قانون محاكمة الوزراء


يعتبر الحق في "التقاضي" من أقدس الحقوق الدستوريّة التي تلتزم بها تلك الدول التي تحترم مكتسباتها ومؤسساتها وقوانينها وعقدها الإجتماعي ، هذا الحق الذي كفلته العهود والمواثيق الدوليّة وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و الذي لا يجوز أن يُستلَب أو يُقيّد أو يُقضَم ، فأقواس العدالة يجب أن تبقى عالية دون تسقيف ، وبوابتها مشرّعة للجميع دون تميّيز مهما تباين واختلف المركز الوظيفي للأشخاص ، وأن أيّ أغلال أو قيود توضع على هذه الركيزة الدستوريّة ما هو إلّا توصيد لباب العدالة ، ومخرج مظلم يأمن سالكوه العقاب ، فقد نصّت المادة (١/٦) من الدستور الأردني على : " الاردنيون امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين." وكما نصّت المادة (١/١٠١) من الدستور الأردني على: " المحاكم مفتوحة للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها." .

ونحن في الصباح الباكر من المئويّة الثانية ، غدا لِازاماً إعادة النظر في النصوص الدستوريّة والقانونيّة وإعادة ترشيقها وتنقيتها بما يتوائم مع دولة القانون والمؤسسات ، خاصة تلك التي تخلق قيوداً على محاكمة الوزراء ، وذلك لجسامة الأضرار التي قد تقع بحكم عملهم والتي قد تنال من فئة أو قطاع أو وطن بأكمله ، وتكون سبباً في نهب مقدّرات الوطن وإبتلاع مكتسباته ، خاصة وأن بعض القرارات والإجراءات الحكوميّة قد ينجم عنها إزهاق لحقوق الأفراد وحريّاتهم ، أو مذبحة إقتصاديّة تنال من قطاعات برُمّتها ، أو تفريغ جيل من مكتسباته التعليميّة . وإن إحداث هكذا تعديل سيعمل على تقويم الأداء الحكومي الذي سيتنبّه دائماً أنه تحت مطرقة القضاء وفوق سندان الشعب ، فالمسائلة هي أهم ضمانات النزاهة والعدالة ، وإطلاق السلطة هو إفساد مطلق ، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

إنّ من أشدّ الأغلال والقيود التي تطوّق معاصم العدالة ، هي تلك الشروط الشكليّة الإشكاليّة والتي فرضها الدستور الأردني على محاكمة الوزراء عن الجرائم المقترفة من قبلهم بحكم وظيفتهم ، حيث حصرت المادة (٥٦) من الدستور في مجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة عن الجرائم المقترفة من قبلهم بحكم وظيفتهم ، وحتى هذه الصلاحية الممنوحة لمجلس النواب هي ليست صلاحية مطلقة بل مقيّدة بشرطين وهما إبداء الأسباب المبرّرة للإحالة وأن يصدر قرار الإحالة بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب فقد نصّت المادة (٥٦) من الدستور الأردني على : " لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب." ، مع الإشارة إلى أن صلاحية الإحالة هي أيضاً ليست مطلقة لمجلس النواب وإنما محصورة في ثلاثة جرائم فقط وهي : جريمة الخيانة العظمى وجريمة إساءة استعمال السلطة وجريمة الإخلال بواجبات الوظيفة فقد نصّت المادة (٢) من قانون محاكمة الوزراء على: "يحاكم الوزراء امام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة اذا ارتكبوا احدى الجرائم الآتية الناتجة عن تادية وظائفهم :
1 . الخيانة العظمى . 2 . اساءة استعمال السلطة . 3 . الاخلال بواجب الوظيفة ." ، وتبرز هنا جملة من الإشكاليّات الدستوريّة والقانونيّة والتي خلقت نفقاً واسعاً قد يفلت من خلاله الوزير الذي يقترف جرماً يتعلّق بتأديته لوظيفته ، ونوجز هذه الإشكاليّات بالأتي تبيانه:

١. إنّ حصر صلاحية الإحالة في مجلس النواب يعتبر إستلاباً لصلاحية السلطة القضائية والمختصة من خلال النيابة العامة بتحريك دعوى الحق العام وإستقصاء الجريمة وتعقّب مقترفيها.
٢.يتضح من النصّ الدستوري أن صلاحية الإحالة هي سلطة جوازية لمجلس النواب وليست وجوبيّة.

٣.إشتراط صدور قرار الإحالة بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب وليس أغلبية الحاضرين هو أيضاً قيد على قيد الإحالة.

٤.تضيّيق النطاق التجريمي وحصره في ثلاثة جرائم فقط هو أيضاً قيد مجاني ، وكان الأنجع توسيع هذا النطاق ليشمل كافة الجرائم المقترفة من قبل الوزراء بحكم وظيفتهم ، خاصة وأن هذه الجرائم قد تمسّ وطن بأكمله.

٥.إنطباق ذات الشروط الشكليّة للإحالة و المنوّه عنها أنفاً حتى على (الوزير غير العامل أو المستقيل) ما دام أن الجرائم المطلوب إحالتها بسببها قد تمّت أثناء تأدية وظيفته وهو ما ذهب إليه المجلس العالي لتفسير الدستور في قراره رقم (١) لعام ١٩٩٠ والذي جاء فيه : " فان ما ينبني على ذلك ، ان الوزراء المقصودين في المادة 55 المطلوب تفسيرها هم الوزراء العاملون والوزراء غير العاملين ما دام انهم قد ارتكبوا الجريمة اثناء تادية وظائفهم ، وان صلاحية المجلس العالي في محاكمة الوزراء عن الجرائم الناتجة عن تادية وظائفهم تشمل الوزير العامل والوزير غير العامل . هذا ما نقرره بالاجماع تفسيرا للمادة 55 من الدستور ."

لا يوجد حكمة تشريعيّة تتجلّى في فرض كل تلك القيود على محاكمة الوزراء بإستثناء إفساح المجال لهم للقيام بمهامهم الوظيفيّة دون الخوف من زخم القضايا التي كانت ستقام في مواجهتهم جرّاء عملهم ، الأمر الذي كان ليعرقل المهام الموكولة إليهم ، إلّا أن هذه الحكمة وعلى وَهَن حصافتها ليست مبرّراً للتعدّي على أهم أعمدة الدستور الأردني والمتمثّل بالفصل بين السلطات الثلاث ، وكان من الأنجع والأجدر أن يتمّ كفّ قبضة مجلس النواب عن هذا الحق الدستوري وإعادته إلى صاحبة الإختصاص الأمّ (النيابة العامة ) إمّا من تلقاء نفسها بحكم صلب إختصاصها وإمّا من خلال الإخبارات المقدمة إليها ، وهنا تملك النيابة العامة إصدار قرار بمنع المحاكمة إذا رأت أن الفعل لا يؤلف جرماً أو أنه لم يقم دليلا على أن المشتكى عليه هو الذي ارتكب الجرم أو أن الأدلة غير كافية وذلك سنداً لأحكام المادة (١٣٠) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات