نزعة الثأر في نفس بإيدن ومستقبل النتن ياهو


نحو أربعة أسابيع مرت على تنصيب الرئيس جو بايدن ولم يرفع بعد سماعة الهاتف لمحادثة حليفه الأقرب النتن ياهو كما لم تحدد إدارته الموعد الذي سيتم فيه الاتصال الذي طال انتظاره ولم يحن أوانه بينما تحدث بايدن مباشرة مع أكثر من عشرة رؤساء وزعماء دول صديقة لأمريكا كبريطانيا وكندا وغيرها مما يؤشر إلى وجود أزمة حادة بين الرجلين وربما أيضا بعض الإشكالات من مخلفات عهد ترامب مثل الصين وروسيا وحتى عهد الرئيس الأسبق باراك اوباما

يقال بأنه ما زالت عالقة في ذهن بايدن صور مختلفة من السلبيات التي مارسها النتن ياهو سابقا وفي مقدمتها خطابه الشهير من وراء ظهر أوباما حين حاول إقحام نفسه في الشؤون الداخلية وتحديه للإدارة الأمريكية وتحريضه عليها في عقر دارها فضلا عن مواصلة هجومه على قرار الإدارة في ذلك الوقت بإبرام الاتفاق النووي مع إيران بل إن جو بايدن نفسه يحتفظ بذكرى سلبية حين قام في العام 2010 بزيارة لإسرائيل بصفته نائبا للرئيس الأميركي واستغل النتن ياهو الزيارة للإعلان بكل صلف عن طرح عطاء لبناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية لكي يوحي بأن الأمر تم بالتفاهم مع بايدن والإدارة الأميركية ما سبب حرجا كبيرا للمسؤول الأميركي اضطر النتن ياهو للاعتذار العلني في وقت لاحق

اللافت هنا وضمن تداعيات المواقف المتسارعة أن مقربين من بايدن باشروا إجراء اتصالات مع شخصيات إسرائيلية تعتبر منافسة لنتن ياهو منها يئير لابيد رئيس حزب " يوجد مستقبل " وجدعون ساعر الذي انشق عن حزب ليكود وشكل حزب جديد وفي مؤشر ثانٍ على برودة العلاقة بين الطرفين التقى مؤخرا قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي خلال زيارته لإسرائيل وبإيعاز من بايدن وزير الدفاع بيني غانتس وقائد الأركان أفيف كوخافي ولم يلتقِي سكرتير النتن ياهو العسكري أو أحداً من مكتبه كما جرت العادة عليه وقد ازداد الشقاق بين الطرفين بعد أن انتقد المسؤولون الصهاينة نوايا الإدارة القادمة لإعادة النظر في خطة العمل الشاملة المشتركة

فلماذا إذا تجاهل الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن رئيس الحكومة الإسرائيلية النتن ياهو خلافاً للعادة التقليديه ولم يهاتفه في الأسبوع الأول من التنصيب كما رفض الرد على اتصال منه في الوقت الذي يتلهف فيه النتن ياهو لمثل هذه المكالمة أكثر من أي شخص في العالم والتفسير الأولي لهذا الجفاء ( المؤقت ) حيث أن بايدن سيتصل بالنتن ياهو عاجلا أو آجلا

رغم ان تأخر الاتصال بات ينعكس سلبا علي النتن ياهو وهو يستعد لخوض غمار منافسات انتخابية برلمانية جديدة وحاسمة للمرة الرابعة على التوالي ستجرى في الثالث والعشرين من آذار المقبل وهو الذي وطن نفسه على الفوز فيها والحصول وحزبه وائتلافه اليميني على ما يمكنه من تشكيل الحكومة

لهذا حرص الرئيس الأمريكي الجديد على عدم فعل أي شيء يمكن تفسيره على أنه تدخل في الانتخابات الإسرائيلية أو يمكن أن يستخدمه النتن ياهو كدعاية لتعزيز موقف حزبه وحملته الانتخابية وكأنه بذلك وبشكل غير مباشر( يدعو الناخب الإسرائيلي إلى استبداله والتصويت لغيره وعدم التجديد له أو الثقة فيه ) خلافا لكل ما فعله ترامب الذي أجزل في تقديم الهبات والعطايا على حساب حقوق العرب والفلسطينيين خلال الدورات الثلاث الماضية والتي ساهمت كثيرا في تحسين فرص "بيبي" الذي تحاصره الاتهامات من كل جانب

يضاف الى ذلك ما جرى خلال الأسابيع القليلة الماضية من بعض المواقف والتصريحات الاستفزازية الإسرائيلية من بينها تلويح رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي بعمل عسكري إسرائيلي منفرد ضد إيران ومواصلة هجوم المسؤولين الإسرائيليين على نية الإدارة الجديدة عقد اتفاق نووي جديد مع إيران وإعلان تل أبيب عدم رغبتها في التعاون والتشاور مع واشنطن بهذا الخصوص ناهيك عن المناكفات والجدل بين النتن ياهو نفسه ووزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكين بشأن السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة

ويجب هنا إلا نغفل بأن عدداً كبيراً من أعضاء فريق بايدن يعتبرون أن نتنياهو دعم الرئيس الجمهوري السابق ترامب في الانتخابات الرئاسية وأنه على الإدارة الأميركية معاملة نتنياهو بالمثل في الانتخابات الإسرائيلية وان نذكر بأن إدارة الرئيس بايدن أعلنت أنها لن تعمل بموجب صفقة القرن التي طرحها ترامب

بالإضافة إلى ما صرح به وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن عن تمسك الإدارة الأمريكية بحل الدولتين رغم دعمها لاتفاقيات التطبيع بين تل أبيب وبعض الدول العربية كما تؤكد عزمها على إعادة دعم وتمويل السلطة الفلسطينية وفتح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والدعوة إلى عقد مؤتمرٍ جديدٍ للسلام يؤسس لحل الدولتين والتأكيد على أن مسألة القدس متروكة للحل النهائي ولا يحق لطرفٍ أن يقرر في مصيرها منفرداً

في الواقع ومن خلال متابعة تنفيذ الإجراءات ورسم السياسات فأن أولويات الإدارة الأميركية الجديدة سوف تتركز في المرحلة القادمة على الجوانب الداخلية لترميم ما خربه ترامب خلال ولايته ومكافحة موجات العنصرية والكراهية وأضرار جائحة كورونا وفي مجال العلاقات الخارجية فإن إدارة بايدن ستعمل على تدارك وإصلاح العلاقات مع الصين وروسيا وكذلك إصلاح تردي العلاقات بين امريكا وبعض جيرانها وحلفائها خاصة مع المكسيك وبعض دول الاتحاد الأوروبي

حالةً العزلة والنبذ التي يعيشها النتن ياهو غير مسبوقة داخليًّا وخارجيًّا وهو اليوم في وضعٍ لا يحسدُ عليه وفي مأزقٍ معقد ويخشى من الأيام القادمة التي لا تحمل له الخير ولا تبشره بما يحب تنذر بسقوطه وتهدد بخسارة عرشه جراء ما اقترفت يداه وسوء ما قام به في الدورة الثانية لأوباما ونائبه بايدن وعليه أن يواجه الحقيقة بنفسه لتجاوز المحنة والخروج بسلامٍ من الأزمةِ خاصة وان مرحلة الانتقام منه قد أزفت وجاءه الوقت المناسب ليواجه إدارة ديمقراطية بنزعة ثأرية برئاسة بايدن وهي تنظر إليه بدونية واحتقار كرد على عدائه السابق لها وكما يقول مثلنا العربي ( ليس على رمانة إنما القلوب مليانة ) وان في باطن المسألة كثير من الجد

الإدارة الأمريكية الجديدة بكل وضوح لا تريد النتن ياهو ولا ترغب به رئيس للحكومة الإسرائيلية القادمة مع تأكيد الإدارة الجديدة على أنها لن تتخلى عن الكيان الصهيوني ولا تتحلل من التزاماتها تجاهه ولا تتراجع عن ضماناتها التقليدية التاريخية ولن تضر بمصالح إسرائيل وتفوقها العسكري ولا حتى بما قدمه الرئيس ترامب وتحديدا ال اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية للمدينة المقدسة ولكنها لا تريد أن يستمر تعاونها مع إسرائيل من خلال شخص النتن ياهو الذي يقود البلاد في اتجاه خاطئ ويضر بالعلاقات التاريخية العميقة التي تربط بين البلدين

التي تختلف عن أية علاقات مع باقي دول العالم من حيث تحالفها العضوي والاستراتيجي فهي لا تخضع لأمزجة القادة وأهوائهم بل تحكمها مصالح عميقة وتنظم مسارها مؤسسات سياسية ودبلوماسية واستخبارية واقتصادية وإسرائيل أكبر متلق للمساعدات الأميركية التي تصل إلى نحو عشرة مليارات دولار في العام لكن هذه العلاقات المتميزة لا تسمح لأي فرد أو زعيم بأن يتجاوز قواعد اللعبة السياسية الأمريكية بأي حال ووقت

النتن ياهو صال وجال في غطرسته وعنجهيته واليوم أصبح في العراء مكشوف العورة ولم يعد يحظى بالدلال الذي كان يتمتع به طِوال أربع سنوات من حكم إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بعدما انفضت من حوله عصابة اهل الشر ( كوشنر صِهر الرئيس ترامب ومايك بومبيو وزير الخارجية ديفيد فريدمان السفير الأمريكي في إسرائيل ) الصهاينة أكثر من النِتن ياهو نفسه

ختاما الرئيس جو بايدن يعلم جيدا دور وتأثير قوى الضغط الفاعلة والمؤيدة لإسرائيل داخل المجتمع الأميركي بما ذلك في قيادة الحزب الديمقراطي والإدارة الجديدة وبمعاملته هذه يريد ترويض ولجم اندفاع النتن ياهو واعادته الى بيت الطاعة الأمريكية ذليلا وصاغرا فضلا عن سعيه بكل الوسائل لإسقاطه واستبداله بغيره بعد تلقينه درس قاس وتذكيره بضرورة احترام القواعد والأصول وان العين لا تعلوا عن الحاجب وأن يعلم ان في البيت الأبيض الآن رئيسا جديدا اسمه جو بايدن وليس دونالد ترامب وحزبا ديمقراطيا وليس جمهوريا



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات