هل نحن فوضويون جينــيا ؟؟


يقف المرء طويلا حين يخلو بنفسه ، متسائلا عن الفوضى العارمة التي يعيشها أبناء وطننا في هذه السنوات العجاف الأخيرة ، هذه السنوات التي جف فيها كل شيء : الزرع والضرع والماء واليندورة والبطاطا وحتى الهمم والأخلاق النبيلة والمروءة والنخوة وكل ما في هذا المعجم الدلالي من أسماء .
أقف حائرا أمام مشاهد مؤلمة من الفوضى بصورها الكثيرة في مجتمعنا : كالفوضى المرورية ، والثقافية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ... فأصرخ عاليا : هل نحن شعب فوضوي فطرة وغريزة ؟ ونفكر دوما بابتكار أساليب وطرق لإبقاء هذه الفوضى بيننا ، إلى درجة أنني أصبحت أكثر اقتناعا بنظريات (هيبولت تين )و(سانت بييف ) الاجتماعية وما طرحاه من قضايا ‘مثل : أصالة العرق والجنس والبيئة ، وصفاء العرق
نحن شعب فوضوي مروريا : وأول ما نفكر به هو خرق النظام المروري : قطع الإشارة ، لف الدوار المتصدع ، خرق تعليمات اللوحات المرورية ، عدم إعطاء الأولوية ، إلى درجة استهجاننا لشخص يأخذ أقصى يمينه سائرا بسرعة معقولة حين نطلق عليه حناجرنا وأبواق سياراتنا حانقين ، لأنه خالف المعتاد .ويرافق هذا تقصير واضح في تطبيق الإجراءات القانونية التي تحافظ على هيبة النظام ولهذا أيضا أسبابه
نحن شعب فوضوي فيما يتعلق ب( الأتكيت ) أو أساليب التعامل مع الجمهور ، لا نحترم قيمة الوقت والعمل والنزهة وممارسة الرياضة وأوقات المطالعة ، فتتداخل ساعات اليوم لتشكل فوضى وقتية نهايتها أننا لا نتقن أو ننجز شيئا ، والأدهى أننا نتحجج بضيق الوقت كسبب مقنع لعدم إنجاز أعمالنا .
إننا شعب ينقصه اللباقة في كثير من المواقف : مخاطبة كبار السن ، مخاطبة المدرسين ، مخاطبة الجنس الآخر ، مخاطبة المسئول ، مخاطبة الزبائن .. فلا عبارات احترام رقيقة ، لا ابتسامة لطيفة ، لا ألقاب وكنى محببة ، لا أدنى إشارة تشعر الآخر أنك تحترمه ، نحن شعب تعودنا على تحقير الآخر من خلال كل خلية في أجسادنا : العين واللسان وحركات اليد وحتى عضلات الوجه ، شعب يحب التنابز بالألقاب ـ لكل واحد لقب ذميم ـ نحب الغيبة والنميمة والعرط وتضخيم الذات ، وتضخيم الأحداث والإطناب والنرجسية
لا توجد في قاموسنا اللفظي عبارات مثل : يا أستاذ ، تكرم ، حاضر يا أخي ، من فضلك ، لطفا ، معذرة ، أنا متأسف جدا ، لقد أخطأت آسف ، ممكن أن أراك ، أرجو الاتصال بك ،وبالمقابل متى سنستغني عن عبارات مثل : روح بلط البحر ، اللي في إيدك ، روح عني ، شو صار خربت الدنيا ، واصله معي لهون ، (وطز)، وحتى عبارة ( إن شاء الله ) جعلنا لها مدلولا سلبيا ،وأمثال هذا القاموس اللفظي البذيء المرفوض دينيا واجتماعيا .
نحن شعب يستخدم يديه ويرفع صوته كثيرا حتى في حالات التخاطب الطبيعي ، فلا يكاد يفتح فمه إلا ويبدأ بالصراخ وتحريك اليدين لتتحرك بعدها عضلات الوجه بصورة كاريكاتورية مضحكة ، وانتقلت هذه العدوى إلى خطباء المساجد الذين يبحون أصواتهم على المنابر ، دون أن يدركوا أنهم يتحدثون بوساطة مكبرات الصوت التي يسمعها كل من في المدينة .
نحن شعب لا نحب أن نرتب أشياءنا الخاصة ، فهي تعيش معنا حالة الفوضى ، الفني في الكراج مفكاته وعدة العمل متناثرة ، والطالب دفاتره وكتبه مبعثرة ، وأوراق الأساتذة ومقالاتهم وكتب مكتباتهم متناثرة ، البيوت من الداخل صباحا تحبطك عن ممارسة يوم جميل يدعو إلى التفاؤل فلا أسرة الأولاد ولا غرفهم ولا المطبخ ولا حفريات الشوارع المحيطة التي لم تنجز بسبب التخبط والفوضى تشعرك بيوم حافل بالإنجاز ، نحن نعيش زمن الفوضى غير الخلاقة التي تسير بنا نحو الهاوية في كل ميادين الحياة .
هذه الفوضى تنتقل من الأفراد إلى المؤسسات : هنالك أكثر من وزير للقيام بعمل واحد ، وهناك أكثر من مؤسسة تعنى بشئون الفقراء ولكنها تقتات عليهم ، ، والمستشارين ومحميات المؤسسات الخاصة في الدولة ، وكذلك الشأن مع المؤسسات الثقافية ؛إذ كلما تشعبت المؤسسات ضاعت المضامين والعناوين الثقافية وبرز الانتهازيون الثقافيون ، وما مدن الثقافة وإجازات التفرغ الإبداعي إلا نموذج على هذه الفوضى .وينسحب هذا على الطباعة والنشر وحقوق المؤلف
وهنالك كثير من مظاهر الفوضى نمارسها في الأعراس والأتراح والنجاح والولائم والعادات الاجتماعية وداخل الجامعة وفي الباصات والمتنزهات وغير ذلك . نكاد لا نشاهدها إلا في المجتمعات المتخلفة البائسة والمحبطة . وصدقوني إنك لا تجد مثل هذه الظواهر القاتلة في كثير من المجتمعات العربية ، وإذا ما التفت حواليك إلى سوريا أو لبنان أو دول الخليج فإنك حتما ستصاب بالصدمة الحضارية ، فالشوارع النظيفة من مظاهر العنف ، والحياة تسير بصورة اعتيادية ، والكل سائر نحو مصلحته بجد ونشاط ، ينصاعون لأوامر الشرطي ، وينفذون التعليمات ، وفي زيارة أخيرة إلى دمشق لم أشاهد راكبا في سيارة لم يلتزم بوضع حزام الأمان !!!
لماذا نحن هكذا من دون خلق الله جميعا أسعارنا حرة طليقة ، وشبابنا أحرار يفعلون ما يحلو لهم في الشوارع ، رجال الأمن يضربون وكذلك المواطنون ، والشوارع تغلق ، والمؤسسات تدمر ، والأموال تنهب ، فوضى في التعليم وأزمة في السلوك .
وإن الحل السحري لكل ما سبق هو في تطبيق القانون وحده، والضرب بيد من أي معدن ثقيل على يد كل من يقع في قبضة العدالة أيا كان وابن من هو كائن ، معتذرا عن هذه اللغة التشاؤمية التي ربما هي جزء من الفوضى المجتمعية العارمة .



تعليقات القراء

سياج المجالي
الاخ الدكتور طارق 00لن اعترض على جمله كتبتها بعجالتك هذه واتفق والملايين معك00
واشرت للخلل وهو القضاء وتعطيل القانون 00
ولكنني اخالفك بأنها الفوضى الخلاقه والمفتعله لأمرآ بنفس يعقوب ان لا يتم تغليض العقوبات وان تقوم الحكومات التجاريه بالتدخل بتزوير ارادات الناس وبالانتخابات الاخيره تغض الطرف عن افساد ذممهم بالرشى والبيع والشراء 00
والامر الاخر ان هناك تنازلآ للحكومه عن دورها الطبيعي برعايه مواطنيها بعد عمليات الخصخصه او كما يحلو للمصريين بتسميتها ( اللصلصه ) والتي ادت لرمي العامل الاردني بالشارع عضو بنادي البطاله ومشروع عنف هو واولاده 00 نلهيك عن التفكك الاسري وناهيك عن التغيرات الديمغرافيه والتي ابتلينا بها على حساب رفاهيه الشعب وخصوصآ بعد عام ال1990
02-12-2010 01:35 PM
د.طارق
أشكرك أخي العزبز سياج على ملاحظاتك وتعليقاتك المفيدة
02-12-2010 06:42 PM
ابو محمود
الحل باحترام القانون
09-12-2010 01:59 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات