. لكن منح القانون الواضح لهذه الصلاحيات يجب أن يخفف المخاوف، على غرار سوابق واضحة لاجراءات مماثلة اتخذها رؤساء الحزبين من خلال استيلاء على أصول المصارف المركزية لمنتهكي حقوق الإنسان مثل فنزويلا وإيران والعراق.

وينتمي نظام الإبادة الجماعية لبوتين إلى تلك الفئة الغادرة، ومن خلال تصنيف روسيا على هذا النحو، يمكن لبايدن أن يفعل الكثير لتجاوز جناح ترامب في الحزب الجمهوري، الذي كان، على غرار زعيمه، متردداً في الاعتراف بمدى فظائع بوتين والتهديد الذي يمثله على الولايات المتحدة.

روسيا بوتين لا تعرف سيادة القانون، بل فقط القوة . وينظر الرئيس الروسي إلى الحماية القانونية لدينا على أنها مصدر ضعف وباتت قديمة، وهي جزء من تفاخره بأن المجتمعات الحرة لا تستطيع أن تصمد أمامه وغيره من الطغاة في جميع أنحاء العالم. لكنه مخطئ. وجادل الأستاذ في جامعة ييل هارولد هونغجو كوه بشكل مقنع بأن تمسكنا بسيادة القانون يحررنا ويمكّننا من القيام بما لا يمكن فعله في غياب شرعية القانون. ولمواجهة بوتين، لا نحتاج إلى التضحية بمبادئنا التاريخية أو تأكيد رؤيته العدمية للحكم. فمن خلال الصلاحيات التي يوفرها نظامنا القانوني، لدينا الأدوات التي نحتاج إليها لمساعدة الشعب الشجاع في أوكرانيا على البقاء وإلحاق الهزيمة به. وسيكون من العدل أن نقوم بذلك من خلال تحويل كنزه ضده.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات